يدرس المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالجامعة العربية بالتنسيق مع مجلس الوحدة الاقتصادية العربية وعدد من المؤسسات والهيئات القطرية الخاصة بتشجيع الاستثمار في الوطن العربي على اعداد خريطة استثمارية عربية تكون بمثابة "بطاقة تعارف" للمستثمرين العرب في الداخل والخارج عن فرص الاستثمار في كل دولة والمزايا الممنوحة للمستثمرين مقارنة بالمزايا الممنوحة للمستثمر العربي في دول اجنبية خاصة الدول الاوروبية والولايات المتحدةالامريكية املاً في جذب اكبر نسبة من تلك الاستثمارات العربية بالخارج داخل ارض الوطن حيث يرى د. احمد جويلي الامين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية ان انه لا امل لانتعاش الاقتصاديات العربية الا بزيادة الاستثمارات المشتركة بشكل متوازن مع تنمية التجارة البينية العربية مشيراً إلى ان السوق العربية المشتركة اشبه بطائر له جناحان احدهما الاستثمار والاخر التجارة ولن يقدر ذلك الطائر على التحليق الا اذا تمت معالجة هذين الجناحين بشكل ينافس التكتلات الاقتصادية الاقليمية الراهنة ويقول انه في الوقت الذي تتدفق فيه رؤوس الاموال العربية للاستثمار في الخارج نجد ان الاستثمارت العربية - العربية تتسم بالندرة الشديدة رغم حاجة الاقتصاد العربي إلى الاموال العربية المهاجرة فالدول العربية تدخل ضمن اقل دول العالم جذباً للاستثمارات وتدخل ايضاً ضمن اكثر الدول طرداً لها، ومعظم الاستثمارات العربية في الخارج هي استثمارات خاصة يملكها افراد من جنسيات عربية مع بعض الاستثمارات العامة التي تعود ملكيتها إلى الحكومات العربية وبخاصة الخليجية التي تحاول استثمار العوائد الضخمة للنفط والغاز في اسواق المال الاجنبية. ويرى ان حالة التخبط التشريعي التي يعيشها العالم العربي وعدم ثبات القوانين الحاكمة للعملية الاستثمارية يعد من اهم اسباب هروب الاستثمارات فالبيئة التشريعية تجعل رأس المال غير امن فيضظر للبحث عن الامان والاستقرار التشريعي في اماكن اخرى حيث تنتشر البيروقراطية والروتين في العالم العربي الذي يتطلب التعامل مع عشرات الجهات واستخراج عشرات الاذونات والتصاريح منذ ان يتقدم بطلب للاستثمار حتى الحصول على الموافقة الرسمية ودولاً عديدة تحد من حرية نقل ارباح المستثمر وتطالبه بتدويرها داخل البلد الذي فيه وهناك من تصنيع قيوداً على رغبة المستثمر في حال تصفية مشروعه للخروج من البلد، واذا منحت احدى الدول العربية اعفاء ضريبياً مدته خمس سنوات على المشروعات الاستثمارية في منطقة ما فان المستثمر يقضي من هذه المدة ثلاث سنوات على الاقل لاستخراج التصاريح والاذونات المطلوبة رغم الاعلان دوماً عن تطوير قوانين واجراءات الاستثمار الا انها لا تزال دون المستوى المطلوب. وبخلاف المناخ التشريعي غير الملائم تفتقد العديد من الدول العربية البنية التحتية اللازمة للاستثمار من كهرباء ومياه وطرق مرصوفة وجسور واسطول للنقل البحري والجوي ففي مجال الكهرباء والمياه تحتاج الدول العربية إلى 50 مليار دولار بنية تحتية وفي مجال الاتصالات تحتاج إلى 90 مليار دولار خلال السنوات العشر القادمة حتى تكون قادرة على جذب الاستثمارات الخارجية. ويتفق مع رأي د. جويلي كثيراً من الخبراء العرب الذي يرون مشكلات اخرى مثل عملية النقل وهي واحدة من اهم معوقات الاستثمار فالى الان لا توجد لدى الدول العربية اساطيل من طائرات النقل والشحن الجوي مما يضطر