عندما هاتفتها، جاءني صوتها عذباً مرحاً يفوح تفاؤلا وأملاً وعندما صرحت لها برغبتي في لقائها رحبت وبادرت بالحضور من الأحساء (حيث تقيم) إلى الدمام. وكان اللقاء .. وقفت أمامها مذهولة من تلك القوة التي تملأ قلبها.. إنها (إيمان الطلب) شابة في عمر الزهور، تبهر من يراها لا محالة بجمالها أو أناقتها وإنما بشخصيتها القوية، عن كل ما أصابها. لقاء سريع أجريته معها وحوار لا تنقصه الصراحة دار بيني وبين إيمان التي أصيبت منذ عشر سنوات بحادث مروري أدى إلى إصابتها بشلل رباعي وجعلها تصنف ضمن فئة المعاقين. كانت تحدثني وتجيب عن اسئلتي بابتسامة تمنح من يراها الأمل في غدٍ مشرق، حديثا عن المستقبل واعتزازها بنفسها وثقتها في قدراتها والقوة التي تنطلق من أعماقها تدل على قوة إيمانها بالله ورضاها بالقدر وتجعل كل من يجالسها لا يمل من كلامها. @ من إيمان ؟ اسمي ايمان الطلب. ولدت في الاحساء وكانت ولادتي طبيعية توفي والدي وأنا في الخامسة من عمري فكانت هذه هي الصدمة الأولى في حياتي .. ثم تعرضت لحادث مروري كانت نتيجته أن أصبحت مشلولة شللاً رباعياً، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن وأنا لا أفارق هذا الكرسي المتحرك. @ حدثينا عن نشأتك نشأت وسط أم حنون وأب طيب وأخوة وأخوات رائعين ترتيبي هو الثامن وسط عشرة أخوة وأخوات. لا أذكر أبي جيداً لأن طبيعة عمله كانت تتطلب منه أن يسافر كثيراً كما أنه توفي رحمه الله وأنا طفلة صغيرة. @ ما الصعوبات التي واجهتها خلال مشوار حياتك؟ واجهت العديد من الصعوبات التي تتلخص في نظرة المجتمع لي كمعاقة وتعليقاتهم الجارحة أحياناً .. لكنني ولله الحمد كنت دائما أجتاز تلك الصعوبات ولا أدعها تقف عائقا في سبيل الوصول لأهدافي في الحياة. @ كيف تغلبت على هذه الصعوبات؟ بالإيمان بالله الذي منحني الرضا والطمأنينة ولعل معنى اسمي قد ساعدني كثيراً ودعمني معنوياً لقد وصلت إلى قناعة تامة بأن الله يحبني ولذلك فقد ابتلاني وهذه القناعة ساعدتني كثيراً على الصبر والتكيف مع الحياة والإصرار على مواصلة مشواري الدراسي وتحقيق أهدافي التي اصبو إليها فالنجاح لا يربط بالجسد بقدر ما يرتبط بالعقل والإرادة والقوة الروحية والتركيز على الأهداف، لقد أعطاني ربي بعد الحادث قوة داخلية عظيمة شعرت بها وحمدته عليها .. إنني أردد دائما بيني وبين نفسي (نحن لا نختار الفشل ولكننا بالمثابرة نصل للنجاح) . باختصار أستطيع أن أقول: إن تغلبي على الصعوبات التي واجهتني بالحياة سره التكيف مع ما هو حولي ومن هم حولي .. هذا التكيف زاد من إصراري على النجاح، وجعلني أخرج للمجتمع وأتواجد في المناسبات العامة دون حرج. @ حصلت على شهادة الثانوية العامة وبتفوق كيف حصل ذلك؟ أحمد الله أن وفقني للحصول على الثانوية العامة وتحقيق الهدف الأول من الأهداف التي رسمتها في حياتي .. أما كيف حدث هذا فبفضل الله أولا ثم بفضل عائلتي التي ساعدتني ودعمتني وكذلك معلماتي الفاضلات فبعد أن حاولت ولسنوات عديدة من التسجيل في المدرسة لإكمال دراستي، لم يكن يتم قبلي لرفض المديرة استقبالي في مدرستها.. ولكنني لم أيأس حتى وفقني الله للالتحاق بالمدرسة وكنت أدوام يوميا رغم المشقة التي كنت أتعرض لها. @ ماذا عن المستقبل، كيف تخططين له؟ حاليا قدمت أوراقي في جامعة الملك فيصل بالهفوف قسم (تربية خاصة) وأخطط للحصول على الشهادة الجامعية، ومن ثم العمل في مجال التربية الخاصة. @ ما هواياتك ؟ أحب القراءة كثيراً فهي مفتاح المعرفة، وأقرأ كل ما يقع أمامي من كتب كما أهوى الكتابة ولي بعض المحاولات. @ هل تذكرين موقفا محرجا تعرضتي له ومازال عالقاً في ذهنك؟ نعم، كان ذلك في بداية التحاقي بالمدرسة بعد إعاقتي مجموعة من الطالبات كن ينظرن إلي ويتهامسن فيما بينهن ويضحكن علي شعرت لوهلة بالحرج ثم تجاهلت أمرهن ومنحت نفسي جرعات من الثقة بالنفس حتى أتمكن من مواجهة مثل هذه المواقف. @ هذه الثقة الكبيرة بالنفس وبالقدرات الذاتية من أين اكتسبتها إيمان؟ من إيماني الكبير بالله وبأن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا بدعم من هم حولي وحبهم لي قد منحت ذلك إرادة قوية وثقة بالنفس جعلتني قادرة على مواجهة أي مصاعب. @ هل أنت سعيدة؟ نعم، سعيدة جداً وسر سعادتي يكمن في كلمة بسيطة وهي (الرضا) لأن الرضا هو مفتاح السعادة فعندما يرضى الإنسان بظروفه الحياتية يشعر بالقناعة ويتلذذ بطعم السعادة ولذلك فقد نجد غنيا متعافيا أعطاه الله كل شيء لكنه غير سعيد لأنه غير راض ولا قانع بما لديه. وفي المقابل قد نجد فقيراً مريضا وفي غاية السعادة لأنه رضي بفقره ومرضه الذي كتبه الله له، إنها مسألة إيمان بالله لا أكثر ولا أقل. @ هذا الابتلاء ماذا أضاف لإيمان؟ أضاف لي الكثير الكثير فقد أصبحت اكثر جرأة بعد أن كنت انطوائية وخجولة قبل الحادث كما أصبحت في حالة تحد مع نفسي، لقد منحنى إصراراً عجيبا على النجاح وعزيمة قوية جداً وهذا من فضل ربي علي. @ فلسفتك في الحياة كيف تلخصينها في جملة واحدة؟ ما حدث حدث .. فلننظر بواقعية أكثر ونرى كيف سنتكيف مع الوضع. @ كلمة أخيرة وعرفان لمن تقدمينها؟ أقدمها لأمي الحبيبة وأخوتي وجميع من ساندني في محنتي ولجريدة (اليوم) التي أتاحت لي المجال لأتحدث من خلالها عن إعاقتي ولك أنت شخصياً يا أستاذة سحر.