لم تمنعه الإعاقة من مواصلة مشوار حياته، ومشواره الطويل في تكوين أسرة وخدمة مجتمعه، على العكس تماماً دأبت تلك الإعاقة في رسم حلمه بالعزيمة والإصرار، متغلباً على عجلات كرسيه المتحرك التي أصبحت بمثابة قدمين تذهب به أينما شاء. ويحكي الشاب محمد عبد الله الشريف، أحد متحدثي مؤتمر تيدكس البكيرية، الذي أقيم بالبكيرية بتنظيم الغرفة التجارية الصناعية بالمحافظة قبل أسابيع، تجربته الحياتية أثر التحول بعد تعرضه لحادث مروري قبل سنوات. وقال الشريف: "بدأت تعليمي في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية وأصبحت أحلامي وطموحاتي تكبر شيئا فشيئاً كأي شاب، أنهيت الثانوية بنسبة عالية تؤهلني في الالتحاق بأي جامعة أو كلية، لكن رغبة أسرتي في أن أكون أحد ضباط هذا الوطن الغالي، كانت هي الفاصل، إذ أستطع مخالفة ما تريده أسرتي". ويتابع الشريف: " التحقت بكلية الدفاع الجوي في جدة وبدأت دراستي بها وأنا أرسم آمالي التي سأسعى لتحقيقها كأي شاب من الوظيفة ثم السيارة ثم الزوجة الصالحة، وها آنذا أتخرج من كلية الدفاع الجوي لأحقق أول أحلامي ، لأصبح ضابطاً برتبة ملازم في الدفاع الجوي، ولم ألبث كثيرا حتى اشتريت تلك السيارة التي طالما حلمت بها. ويضيف الشريف: " لقد أحببت فكرة السعي وراء تحقيق أحلامي، بيد أنني أصبحت هاوياً لوضع هدف ثم تحقيقه، أمضيت قرابة السنتين بالوظيفة لأرتقي للرتبة التي تليها، وبعدها قررت تحقيق الطموح الأخير الذي يريده أي شاب بالزواج، ويسر الله لي هذا الأمر بمساعدة أمي". ويتابع الشريف: "بعدها بعدة أشهر قبل زواجي سافرت مع عدد من الأصدقاء بالسيارة متوجهين لأداء العمرة، وقبل وصولنا حدث ما قضاه الله وقدره، اصطدمت بنا سيارة كبيرة بجهتي في المقعد الأيمن من السيارة سببت لي إصابات بليغة، قلبت مجرى حياتي رأسا على عقب فأصبت في الحادث بستة كسور بالوجه والساق، وإصابتي الأساسية التي أقعدتني عن المشي كسر بالعمود الفقري، تسبب في إصابتي بالشلل فلم أعد قادراً على المشي". ويضيف، "لا أعلم وقتها ماذا حدث بالضبط أهو كابوس راودني في منامي أم هو حقيقة يجب أن أسلم لها، استيقظت من حالة الإغماء بعد قرابة ستة أيام من الحادث وأنا بالمستشفى، فسألت من حولي ماذا يحدث؟ فأجابني والدي أني قد أصبت بحادث وبدأ يصف لي ما أنا فيه حتى اسودت الدنيا بوجهي وأدركت أن حياتي أوشكت على النهاية، وكنت استعيد شريط ذكرياتي (طموحاتي وأحلامي، وظيفتي، سيارتي، شريكة حياتي)، كل معالم حالتي الصحية تقول بأنها كانت مجرد سراب واختفى". ومضى الشريف في حديثه: "بدأت بعدها في مشوار العلاج في الوقت الذي لم أكن أعلم ماذا سيفيد بعد أن أصبحت مصابا بإعاقة مستديمة؟ أمضيت أشهراً والأمل لا يكاد يمر علي ولو للحظة، كنت أنتظر رحلتي العلاجية في ألمانيا علها تعيد شيئا مما فقدته، فاخترت طبيبا تفوق سمعته عنان السماء يدعى (كيفت) كنت أسمع به وأنا لازلت في المملكة وكلي شوق أن ينقذني بعد الله من محنتي التي أمر بها، جلست مع الطبيب كيفت بعد أن خضعت لفحص مدته أسبوعين ليقرر البرنامج العلاجي الذي سأمر به فقال لي: إنهم يقولون أنك كنت ضابطا ببلدك أليس كذلك؟ أجبت: نعم، فقال هذا يعني أنك ذو فكر رفيع وثقافة عالية فلن أتعب في توصيل المعلومة لديك، يجب أن تركز على أطرافك العلوية وتقوية يديك لتساعدك في قضاء احتياجاتك على كرسيك المتحرك لبقية الحياة ولا تضع وقتك بعلاج أرجلك فلن تعود لها الحركة مطلقا". ويتابع الشريف: " عدت من ألمانيا مقتولاً بسبب تشخيص الطبيب،عدت جسدا بلا روح كنت آنذاك أفضل الموت على البقاء، كيف لي أن أعيش بعد ذلك وجميع ما بنيته ذهب بلحظة؟ لقد واصلت علاجي، وقابلت عدداً من الأشخاص القدامى المصابون بنفس إصابتي، ورأيتهم كيف تمكنوا من العيش بعد الإصابة وكل واحد منهم لديه سيارته الخاصة يقودها بنفسه والبعض منهم متزوج ولديه أطفال وآخرون موظفون بوظائف مرموقة". ويضيف، :أحسست بعدها أنني أستطيع أن أكون كذلك بل أفضل، أصبحت أتقبل التمارين العلاجية أفضل من السابق حتى أشرقت تلك الشمس بحياتي صباح ذلك اليوم الذي رأيت حركة بفخذي اليمين وكأنها نبض قلبي حينما يصحو بعد الموت فأدركت بعدها أن قوة الله وقدرته تفوق كلام (كيفت) ، أردت العودة لأحلامي فطلبت من أخي أن يرسل لي سيارتي التي انتظرتني أكثر من السنة والنصف في فناء منزلنا وقمت بتجهيزها لأتمكن من قيادتها وأصبح الموضوع أسهل مما كنت أتوقع وهاهي أحد أحلامي تعود بفضل الله". ويمضي الشريف في حديثه: "بدأت أخرج بنفسي على الكرسي المتحرك إلى كل مكان أريده حتى أصبحت ماهرا في استخدام كرسيي فأعجب بي إدارة المستشفى الذي أتعالج به لما أحسوه بي من تفاؤل وقوة فعرضوا علي أن أكون موظفا لديهم لأدرب من أصيبوا مثلي على مهارات الكرسي المتحرك ولأكون معالجا بالترفيه وسعدت كثيرا بهذا العرض الذي حققت به أحد أحلامي التي ظننتها لن تعود فلم يبقى إلا زوجتي التي لم ترفض أن ترتبط بي حتى لو كنت معاقا ولدي منها أجمل هبة بحياتي ابني (راكان) وابنتي (جود)، وأسأل الله أن يجعلهما صالحين. وختم الشاب الشريف حديثه بقوله: "وها آنذا عدت إلى الحياة ولم تمنعني إصابتي بل إن واقعي الحالي أفضل بكثير مما كنت عليه قبل أن أصاب، فأنا الآن أحس بالإنجاز لأنني أساعد وأقف جنبا إلى جنب جميع من تعرض لمثل ما حدث لي فأحاول أن أنقل قصتي لهم لأرى الفرحة بأعينهم وأخبرهم بأن المستقبل ما زال أمامهم، وزادني شرف ورفعة أن شاركت كمتحدث في هذه الأيام الجميلة في تيدكس البكيرية لأنقل تجربتي التي أحاول أن تصل لتلهم من يحتاجها".وفقا ل(الجزيرة أونلاين)