يعاني مناخ الاستثمار في الدول العربية من حالة كساد وركود وتباطؤ في النمو منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، والتداعيات السياسية في المنطقة وعلى رأسها الحرب الأمريكية ضد العراق، والأحداث المشتعلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بالإضافة إلى ذلك فإن الاستثمار في العالم العربي يعاني حالة فقدان الثقة في الآليات والبيئة التشريعية والضريبية الحاكمة له، حيث تخضع الاستثمارات في الدول العربية لأعباء ضريبية ينوء بها كاهل المستثمر العربي وتدفعه دفعًا للهروب لاستثمار أمواله في الأسواق الخارجية، على الرغم من المخاطر التي تحيق بالاستثمارات العربية في هذه الدول والتي فاق حجمها مؤخرًا قرابة 800 مليار دولار، كما يفتقر مناخ الاستثمار العربي إلى الآليات الضرورية للربط بين المستثمرين العرب، وتعريفهم بقائمة المشروعات الجاهزة للاستثمار في العالم العربي فما هي سبل إصلاح مناخ الاستثمار في العالم العربي؟ والخطوات التي تساعد على التخلص من حالة الركود التي يعاني منها؟ حول الاستثمارات العربية وسبل دفعها، يقول د.أحمد جويلي الأمين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية إن هناك التزامات مالية وضريبية كبيرة تثقل كاهل المستثمر في العالم العربي، هذه الالتزامات من شأنها أن ترفع تكلفة الاستثمار والإنتاج، كما أن البيروقراطية والأداء الإداري السيىء من أسباب فشل وهروب الاستثمارات من المنطقة، وهو ما اوجد مناخاً من عدم الثقة عند المستثمر الذي يبحث عن المكسب والربح في المقام الأول. ويشير "جويلي" إلى أن هناك سبلاً عديدة لتشجيع الاستثمارات العربية منها ما تم الإعلان عنه من فكرة إنشاء صندوق للاستثمارات العربية بدعم من العناوين المالية العربية والاتحادات النوعية التي يزيد عددها على 30 اتحادًا لكن ذلك يستوجب تهيئة الظروف والمناخ المناسب للاستثمار مما يتطلب عمل تشريعات وحوافز للاستثمار وتوفير الضمانات لحرية دخول وخروج رؤوس الأموال، وتحرير سعر الصرف وتطوير المؤسسات المالية العربية، مشيرًا إلى أن هناك مشروعات بالفعل تحتاج إلى مستثمرين وتبلغ حوالي 18% من المشروعات الاستثمارية العربية وهذه المشروعات تستلزم إنشاء آليات للجمع بين أطراف العملية الاستثمارية مثل قاعدة المعلومات وسبل التمويل والمؤسسات المعنية بالاستثمار، هذه الآليات بحثها وزراء المال والاقتصاد العرب في اجتماع مجلس الوحدة في دورته الأخيرة وتم إقرارها، ويجب الاتجاه لتنفيذها لزيادة نصيب المنطقة من الاستثمارات العربية التي لا تتجاوز 2% في الفترة الراهنة، وهي أقل من النسبة التي تحصل عليها دولة واحدة في شرق آسيا، مشيرًا إلى أن الأموال العربية المهاجرة تبلغ 800 مليار دولار مستثمرة خارج المنطقة العربية، ويجب العمل على إعادتها، لأن هذه الأموال قادرة على تحقيق نهضة تنموية في كل الدول العربية إذا تم استثمارها في المنطقة العربية. من ناحيته يرى السفير/ جمال الدين البيومي الأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب أن المنطقة العربية في ظل الأحداث والصراعات في الأراضي المحتلة أو في العراق وقبلها أحداث 11 سبتمبر تعاني من نقص في الاستثمارات الأجنبية التي تهرب من أي منطقة تشهد اضطرابات، ولكن الحل الأساسي للتغلب على هذه المشكلة، هو الاعتماد على الاستثمارات العربية ويأتي ذلك بالدخول في مجالات جديدة للاستثمار، وهو ما يستوجب عمل استراتيجية عربية تأتي في إطار تكتل اقتصادي قادر على المنافسة والنمو وعمل اقتصاد قوي، فالكيانات الاقتصادية الكبرى تأتي إليها الاستثمارات الأجنبية، ولكن قبل ذلك لابد من تهيئة المناخ الاستثماري بالدول العربية، وإيجاد رؤية اقتصادية استثمارية بمنظور عربي جماعي بهدف عمل استثمارات بينية مع تطويرالبنية التشريعية في الدول لدعم الاستثمارات المتبادلة ومنحها حوافز واعفاءات متبادلة أيضًا وإضفاء الحماية القانونية عليها. ويضيف "بيومي" أيضًا ينبغي تحديد مشروعات ذات جدوى وربحية في البداية، ثم دعوة المستثمرين العرب لتنفيذها لتكون نموذجاً لاستثمارات عربية مشتركة، خاصة وأن رأس المال دائمًا يبحث عن الربح، كما أنه لا يعرف وطناً خاصا في ظل التطورات العالمية واقتصاديات السوق الحر الذي يمنح حرية انتقال رؤوس الأموال لأي مكان في العالم. معوقات ضريبية ويقول د.