المستثمر إلى تصدير منتجاته اما في طائرات مدنية او عن طريق التنسيق الفردي لحجز مساحات في احدى الطائرات الكبيرة لنقل منتجاتهم إلى الاسواق الخارجية لتقليل النفقات، اما في حالة الدول الجاذبة للاستثمار نجد ان تلك الدول تمتلك اساطيل عملاقة للنقل والشحن الجوي والبحري وتشجيع مستثمريها ومصدريها بشتى الطرق على استخدامها وتتنافس شركات النقل في تقديم ارخص العروض لعمليات النقل مما يغري المستثمرين باستثمار اموالهم في تلك الدول. ومن المعوقات الاخرى التي تقف حائلاً امام عودة الاستثمارات العربية في الخارج كما ترصدها تقارير المجلس الاقتصادي بالجامعة العربية السياسات النقدية في العديد من الدول العربية والتي تحتاج إلى اعادة نظر خاصة فيما يتعلق بارتفاع اسعار الفائدة والذي ينعكس بدوره على ارتفاع تكلفة التشغيل والحد من التوسعات المستقبلية وتحول الاستثمارات المباشرة إلى استثمارات غير مباشرة ثم تحول الاستثمارات غير المباشرة إلى استثمارات قصيرة الاجل مما يرفع من المخاطرة بالنسبة للاقتصاد القومي اذا اعتمد عليها كلية كما كان الحال في دول جنوب شرق اسيا ابان الازمة المالية التي ضربت اقتصادها عام 1997 ولا تزال تعاني اثارها حتى الان. العامل الرابع الذي يؤدي إلى هروب الاموال هو افتقاد الشفافية حيث يشعر المستثمرون العرب بحاجتهم إلى الشفافية ووضوح الرؤية لدى الحكومات العربية خاصة فيما يتعلق بالسياسات الاجتماعية والاقتصادية وقوانين العمل، ويقصد بالشفافية هو الشعور بأن التنافس الشريف ونظافة الاجراءات وعدم اللجوء إلى التحايل والرشوة واستغلال النفوذ هي السبيل لخروج المشروع الاستثماري إلى الوجود وظهور نتائجه الاقتصادية. اما وضوح الرؤية فيتمثل في ان تحدد الحكومات اهدافها وتعيد ترتيب اولوياتها بالنسبة للمشروعات التي تريد تشجيعها لخدمة خطط التنمية لديها وان تتسم قراراتها على مختلف المستويات بدقة الصياغة والوضوح لتسهيل تنفيذها. ومما يؤكد عدم قدرة الدول العربية على جذب الاستثمارات الخارجية تقديرات مجلس الوحدة الاقتصادية في تقريره الصادر عام 2000 بلغ اعلى معدل للتدفق الاستثماري الاجنبي المباشر في الدول العربية 9.5 مليارات دولار بنسبة لا تتجاوز 1% معظمها في مجال النفط، وذلك من اجمالي الاستثمارات العالمية التي تقدر ب 865 مليار دولار وبنسبة 4.2% من جملة الاستثمارات العالمية في الدول النامية والبالغة 207 مليارات دولار وفي المقابل استقطبت الصين وحدها في العام نفسه حوالي 70 مليار دولار. ووفقاً للتقرير نفسه تتركز معظم الاستثمارات العربية في اوروبا والولايات المتحدةالامريكية - ففي اوروبا تحتل سويسرا وبريطانيا وفرنسا المركز الاول بين الدول الغربية الجاذبة لهذه الاستثمارات ثم تأتي امريكا بعد ذلك كما توجد استثمارات عربية قليلة في اسيا وبخاصة في ماليزيا وسنغافورة، حيث تتمتع تلك الدول بالاستقرار السياسي والاقتصادي بالاضافة لقوة النظام المصرفي والنقدي لديها. وتشير د. سمحة الخولي نائب مدير المركز المصري للدراسات الاقتصادية لانخفاض نسبة الاستثمار الاجنبي المباشر في الدول العربية مقارنة ببعض الدول النامية الاخرى مثل شيلي والصين وتايلاند والمكسيك حيث يتجه معدل الاستثمار للناتج المحلي الاجمالي إلى التراجع ابتداء من عام 98 ، 99 حتى عام 2000/2001 وتبرر ذلك بعجز معدل الاستثمار الخاص على الرغم من تزايده، عن تعويض الانخفاض في الاستثمار العام وهو ما ترتب عليه