أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل المصري    يعد الأكبر في الشرق الأوسط .. مقر عالمي للتايكوندو بالدمام    "إنها طيبة".. خريطة تبرز 50 موقعًا أثريًا وتاريخيًا بالمنطقة    الموافقة على الإطار العام الوطني والمبادئ التوجيهية للاستثمار الخارجي المباشر    أمير الشرقية يستقبل الرئيس التنفيذي لهيئة تطوير محمية الملك عبدالعزيز الملكية    الاستخبارات الأمريكية تكثف تحذيراتها بشأن التدخل الأجنبي في الانتخابات    منتدى "بوابة الخليج 2024" يختتم أعماله بإعلانات وصفقات تفوق قيمتها 12 مليار دولار    رابطة محترفان التنس..سابالينكا تحجز مقعداً في نصف النهائي.. ومنافسات الغد تشهد قمةً بين إيغا وجوف    أمريكا تختار الرئيس ال47.. ترمب أم هاريس؟    مقتل 37 فلسطينياً.. مجزرة إسرائيلية في قطاع غزة    كيف يعود ترمب إلى البيت الأبيض؟    محافظ الخرج يستقبل مدير عام فرع هيئة الأمر بالمعروف بالرياض    انعقاد مؤتمر الأمراض المناعية في تجمع عالمي وطبي    أطفال اليمن يتألقون بتراثهم الأصيل في حديقة السويدي    أمين عام رابطة العالم الإسلامي يرأّس اجتماع المؤسسة الثقافية الإسلامية بجنيف    الولايات المتحدة تختار الرئيس ال47    الطائرة الإغاثية السعودية ال19 تصل إلى لبنان    "الصناعة والثروة المعدنية" تعلن فوز 11 شركة محلية وعالمية برخص الكشف في 6 مواقع تعدينية    توقعات بهطول الأمطار الرعدية على 5 مناطق    مركز مشاريع البنية التحتية بالرياض يشارك في المنتدى الحضري العالمي الثاني عشر بالقاهرة    المملكة تثري الثقافة العربية بانطلاق أعمال مبادرتها "الأسبوع العربي في اليونسكو" في باريس    إشكالية نقد الصحوة    أرباح «أرامكو» تتجاوز التوقعات رغم تراجعها إلى 27.56 مليار دولار    الاتفاق يواجه القادسية الكويتي في دوري أبطال الخليج للأندية    الهلال يمزق شباك الاستقلال الإيراني بثلاثية في نخبة آسيا    المملكة تستحوذ على المركز الأول عالمياً في تصدير وإنتاج التمور    تركيا: نستهدف رفع حجم التجارة مع السعودية إلى 30 مليار دولار    «جاهز للعرض» يستقطب فناني الشرقية    «التعليم»: 5 حالات تتيح للطلاب التغيب عن أداء الاختبارات    الأسمري ل«عكاظ»: 720 مصلحاً ومصلحة أصدروا 372 ألف وثيقة    الاختبارات.. ضوابط وتسهيلات    إعادة نشر !    «DNA» آخر في الأهلي    المحميات وأهمية الهوية السياحية المتفردة لكل محمية    سلوكيات خاطئة في السينما    العلاج في الخارج.. حاجة أم عادة؟    لماذا رسوم المدارس العالمية تفوق المدارس المحلية؟    غيبوبة توقف ذاكرة ستيني عند عام 1980    " المعاناة التي تنتظر الهلال"    في الجولة الرابعة من دوري أبطال أوروبا.. قمة بين ريال مدريد وميلان.. وألونسو يعود إلى ليفربول    تنوع تراثي    الأمير تركي بن طلال يستقبل أمير منطقة الجوف    الأمير عبدالعزيز بن سعود يتابع سير العمل في قيادة القوات الخاصة للأمن والحماية    نحتاج هيئة لمكافحة الفوضى    في شهر ديسمبر المقبل.. مهرجان شتاء طنطورة يعود للعلا    زرًعِية الشبحة القمح العضوي    ربط الرحلات بالذكاء الاصطناعي في «خرائط جوجل»    كلمات تُعيد الروح    قصص من العُمرة    مسلسل حفريات الشوارع    للتميُّز..عنوان    الاستقلالية المطلقة    تشخيص حالات نقص افراز الغدة الدرقيه خلال الحمل    النظام الغذائي المحاكي للصيام يحسن صحة الكلى    سعود بن بندر يهنئ مدير فرع التجارة بالشرقية    السعودية تؤكد دعمها لجهود التنوع الأحيائي وتدعو لمؤتمر مكافحة التصحر بالرياض    أمير تبوك يستقبل القنصل البنجلاديشي لدى المملكة    مقال ذو نوافذ مُطِلَّة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مختصون: المجامع الفقهية.. انطواء على الذات.. ونسخ مكرورة.. وأدوار مغيبة!!
