تمتد يد العلوم الاقتصادية أكثر فأكثر الى العلوم الأخرى من انسانية ومادية لتقدم الحلول، أو أقله الأفكار المناسبة التي تساهم في تفسير المشكلة والتخفيف من وطأتها. يهتم الاقتصاديون أكثر بتصميم الأسواق التي تسمح بإعطاء أفضل النتائج لفريقي السوق، أي البائع والشاري. من هذه الأعمال دخول العلم الاقتصادي في تصميم المناقصات والمزايدات بكافة أشكالها، فيجد الحلول مثلا لبيع رخص استثمار الهاتف والكهرباء وتمويل انشاء البنية التحتية وغيرها. فالعلوم الاقتصادية تطورت تدريجيا في السنوات الأخيرة في التقنيات والوسائل والأهداف لتصبح أكثر تأثيرا وفائدة في حياة المجتمعات. من قصر النظر، بل الخطأ، اختصار الاهتمام الاقتصادي الوطني بمشكلة الدين العام والعجز بالرغم من أهميتهما أي كما يحصل لنا في لبنان. من الخطأ أيضا اختصار الاهتمام الاقتصادي الوطني بما يحصل في أسواق النفط بالرغم من أهميتها، أي كما يحصل أحيانا مع أعضاء منظمة الأوبيك. فالعلوم الاقتصادية، اذا ما فهمت واستعملت بالطرق الفضلى، تساهم في ايجاد الحلول لأدق الأمور الحياتية منها موضوع زرع الأعضاء حيث يتكاثر الطلب عالميا ويبقى العرض محدودا جدا. هنالك اليوم وعي شعبي عالمي كبير لفوائد زرع الأعضاء ولمختلف الجوانب الاقتصادية للموضوع، بل هنالك جمعيات مدنية ومهنية تهتم بطرحه ومحاولة ايجاد الحلول له. فهل تقدم العلوم الاقتصادية الحلول المقنعة وكيف؟. من الأعضاء الاساسية التي تناسب الزرع هي الكلية والكبد. يتزايد الطلب كثيرا عليهما بسبب الوعي لفوائد الزرع ولتقدم الطب في انجاح عمليات معقدة كالزرع. قائمة الانتظار طويلة جدا وتطول سنة بعد أخرى، وهنالك من يموت (حوالي 8 آلاف شخص سنويا في الولاياتالمتحدة) وهو ينتظر لعدم توافر العرض. تبنى قائمة الانتظار على النقاط المبنية بدورها على عاملي الزمن والحاجة للزرع. هنالك مصدرون للعرض، أي الأحياء المتبرعون والأموات الذين يهبون أعضاءهم بعد الموت وهذا قرارهم وحدهم في الحالتين. فالعارضون الأحياء يكونون في معظمهم من أفراد العائلة كما تؤكد عليه الاحصائيات الامريكية لسنة 1002 (73% من الأشقاء والشقيقات، 81% من الأهل، 81% من الأولاد والباقي موزع). تمت أول عملية زرع كلية في بوسطن في منتصف القرن الماضي. بلغ عدد عمليات زرع الكلية 23331عملية في الولاياتالمتحدة في سنة 2000، أي بزيادة قدرها 14.5% عن سنة 1990 مصدر الزرع في سنة 2000كان بنسبة 93.4% من الأحياء مقارنة ب 22.2% في سنة 1990، وهذا يدل على سوء استعمال أو عدم المقدرة في الاستفادة من زرع أعضاء الأموات. هنالك 84 الف شخص ينتظرون زرع كلية في أمريكا التي تبقى المركز العالمي لهذه العمليات، أي بزيادة قدرها 761% عن سنة 1990 قائمة الانتظار تطول والحل الطبيعي يكمن في الاستفادة أكثر بكثير من اعضاء الأموات. هنالك حوالي 100 ألف شخص يموتون سنويا في حوادث سير في أميركا، وبالتالي يمكن تعويض نقص العرض بسهولة اذا شاء العارضون طبعا. بما أن الطلب هو في الواقع عالمي حتى لو تمت عمليات الزرع في أميركا بسبب تقدم الطب، من الطبيعي ان يكون العرض عالميا أيضا بسبب المصالح الانسانية المشتركة التي تتخطى المواضيع الجغرافية والسياسية. مهما بلغت تكلفة العملية، تبقى أقل من الفوائد الحياتية على المريض علما أنها تلغي أيضا تكلفة غسل الكلية والعلاج القاسي النفسي والمكلف الذي يتحمله مريض الكبد والكلية. ما هي الحلول التي تقدمها العلوم الاقتصادية لزيادة عرض الأعضاء علما أن لكل منها فوائدها ومساوئها؟. كما يمكن تشجيع الأحياء على وهب أعضائهم بعد الموت عبر المعاملة بالمثل مثلا. فالانضمام الى جمعية وهب الأعضاء يتيح للانسان ولعائلته فقط امكانية الزرع كما يسمح لغيره في الجمعية الاستفادة من أعضائه. هكذا تحصر عملية الاستفادة من الزرع في أعضاء الجمعية مما يساهم في زيادة العضوية وبالتالي العرض. تكمن المشكلة هنا في مبدأ الترغيب والتخويف المبطن الذي يمكن أن يدفع الانسان الى الانضمام قسرا أو دون قناعة كافية مما يقضي على السبب الانساني الذي انشئت هذه الجمعيات من أجله. يمكن تحسين هذه الفكرة بحيث يحظى المنضم الى الجمعية بالأفضلية وليس الحصرية في الزرع، أي يتقدم على غيره في قائمة الانتظار المبنية على النقاط. يبقى الوهب الحر أفضل الحلول طبعا، ولكنه لا يكفي اليوم. و ينظر القانون الامريكي الى أعضاء المتوفين بأنها ثروة وطنية وليست شخصية أو عائلية، وبالتالي هي ملك المجتمع ولا يمكن شراؤها أو بيعها. من الحلول التي جربت هي التبادل المزدوج والتبادل غير المباشر. في الأولى يتم التبادل بين عائلتين أو أكثر لعدم امكانية زرع العضو ضمن العائلة الواحدة. و يكمن الحل الأساسي اذا في زيادة عرض الأعضاء من الأموات، وهذا يتطلب ليس فقط خطوات اقتصادية وانما أيضا وعيا عاما وكافيا لجوانب الموضوع التاريخية والاجتماعية وربما الدينية. وحدها زيادة العرض من الأموات يمكن أن تقضي على عذاب المرضى ويجنبهم الموت وهم ينتظرون. حتى من الناحية المالية، تبقى فوائد الزرع أكبر بكثير من تكلفته بسبب تخفيض الفاتورة الصحية كغسيل الكلية وزيادة نوعية الحياة. المهم هو الاستمرار في طرح الموضوع في كل المجتمعات بغية الوصول الى الحلول الفضلى في أقصر وقت ممكن.