على الرغم من سلسلة اتفاقات خفض الاجور أو زيادة ساعات العمل في ألمانيا بين العمال وعدد من الشركات الالمانية الكبرى مازالت هجرة الشركات الالمانية من بلادها صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا مستمرة بحثا عن أرض جديدة ذات أجور أقل. ففي دراسة حديثة لشركة رونالد بيرجر وجامعة آخين الفنية الالمانية ظهر تزايد أعداد الشركات الالمانية وبخاصة الصغيرة والمتوسطة التي تبحث عن البدء من جديد أو التوسع في دول أخرى غير ألمانيا بسبب ارتفاع تكلفة الانتاج في ألمانيا. والآن أصبحت شركة أدام أوبل لصناعة السيارات أحدث الشركات الكبرى التي بدأت معركة تخفيض الاجور أو زيادة عدد ساعات العمل الاسبوعية مع العمال في مصانعها بألمانيا. فقد أعلنت الشركة سعيها إلى العودة إلى نظام عمل 40 ساعة أسبوعيا دون أي أجر إضافي. وكانت شركات ديملر كرايسلر الالمانية الامريكية للسيارات قد توصلت إلى اتفاق من هذا النوع مع عمالها بهدف خفض الاجور وكذلك فعلت سيمنس للالكترونيات وفولكس فاجن للسيارات. وكانت فولكس فاجن قد دعت عمالها في ألمانيا الاسبوع الماضي إلى القبول بتجميد أي زيادة في الاجور لمدة عامين كجزء من خطة الشركة لخفض نفقاتها بنسبة ثلاثين في المائة خلال ست سنوات. ووفقا لتقارير صحفية فإن شركة أودي للسيارات التابعة لمجموعة فولكس فاجن تفكر أيضا في نقل جزء من إنتاجها إلى الولاياتالمتحدة. ورغم تأكيدات مدير الموارد البشرية في فولكس فاجن بيتر هارتز على أن الشر كة لا تريد نقل مراكز إنتاجها إلى مناطق أخرى أقل تكلفة فإنه حذر من أن الطرز الجديدة التي تعتزم الشركة إنتاجها قد تنتج في مصانع الشركة بمدينة فولسبورج الالمانية حيث يوجد مقر رئاستها أو في أي مكان آخر بأوروبا. وبعيدا عن المعركة التي يخوضها بيتر هارتز في الشركة بشأن برنامج خفض النفقات المكون من ست نقاط فإن هارتز أيضا هو أحد مهندسي برنامج المستشار جيرهارد شرودر لاصلاح سوق العمل في ألمانيا من خلال زيادة مرونة تعيين وتسريح العمال في الشركات الالمانية بالاضافة إلى تقليص المزايا الاجتماعية التي يحصل عليها الالمان من الدولة. والحقيقة أن التغيرات الجديدة تزامنت مع النمو السريع للعولمة وتراجع أعد اد أعضاء النقابات العمالية الالمانية وهو ما قد يؤدي إلى تدمير الحركة العمالية الالمانية التي كانت ذات يوم فائقة القوة والتأثير. فقد بدأ ميزان القوة يميل لصالح أرباب الاعمال. ونتيجة للتحول في ميزان القوى بدأت الشركات الالمانية تستخدم سياسة العصا بدلا من سياسة الجزرة للحصول على تنازلات من جانب العمال. والتهديد الاساسي هو نقل المصانع خارج ألمانيا و هو ما يعني فقدان فرص العمل في البلاد. وبالطبع فإن انضمام ثمانية من دول شرق ووسط أوروبا إلى الاتحاد الاوروبي في مايو الماضي بما توفره هذه الدول من عمالة رخيصة للغاية مقارنة بتكلفة العمالة الالمانية منح الشركات الالمانية مساحة أكبر للمناورة مع عمالها. وبالفعل نجحت شركات عديدة في الحصول على تنازلات كانت تبدو مستحيلة في وقت من الاوقات من جانب النقابات العمالية مثل العودة بعدد ساعات العمل الاسبوعية إلى أربعين ساعة بدلا من 35 ساعة بدون أي زيادة في الاجور. وفي ظل المنافسة الشرسة في الاسواق العالمية اتجهت شركات السيارات الالما نية إلى العمل في دول وسط وشرق أوروبا حيث تكلفة الانتاج المنخفضة حتى وصل عدد مصانع تجميع السيارات الالمانية في وسط أوروبا إلى حوالي 200 مصنع. ويبلغ حجم إنتاج الشركات الالمانية في دول وسط أوروبا نصف طاقتها الانتاجية ككل. وبخاصة في جمهورية التشيك التي أصبحت ثالث أكبر مركز لانتاج السيارات الالمانية خارج ألمانيا بعد أسبانيا والصين. وهذا الاتجاه تأكد من خلال دراسة مؤسسة بيرجر آخين التي ذكرت أن حوالي تسعين في المائة من الشركات الالمانية تفكر في نقل مراكز إنتاجها خارج ألمانيا هربا من تكاليف الانتاج المرتفعة . وأخيرا فإنه من الصعب التنبؤ بالمشهد العام في ألمانيا بعد عدة سنوات وهل ستصبح ألمانيا صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا دولة بلا مصانع ولا مراكز إنتاج أم سيتمكن طرفا المعادلة من الوصو ل إلى نقطة تلاق تضمن استمرار عبارة (صنع في ألمانيا) على أجود المنتجات العالمية.