حسن قاسم أستاذ المحاسبة بأكاديمية السادات بالقاهرة ان الانظمة الضريبية في العديد من الدول العربية رغم الإصلاحات التي تتم بها، إلا أنها بحاجة إلى مواجهة وتطوير أكبر، فالمنظومة الضريبية في الدول العربية مازالت تمثل معوقًا للاستثمارات، فالضرائب المباشرة وضرائب الأرباح تحتل الصدارة في تمويل الإنفاق والذي يتحملها هو المستثمر، كما أن هناك مغالاة في بعض الإدارات الاقتصادية مع المستثمر مثل الجمارك التي تأخذ 8% من الوارد الاستثماري وسعر الصرف وعدم الاستقرار وقوانين البنوك سواء الائتمان أو التمويل، وكل ذلك يمثل عقبات تؤدي في النهاية إلى هروب المستثمر، مشيرا إلى أن الاستثمار في بعض الدول يعتبر أساساً لدفع عملية التنمية ويحقق انطلاقات كبيرة حيث توفر الاستثمارات فرص عمل ومصادر للدخل، لذا لابد من وضع سياسات جادة وقوية من أجل توفير المناخ الجاذب للاستثمارات، بل وجذب الاستثمارات والأموال العربية من الخارج موضحًا أن هناك كثيرًا من السياسات والتشريعات العربية تجاه الاستثمار يجب تغييرها، كما تجب إعادة النظر في المنظومة الإدارية التي أدت إلى فشل كثير من المناطق الحرة في الدول العربية. ويضيف "قاسم ان هناك عوامل أخرى لتوفير مناخ استثماري جيد في الدول العربية، منها تخفيف أعباء الضرائب غير المباشرة ومراجعة نظم الإعفاءات والحوافز الضريبية ومنح حوافز وإعفاءات أكبر وتحديث الإدارات الجمركية والاعتماد على المؤسسات المالية كالمصارف لتمويل المشروعات وليس الاعتماد على أفراد في المقام الأول مع تشجيع عمليات الخصخصة في الدول العربية وتوفير كل مقومات سوق حر. وهو ما يؤكده د.أحمد الغندور أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، مشيرًا إلى أن الهيكل الضريبي لا يشجع في الدول العربية على التنافسية والاستثمار وجذب المستثمرين لارتفاع أسعاره التي يتحملها المستثمر، كما أن المتغيرات السياسية والتشريعية التي تظهر من آن لآخر تخيف المستثمر وتؤدي لايجاد نوع من الفساد الإداري وكان خير مثال على قتل المنظومة الضريبية في الدول العربية هو فشل المناطق الحرة التي كانت موجودة في الدول بسبب التضارب في التشريعات وهو مؤشر خطر، مطالبا بإعادة النظر في السياسات التشريعية التي تحكم عملية الاستثمار، وتحرير سعر الصرف ومعالجة التضخم، مشيرًا إلى أن الوضع القائم حاليًا أدى إلى هروب المستثمرين بأموالهم للخارج وخسرت الدول العربية المليارات وزادت البطالة، ولذلك يجب أن تتبع الدول العربية الوسائل الفنية لجذب الاستثمارات مثل الرسوم الضريبية أو الجمارك أو حتى المعايير السياسية والحمائية. أما د.سعيد النجار خبير الشئون الاقتصادية فيؤكد أن ضعف وجود الاستثمارات وهروب الاستثمارات الأجنبية من المنطقة يرجع إلى تردي مناخ الاستثمار في المنطقة العربية بسبب الفساد الاداري والتطبيق السيئ للسياسات ووجود جهات رقابية عديدة، بالإضافة لإعباء الاستثمار كالضرائب المباشرة أو غير المباشرة. ويطالب "النجار" بضرورة بحث الأسباب الحقيقية لهروب المستثمرين والأموال العربية للخارج وعدم توافد رؤوس الأموال لمنطقتنا وعلاج هذه الأسباب، مشيرا إلى أن هذه الأسباب تتضمن ارتفاع تكاليف الاستثمار بسبب الضرائب وتعدد جهات الاستثمار وارتفاع عمليات الشحن وسوء التنظيم والادارة. على جانب آخر يؤكد الخبير الاقتصادي إبراهيم اباظة أن هدف الدول العربية الآن من الاستثمارات يتمثل في حصر عدد من الممولين لتحصيل الضرائب وفرض أخرى جديدة، حيث أصبحت الضرائب من أهم مصادر الدخل في الموازنات العربية، وبالتالي أصبحت تكلفة الاستثمار عالية في المنطقة مما يؤدي إلى احجام المستثمرين الأجانب عن الاستثمار في المنطقة، بل وهروب المستثمرين المحليين إلى الاستثمار في الأسواق الخارجية. والحل كما يراه "أباظة" لجذب الاستثمارات وتشجيعها هو تخفيض الضرائب ومنح تخفيضات أكبر للمستثمرين والاعتماد على أرباح إنتاج تلك الاستثمارات، وتشغيل صناعات مكملة وصغيرة وتشغيل الشباب، بالإضافة لمنح حوافز أخرى للمشروعات الناجحة، مشيرًا إلى ضرورة تعديل كل قوانين الاستثمار في الدول العربية برغم الإصلاحات التي بدأتها بعض الدول، وكذلك الإجراءات التي اتخذتها بعض الدول مثل دول الخليج التي سمحت مؤخرًا بالاستثمارات الأجنبية وأصدرت قوانين جديدة مشجعة للاستثمار، ولابد من بذل المزيد من أجل جذب الاستثمارات الأجنبية وتشجيع الاستثمارات العربية، فالاستثمار يعني دفع عجلة التنمية الاقتصادية في أية منطقة. الاستثمار في الدول الغربية يجتذب رؤوس الاموال العربية