طالبوا بتفعيل أدوارها.. وتخصيص قناة خاصة بها.. واتهموها بعدم القدرة على مسايرة القضايا الملحة
نشر في المدينة يوم 01 - 02 - 2013

تعتبر فكرة المجمعات الفقهية فكرة عصرية تهدف إلى معالجة ما يستجد من مشكلات مذهبية واجتماعية والعمل على تجديد الثقافة الإسلامية بما يتناسب وروح العصر، لكن البعض يرى أنّ هذه المجمعات باتت نسخًا لمجمع واحد، كما يرى بعض المراقبين أنّه من الأجدى توزيع التخصصات بين هذه المجامع حتى تتكامل فيما بينها، ولا تصبح نسخًا تكرر بعضها، لكن الأهم من ذلك أنَّ معظم قرارات المجمعات الفقهية سواء تلك التابعة لمؤسسات رسمية أو تلك المستقلة، لا تنفذ ولا تجد طريقها إلى التنفيذ وتبقى حبيسة الرفوف، حيث إنّ قضايا كثيرة اتخذت فيها المجمعات الفقهية قرارات وأصدرت رأيها الفقهي حولها مثل: الموت البطيء (الإكلينيكي)، المصارف، عقود الإجارة، تحديد أرباح التجار لكنها في النهاية لا تطبق في الدول الأعضاء في المجمعات ولا تخرج عن كونها قرارات غير ملزمة، فما هي الأسباب التي تقف وراء عدم التنفيذ؟، وهل المجامع الفقهية المعاصرة شاملة لجميع الاطياف الفقهية سواء كانت المدارس المقاصدية أو العقلية أو التجديدية من جهة والمدارس التقليدية من جهة أخرى، أم أنّ هذه المجمعات لم ترق بعد إلى هذه الحالة، وإن كان كذلك فكيف يمكن النهوض بمثل هذه المجامع لتصل إلى هذه الحالة، ولتستطيع النظر ومعالجة قضايا من زوايا عديدة كالاقتصادية والاجتماعية والطبية وغيرها من المسائل العصرية، وما هو السبب في تقصير المجمعات الفقهية في الانفتاح على وسائل الإعلام والتواصل مع المسلمين كافة في شتى بقاع العالم الإسلامي، وهل يعدّ أحد الأسباب الرئيسية في عدم دخول قراراتها الانتشار والتأثير المطلوب، وكيف يمكن لها أن تنهض بمثل هذا الجانب؟، كل هذه التساؤلات تمّ طرحها على عدد من الفقهاء والأكاديميين والمفكرين في ظل التحقيق التالي.
