من يتفكر في آلاء الله، ويتأمل في تشريعاته بعين العقل والبصيرة يكتشف اسرارا لا تتناهى، وعجائب لا تحد، تدعو الانسان الى التقرب الى الله، والاحساس بالعبودية، واتباع المنهج السليم والصراط المستقيم (وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه) وما الصوم إلا فريضة من فرائضه، فهوحصن حصين للنفس، وتربية، وطاعة، ونظام، وانضباط، وزاد للروح، ومتاع للقلب، وحمية للبدن، فريضة الصيام تجعل من الانسان ملاكا في صورة انسان، تربي فيه فضيلة الصدق، والوفاء بالعهد والوعد، والاخلاص في العمل، والصبر على الشدائد والوقوف على المحن بثبات لا يلين، فريضة الصيام تبعث في الانسان العطف والرحمة وتغرس فيه الشفقة، يحنو على المسكين، ويتفطر للمكلوم ويواسي البؤساء، ويدرك احوال الفقراء، في الصيام يدع الانسان شهواته وملذاته المباحة امتثالا لأمر الله، واتباعا لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينتصر لنفسه من غائلة شهواته المحرمة في رمضان مناخ عظيم لهجر كثير من العادات السيئة والاخلاق الذميمة شهر هذا اسراره وعجائبه.. فكيف تستقبله؟ وما مراسيم الاستقبال؟. من اعظمها في هذا الشهرالفضيل اصلاح القلوب التي هي وعاء لمستقر الايمان (... في الجسم مضغة اذا صلحت صلح سائر الجسد) كما في الحديث فهل دققنا في احوالنا، ونظرنا في واقعنا، واصلحنا دواخلنا واصبح ظاهرنا كباطننا وعالجنا امراضنا، وقدمنا بين يدي رمضان توبة نصوحا تجلب الرحمات، وتكفر السيئات تؤوب بها النفوس الى بارئها فتنصلح الاعمال والاقوال! شهر رمضان، شهر المغفرة والعفو والرحمة والتجاوز عن الذنوب والاقلاع عن الخطايا، فكيف لمن يطل عليه رمضان وهو عاق لوالديه وقاطع لرحمه، ومتناس لذوي القرابة.. لعل وعس ان يكون شهر رمضان مدرسة تربوية تصلح فساد القلوب واعمال الجوارح وتجعل من الانسان انسانا يرعوي ويتأثر ويؤثر ويستفيد. نستقبل رمضان بنفس معطاء تتفق في سبيل الله ابتغاء مرضاته فالانسان السخي كريم مفضال، يبادر لمواساة الفقراء، ويتلمس احوال الضعفاء، ويتحرى ذوي الحاجات. في شهر رمضان نتطهر من كل حرام حتى نقف بين يدي الله بقلب خاشع ولسان ذاكر وعمل متقبل ودعاء صادق يصعد في السماء.. كيف لانستقبله وفيه ليلة القدر خير من ألف شهر فيه تضاعف الحسنات، وتنشط بواعث الخير، فيه باب في الجنة للصائمين يقال له الريان من دخله فشرب لا يظمأ أبدا.. يستفيد منه الذي يستقبله على أنه مدرسة لتقوية الايمان، وتهذيب الأخلاق وتقوية الارادة، يستفيد منه من يجد في نهاره لذة الصائمين وفي ليله لذة المناجين، ودعاء المستغفرين، يستفيد منه من يستثمر وقته بأن يجعله للقلب والروح، وللحلم والصبر، وللسكينة والوقار. لا من يجعل نهاره رقادا وليله سهرا ولهوا وسمرا أو من يسرح ويمرح في الغيبة والنميمة والكذب والبهتان ولا يجد حرجا بالنظر في الملهيات.. ودأب الصالحين صيام، وقيام وجود، وقرآن وتهجد وتراويح وأذكار وتسابيح وحسبهم من فضائله أن أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار.. فكيف نكون في رمضان؟!