تحتل قضية «السفر» على خطوط الطيران الداخلية الكثير من اهتمام الإعلام. وقد كثر الحديث مؤخرا عما يعانيه المسافر على الرحلات الداخلية من مشاكل، ابتداءً من سوء الخدمة في المطارات، وسوئها «في الجو»، وعدم توافر المقاعد، إلى تأخير مواعيد الإقلاع، وبالتالي اضطراب مواعيد الرحلات، قياما ووصولا. ولكي نعطي كل ذي حق حقه ولا نحمل جهازا بعينه أو جهة بذاتها أو شخصا ما مسؤولية كل ما يحدث، لا بد أولا من فهم أساس التدهور في صناعة النقل الجوي الداخلي في المملكة، إذ قامت حكومة المملكة في عام 1945 تحديدا بإنشاء الخطوط الجوية العربية السعودية لربط المدن الداخلية الرئيسية ببعضها البعض وكذلك ربط مدينة جدة بالعالم. ومنذ ذلك الوقت والحكومة لم تأل جهدا في دعم الناقل الوطني، إيمانا منها بأهمية هذه الشركة في دعم الاقتصاد الوطني وتوفير سبل الراحة للمواطن والمقيم. لا يخفى عليك أيها القارئ الكريم بأن قطاع النقل الجوي الداخلي في المملكة يعتبر من أكبر وأهم القطاعات التجارية في الشرق الأوسط، وذلك بحكم اتساع رقعة المملكة وتواجد 26 مطارا وأكثر من 27 مليون نسمة من مواطنين ومقيمين هم عماد هذا السوق الهائل، الذي لم يقابله تطور كمي ونوعي في صناعة النقل الجوي وذلك لعدة أسباب أبرزها تكاسل الخطوط السعودية، رغم الدعم الحكومي اللامحدود الذي أدى بدوره إلى عدم اهتمام هذه المؤسسة بتطوير نفسها بالشكل المطلوب، وكذلك إغفال النمو المتزايد على طلب الخدمة، وارتفاع سقف معايير الخدمة لدى المستهلك المحلي. وزاد الأمور سوءًا غياب التخطيط الاستراتيجي، وخاصة في فترة الثمانينيات والتسعينيات، وقد شمل سوء التخطيط اختيار الاسطول واختيار الأنظمة الآلية وتدريب وتطوير قدرات الموظفين سواء الجويون أو الأرضيون. ولكي ترأب الصدع الذي سببه سوء التخطيط، وفي قطاع مثل الطيران التجاري، فإنك تحتاج الى سنوات عديدة وجهود جبارة. هناك عدة أمور يجب البتّ فيها مباشرة لتصحيح الخلل وتقليص الفجوة بين الطلب والعرض في النقل الجوي. أولها فتح المجال لشركات جديدة، يفضل أن تكون سعودية، وبدون قيود تجارية.كذلك فإن هيئة الطيران المدني التي تعتبر المسؤول الأول والأخير عن صناعة النقل الجوي الداخلي لم تواكب التطور العالمي في صناعة النقل الجوي، وأساليب إدارة هذا القطاع الحيوي. فالسماح لشركات طيران جديدة بتسيير رحلات داخلية أتى متأخراً. ما الحلول إذن؟ هناك عدة أمور يجب البت فيها مباشرة لتصحيح الخلل وتقليص الفجوة بين الطلب والعرض في النقل الجوي. أولها فتح المجال لشركات جديدة، ويفضل أن تكون سعودية، وبدون قيود تجارية، وبحيث تتم معاملتها معاملة الخطوط الجوية السعودية في جميع المحفزات. ثانيا، يتم إلغاء السقف الأعلى لأسعار التذاكر، وترك السوق ليحدد السعر حسب العرض والطلب وحسب مستوى الخدمة المقدمة. ثالثا، وضع خطط استراتيجية طويلة المدى لتطوير البنية التحتية للمطارات.