بداية يؤكدّ رئيس مجمع الفقه في الهند الشيخ بدر الحسن القاسمي، أنَّ واقع قضايا العصر أو المسائل المستجدة كثيرة وأنّ المجامع الفقهية على تعددها غير قادرة على حل جميع تلك القضايا، فالنوازل التي يتم اختيارها من قبل المجامع الفقهية تعدّ على أصابع اليد الواحدة وأنّ اجتماعات المجامع أيضًا تكون على فترات متباعدة سنتين أو سنة بشكل عام، مشيرًا إلى وجود فوضى الإفتاء في القنوات الفضائية ويتطلب الأمر تنشيط تلك المجامع وتغذيتها بمزيد من كفاءات فقهية متميزة لأنّ الاجتهاد الجماعي هو السبيل الأمثل لحل كثير من قضايا العصر المعقدة، حيث ينبغي بحسب القاسمي أن يكون التنسيق بين المجامع الفقهية قائمًا حتى لا تتكرر مناقشة نفس القضايا ولا تتضارب القرارات، منوهًا بأنّ هناك فرقًا بين القضاء والإفتاء حيث إنّ القضاء يكون ملزمًا، أما الإفتاء فهو أمر إرشادي فليس من الميسور أو المطلوب الإلزام الرسمي للأشخاص أو الجهات من قبل الدول لتنفيذ قرارات المجامع الفقهية، مهيبًا بالمسؤولين عن المؤسسات المالية وغيرها الالتزام بالفتاوى الصحيحة والحرص على تطبيق قرارات المجامع الفقهية المعتبرة، حيث توجد لدى بعض ضعاف النفوس نزعة التهرب من الفتاوى الصحيحة واللجوء إلى مخارج من خلال فتاوى فردية غير ناضجة، مشيرًا إلى أنّ قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي والمجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي أجمعت على عدم جواز التورق المنظم لكن بعض المؤسسات المالية الإسلامية لا تريد أن تتركه بحجة نقص السيولة في مثل هذه الأمور والتي تحتاج إلى توجيه وتنسيق بين المجامع الفقهية والمؤسسات المالية الإسلامية، مشددًا على أهمية أن تفعل المجامع الفقهية قراراتها وإيصالها إلى جميع الجهات المعينة رسمية كانت أو شعبية.
وعن كيفية النهوض بمثل هذه المجامع لتصل إلى معالجة القضايا المعاصرة من زوايا عديدة كالاقتصادية والاجتماعية والطبية وغيرها من المسائل، يرى القاسمي أنّه وبالأساس واقع التعليم الديني في العالم العربي والإسلامي عمومًا بحاجة إلى تطوير خاصة في مراحل الدراسات العليا والتخصصات الدقيقة لكن الأمر الجيد والسنة الحميدة في المجامع الفقهية سواء كان المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي أو مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي أنّهم يستنجدون بأصحاب التخصصات في مجال الطب والاقتصاد والفلك إذا كانت الموضوعات ذات صلة بتلك العلوم، فالفقهاء يبنون أحكامهم على إفادات الخبراء في مجال الاقتصاد والطب وغيرها من التخصصات، مضيفًا أنّه في الدورة 21 للمجمع الفقهي الإسلامي الأخيرة والتي عقدت في مكة المكرمة قد شارك الأطباء مع الفقهاء جنبًا إلى جنب في دراسة العديد من الموضوعات، مؤكدًا أنّ وسائل الإعلام سلاح ذو حدين وأن مسائل الفقه هي قضايا دقيقة وحساسة، تتطلب النقل الدقيق والأمين دون إثارات، فالمجامع الفقهية في بعض الأحيان يكون لديها تخوف من بعض الإعلاميين الذين يحاولون السبق الإعلامي أو نشر أحكام فقهية بشكل دعائي مثير من غير الاهتمام بالنقل الدقيق، ملمحًا إلى أنّ قرارات المجامع الفقهية تحتاج إلى تعاون الإعلاميين لنشرها وإيصالها إلى جميع القطاعات ولكن على الإعلاميين أن يلتزموا بالدقة في نقل القرارات من غير زيادة في نصها لأنّ الفتاوى دائمًا تكون مشروطة بالواقع ومبنية على السؤال، والإخلال في أي شرط أو قيد في القرار يؤدي إلى بلبلة بين الناس ويعطي رسالة خاطئة عن الفقهاء ويترتب عليه آثار لا يحمد عقباها.
