مشهد يجمع بين نقيضين ويعكس مفارقة مفادها أن تكنولوجيا الاتصالات لم تعد حصراً بالحضارة والحياة المدنية العصرية المرفهة.. ولا حصراً بالطبقات المتوسطة والمحدودة الدخل ولا حتى بالفقيرة.. لكن ذروة المفارقة تكمن في وجود هذه التكنولوجيا في بيت سقفه وجدرانه من التنك، ويفتقر إلى أدنى مقومات البيت الذي يصلح للسكن والإقامة.. فالمواطن يوسف إبراهيم الشهير ب (أبو غصوب)، وهو مزارع فلسطيني حاصل على الجنسية اللبنانية، لا يجد تناقضاً بين حالة البيت (التنكي) الذي يقيم فيه وسط قطعة أرض لآل البساط يقوم بزراعتها في ساحة الشهداء في مدينة صيدا، وبين أن يمتلك (دشاً) أو صحناً لاقطاً للقنوات الفضائية ثبّته وسط مشاتل الكوسا والملوخية واللوبية وقام بوصله بجهاز تلفزيون داخل بيت التنك المؤلف من غرفتين بمنافعهما، جدرانهما من ألواح التنك والزنك.. فيما هو جالس على كرسي بلاستيكي تحت خيمة ملحقة بالغرفتين يباشر أعماله الزراعية بواسطة هاتف خلوي يشرّجه بالوحدات شهرياً.. بينما تقوم زوجته بتعليق الثياب على مسامير ثبّتت بشكل متناسق على نافذة خشبية، ثم تفرغت لتحضير الطعام في زاوية من المكان بدت وكأنها مطبخ.. كانت أحوالنا أفضل من ذلك بكثير يقول أبو غصوب عندما كنت مستأجراً لأراض زراعية في عين المير في العام 1982، لكن بعد اعتقالي من قبل الاحتلال الإسرائيلي لمدة عام ونصف العام، خرجت فلم أجد شيئاً، فاضطررت للحاق بعائلتي التي كانت قد استقرت في صور، وبدأت من جديد أعمل في زراعة أراض أضمنها وأستأجرها، لكن (على قد حالي).. إلى أن حصلت على الجنسية اللبنانية في العام 1994، وبعدها وفقنا الله بالتعرف إلى بيت البساط الذين احتضنونا وسمحوا لنا بزرع هذه الأرض الصغيرة هنا في صيدا، والتكسب منها. ويضيف: الحمد لله، ربيت أولادي الستة من هذا العمل، ومن بينهم شاب مازال يدرس في الجامعة اللبنانية ويعلّم في مدرسة، وآخر يؤدي خدمة العلم، بالإضافة إلى أربع بنات. ويشير أبو غصوب، إلى أنه ومنذ أن قام بتركيب (الدش) الذي اشتراه بحالة جيدة، بات يتابع ما يدور في العالم من أحداث عبر الفضائيات، وأصبح بيته (التنكي) مقصداً لزوار من جيرانه الذين يقيمون في بيوت مماثلة على مقربة منه، يأتون لتمضية السهرة عنده. ونغادر (تناكية) أبو غصوب الفضائية، وفي ذهننا بعد سؤال لم نسأله إياه، وهو إذا كان يمتلك سيارة يتنقل بها أم لا.. لكن سرعان ما نجد أن لا حاجة لمعرفة الإجابة على هذا السؤال، طالما أن (أبو غصوب) يتواصل مع العالم الخارجي دون أن يضطر لأن يخطو خطوة واحدة خارج مملكته المتواضعة. أبو غصوب (الفضائي) وزوجته