انخفاض معدل الاستثمار الاجمالي خلال تلك الفترة. وتؤكد د. سمحة الخولي انه بمراجعة نمو توزيع الاستثمارات بين الاتجاه الموجه للبيع في السوق المحلية وبين التصدير يلاحظ تفضيل المستثمر السوق الداخلية عن الانتاج الموجه للتصدير. ويمكن تفسير تدني مستويات الاستثمار الخاص في المنطقة العربية لنوعين من الاسباب اولاهما خاصة ببرنامج الاصلاح الاقتصادي من حيث طبيعة والمشاكل التي واجهت تطبيقه في مصر والثانية خاصة بالمشاكل التي تحد من جاذبية مناخ الاستثمار. فبالرغم من نجاح سياسة التثبت الاقتصادي التي تم تطبيقها في تحقيق التوازن النقدي والمالي الا ان طبيعتها الانكماشية فرضت قيوداً على امكانية زيادة معدلات الاستثمار الخاص. كما تسببت الظروف الانكماشية في تراجع معدلات النمو وتأجيل المستثمرين قراراتهم الاستثمارية لحين تحسن الاوضاع الاقتصادية. ولعل اكثر المشاكل كما ترى د. سمحة الخولي، التي تحد من جاذبية مناخ الاستثمار في مصر تشمل بطء اجراءات التقاضي وقصور وبط اليات فض المنازعات وغياب وقصور مستوى الخدمات المساعدة مثل مراكز التدريب ومعامل منح شهادات المنشأ والجودة وارتفاع تكلفة عنصر العمل نتيجة لانخفاض انتاجية وعدم وضوح واستقرار السياسات الاقتصادية وضعف القوة الشرائية في السوق المحلية. ويعترف احمد قورة رئيس البنك الوطني المصري ان تأثيرات الاموال السياسية للمنطقة جعلت مناخ الاستثمار غير جيد وبالتالي توقفت الاستثمارات الجديدة واحجم المستثمرون عن زيادة حجم استثماراتهم القائمة او توسعتها خاصة في ظل انخفاض القدرة الشرائية للمواطن وتراجع مبيعات المشروعات القائمة بسبب الركود لذا نجد ان العوامل الخارجية والمشاكل الحالية التي تواجه العملية اللاستثمارية جعلت المواطن يفضل تحويل مدخرته إلى ودائع بالبنوك في ظل ارتفاع سعر الفائدة على الودائع الذي اصبح افضل من العائد المتوقع للعديد من المشروعات الاستثمارية بخاصة ان زيادة حجم الودائع بالجهاز المصرفي يسبب مشكلة اكبر للبنوك التي تسدد فوائد هذه الودائع للمدخرين وفي الوقت ذاته لا تحصل على عائد من اعادة اقراضها. وتؤكد د. عنايات النجار الخبيرة المصرفية ضرورة احداث تغيير جذري في مناخ الاستثمار لمواجهة المشاكل وجذب المدخر والمستثمر لاقامة مشاريع واستثمارات جديدة بدلاً من الاقبال الشديد على ايداع اموالهم بالبنوك للحصول على ودائع وتحول اصحاب الودائع إلى عاطلين. لذا يعد تخفيض سعر الفائدة على الودائع البنكية خطوة لتشجيع الاستثمار ولكن لا بد ان تواكبها خطى اخرى. د. حمدي عبد العظيم الخبير الاقتصادي يرى ان الاستثمار الاجنبي المباشر يكتسب جاذبية كبيرة لدى الدول النامية ومنها العربية حيث يوفر رأس المال اللازم لاقامة المشروعات ويخلق فرص عمل جديدة ويسهل نقل التكنولوجيا ويجلب عملات صعبة من خلال التصدير وتنشيط الطلب في السوق المحلي. وبلا شك تؤثر التوترات السياسية على المستوى الاقليمي او المحلي على جذب الاستثمارات فالتوتر السياسي الناجح عن الصراع العربي الاسرائيلي وازمة العراق يدفع المستثمر الاجنبي بالابتعاد عن المنطقة العربية. رغم ان البعض يرى ان المخاطر السياسية الاقليمية ليست حجة تضعف الاستثمار بشكل مطلق والمخاطر المحلية اسوأ بكثير، فالهند في صراع دائم مع باكستان منذ عام 1947 ورغم ذلك اصبحت الهند من الدول التي تقدم قروضاً لصندوق النقد وكوريا الجنوبية لم يمنعها صراعها مع كوريا الشمالية من التطور الاقتصادي.