من ثمار اليقظة الإسلامية
من جهته يعتقد عضو الجمعية الفقهية السعودية د.خالد بابطين، أنّ المجامع الفقهية المعاصرة ثمرة من ثمرات اليقظة الإسلامية التي عمت وتعمّ العالم الإسلامي من أطرافه، منوهًا على أنّ المجامع الفقهية بوجودها الحالي مع ما يمكن أن يثار حولها من اعتراضات إلاّ أنّها تقوم بجهد مشكور، وفي الوقت نفسه تردّ عمليًا على الدعوات التي خرجت في فترات من العصور الإسلامية بسبب ما أصاب الفقه الإسلامي من جمود وتخلف، والتي كانت تدعو إلى إغلاق باب الاجتهاد الفقهي، ملمحًا بأنّ الزمان عقم عن أن يوجد فيه فقهاء أو علماء يمكنهم الاجتهاد الفردي فضلًا عن الاجتهاد الجماعي الذي تمثله المجامع الفقهية، مؤكدًا أنّه وبسبب تلك الدعوات والآراء ظل العالم الإسلامي ردحًا من الزمان يعيش فترات التخلف والجمود الفقهي، وصار العلماء والفقهاء لا همّ لهم سوى حفظ متون المذهب الفقهي الذي ينتمون إليه، ولا يجرؤ الواحد منهم أن يفتي بخلاف ما حفظ في المتن الفقهي الذي نشأ عليه، ولو كان يخالف نصًا في الكتاب أو السنة حتى منَّ الله علينا وعلى الناس جميعًا، بظهور علماء وفقهاء كبار طالبوا بإبطال الدعوات السابقة بغلق باب الاجتهاد، من أمثال العلامة محمد رشيد رضا مرورًا بكوكبة مباركة جددت الفقه الإسلامي المعاصر، كالعلامة عبدالرحمن السعدي، والإمامين محمد آل الشيخ، وعبدالعزيز بن باز.
ويعرّج بابطين على دور كليات الشريعة في السعودية وفي مصر وبقية البلدان الإسلامية والجامعات الإسلامية المتخصصة والتي أثرت جانب الاجتهاد الفقهي، مهيبًا بدور الدراسات العليا الشرعية في تلك الجامعات التي برز من خلالها طلبة علم وفقهاء متمكنون أثروا الساحة الفقهية بأطروحاتهم العلمية في الفقه الإسلامي في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، مستبعدًا نظرية أن تكون المجامع الفقهية نسخًا مكررة لبعضها البعض، فكل مجلس تُعرض عليه قضايا ومسائل فقهية معاصرة، وغالبها من النوازل الحديثة التي توجد أصول الكلام عليها عند المتقدمين دون ذكر التفاصيل والجزئيات أو يوجد مثيلاتها ونظائرها ولو من بعض الوجوه فيقيس المعاصرون هذه على هذه، مؤكدًا عدم وجود تداخل بين المجامع الموجودة، مع الإشارة إلى أنّ الفقه الإسلامي متجدد، وهو يستوعب كل المستجدات والنوازل، وعلماؤنا وفقهاؤنا في العالم لإسلامي قادرون على إيجاد الحكم الشرعي والتكييف الفقهي لكل ذلك باقتدار ومسؤولية.
وحول السبب في عدم تفعيل وتنفيذ القرارات التي تصدرها المجامع الفقهية، فإنّ بابطين يرى أنّ تلك المجامع ومن يمثلها من الفقهاء الأجلاء لا يتحملون مسؤولية عدم التنفيذ، فغاية ما هنالك أنّهم بذلوا جهدهم ووسعهم في بيان حكم الله ورسوله في المسألة التي عُرضت عليهم في المجمع وإنّما يُسأل عن ذلك من لم يقم بتنفيذ تلك القرارات، فالمجامع الفقهية ليس لها سلطة التنفيذ وإن كان المفترض أن يكون سلطان الشرع هو الحاكم على الجميع، معتبرًا أنّ الأمر يرجع للجهات التنفيذية مع الإشارة إلى أنّ جملة من القرارات التي اتخذتها بعض المجامع الفقهية هي محل التنفيذ كتلك التي تتعلق بالمسائل الاقتصادية المرتبطة بالبدائل الشرعية في بعض المعاملات المصرفية، فهي معمول بها في البنوك والمصارف الإسلامية، وتلقى صدى طيبًا عند المسؤولين التنفيذيين لبعض تلك المصارف، وبالأخص عند اللجان الشرعية في تلك المصارف، لأنّ تلك القرارات في الغالب مبنية على اجتهاد جماعي أو قريب من ذلك.
أما بالنسبة لشمولية تلك المجامع الفقهية لجميع الأطياف الفقهية فيؤكدّ بابطين أنّ هذا موجود بالفعل ففيها من يمثل جميع المذاهب الأربعة، بل يوجد فيها من علماء الشيعة كالشيخ محمد علي تسخيري من إيران، مع أنّ الفقهاء المتقدمين لا يعوّلون على خلاف الإمامية ولا يعدّونه مؤثرًا في الإجماع المنعقد ومع هذا يوجد في بعض تلك المجامع من يمثلهم وله حق التصويت على القرارات فالشمول حاصل، متمنيًا أن يكون الحصول على عضوية المجمع ألا يكون بالتعيين أو الترشيح من دول الأعضاء، وإنّما يكون بالتصويت فإنّه يوجد خارج تلك المجامع من العلماء والفقهاء من حقه أن يكون عضوًا فيها، لما وهبه الله من الفقه في الدين، والمعرفة الكاملة بواقع العالم الإسلامي وما يحيط به من الحوادث الجسام.
ويلقي بابطين باللائمة على الإعلاميين، فإنّ المبادرة تأتي من قبلهم، فهم يصلون في العادة إلى الأماكن التي لا يصلها غيرهم، وهم رجال علاقات إن صحَّت العبارة فالمنتظر من الإعلامي المسلم الوصول إلى اجتماعات المجامع، وهي بالمناسبة ليست كثيرة، في العام مرة أو مرتين، والعلماء والفقهاء لا يعارضون مثل ذلك لو حصل التواصل معهم، معاتبًا الإداريين الذين يعدّون تلك اللقاءات والاجتماعات الفقهية ويحضرون للجلسات قائلًا: "أين لجان العلاقات العامة؟ وأين المتحدث الرسمي باسم المجامع الفقهية؟!! وأين إعداد النشرات والمخلصات الإعلامية التي تسلم لوسائل الإعلام ومندوبي الوكالات والصحف!!! هذه أسئلة تحتاج لجواب من القائمين على التحضير لجلسات تلك المجامع الفقهية".
أهمية تعدد المجامع
وفي سياق متصل يرى أستاذ الفقه وأصوله بجامعة الملك فيصل بالأحساء د.عبدالله الديرشوي، أننا نعيش في عصر تشعبت فيه العلوم والمعارف والثقافات، كما تشعبت فيه ميادين العمل والاستثمارات، وتشعبت فيه كذلك التقنيات ووسائل إشباع الحاجات والرغبات، ولم يعد بإمكان الفرد الواحد متابعة المستجدات والنوازل في كل مجال من تلك المجالات، فضلًا عن دراستها والبحث فيها من مختلف جوانبها وتقويمها وبيان ما لها وما عليها، مشددًا على أهمية الحاجة لتلك المجامع الفقهية التي تضم في كيانها نخبة من علماء الأمة من مختلف التخصصات والمدارس والثقافات، ومن مختلف البلدان، بحيث تكون محل ثقة جمع كبير من أبناء الأمة، وتسهم في توحيد الفتوى والرأي في كثير من المستجدات، مشيرًا إلى أهمية تعدد المجامع الفقهية، لأنّ لكل مجمع تلامذته وأتباعه ومن يطمئن إليه أكثر من غيره، فالفائدة العملية من ذلك التعدد قليلة، وكثيرًا ما يكون جهودها تحصيل الحاصل، وأحكامها متفقة مع من سبقها، وسيكون خيرًا للأمة وأفضل بكثير أن تتجه جهود هذه المجامع نحو المزيد من التخصص والتنوع وتقسيم الأدوار، فيكون عندنا مجمع متخصص في فقه البنوك والمعاملات المالية، وآخر للفقه السياسي والسياسة الشرعية، وآخر للقضايا الطبية، وآخر لمسائل الأحوال الشخصية، مؤكدًا أنّه وفي هذه الحالة ستكون المجامع أكثر استجابة لحاجات الأمة، بدلًا من الانتظار الطويل وربما لسنين من أجل البت في بعض المسائل، كما أنّها ستتمكن من الاستعانة والاستفادة من أهل التخصص، كلٌ في مجاله، فالتخصص سمة الأمم المتقدمة، ودليل رقي في تفكير وسلوك المجتمعات، ويتيح للمتخصص مجالًا أكبر للتعمق والإبداع في مجال تخصصه بدلًا من التشتت والسطحية والخوض في مختلف المجالات.
وحول السبب في عدم تنفيذ قرارات المجامع الفقهية فإنّ الديرشوي يرجع ذلك إلى عدم توافر الإرادة السياسية لدى المسؤولين في العالم الإسلامي، بدليل أنّ هذه الإرادة عندما توافرت في مسألة إقامة البنوك الإسلامية، وجدنا الفكرة تجد طريقها للتطبيق بنجاح باهر، ولكن ذلك لا يعفي الجهات الأخرى من مسؤولياتها، ومن تلك الجهات، القائمين على هذه المجامع أنفسهم وضعف مطالبتهم المسؤولين السياسيين بتفعيل ما انتهوا إليه، والاكتفاء باتخاذ القرارات ونشرها من خلال وسائلها الإعلامية المحدودة جدًا، كما أنّ الشرائح الأخرى من المجتمعات الإسلامية تتحمل قدرًا كبيرًا من المسؤولية فالتجار، والأطباء، ومسؤولو القطاع الخاص كلهم مطالبون من جهتهم بالسعي إلى تفعيل تلك القرارات.
وعن شمولية تلك المجامع الفقهية لجميع الأطياف الفقهية لا يرى الديرشوي تمايزًا بين المدارس المذكورة، والمنهج الوسطي الذي تنتهجه المجامع الفقهية يجمع بين مزايا جميع تلك المدارس، فالمدارس التقليدية بمعناها التقليدي القديم قد انحسرت بشكل كبير، وخففت من غلوها في التقليد لصالح المدارس الأخرى، كما أن تلك المدارس المقاصدية أو التجديدية أو العقلانية لم تلق القبول والرواج لدى السواد الأعظم من علماء الأمة فاضطرت أن تخفف من غلوها، فكان الالتقاء على المنهج الوسط الذي هو سمة أهل السنة والجماعة، مشددًا على أنّ ما يميز المجامع الفقهية هو كونها محل ثقة وقبول عامة أبناء المجتمع المسلم، فإذا تعددت المجامع، وأصبح لكل منها لون اجتهادي متميز من حيث المنهج، لم تعد محل ثقة وقبول الجميع، وهو ما يتنافى مع أهم مقاصد إقامة هذه المجامع، وهو جمع الأمة في القضايا المستجدة المهمة والخطيرة على رأي واحد.
وحول ما إذا كان هناك تقصير واضح من قبل المجامع الفقهية في الانفتاح على وسائل الإعلام والتواصل مع المسلمين في شتى بقاع العالم الإسلامي، يعتقد الديرشوي أنّ هذه المسألة مرتبطة بواقع الأمة عمومًا، حيث هذه المجامع كغيرها من المؤسسات العلمية والدينية خاضعة لسلطة الدولة وسياساتها، ومن ثمّ فلا تستطيع التحرك بمعزل عن سياسة الدولة وتوجهاتها المضيفة، مشيرًا إلى أنّ هذه المجامع تفتقر إلى الدعم المالي الذي هو عصب نشاطها وحركتها، ومن غير دعم مالي كافٍ ومستقل لن تستطيع هذه المجامع القيام بمهامها على النحو المطلوب، ولعله التحدي الأكبر الذي يواجه هذه المجامع في المستقبل.
نسخًا عن بعضها البعض
وعلى الصعيد نفسه يعتقد الأستاذ في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالأحساء د.خالد الحايك، أنّ هذه المجامع غدت نسخًا عن بعضها البعض وفي ذلك تشتيت لجهود العلماء والأمة، والأصل أن يكون هناك توحيد بين هذه المجامع إذا أرادت الأمة النهوض بمشروعها النهضوي والحفاظ على مقدراتها الشرعية والأخلاقية، فإما أن تتوحد هذه المجامع في مجمع واحد أو يمثل كل مجمع من هذه المجامع بعضه أو اثنين يمثلها فيما يتعلق بأحداث الأمة، مرجعًا أسباب عدم تنفيذ قرارات المجامع الفقهية إلى عدم جدية تلك الدول الأعضاء في تلك المجامع، والتمثيل فيها يكون من باب تكثير العضويات لتلك الدول فقط وأنّها عضو في هذا المجمع أو ذاك، إضافة إلى حالة التشرذم والتشتت التي تعيشها الأمة بسبب الأمور السياسية، ولا شك أنّ السياسة لها تأثير على مثل هذه القرارات، وكذلك ضعف التأثير لمشايخ الشريعة في بعض الدول العربية والإسلامية في بلادهم، فلو أنّ هذه الدول اتخذت قرارًا سياسيًا لتطبيق هذه القرارات لاختلف الأمر، مشيرًا إلى أنّ هذه المجامع ظاهريًا تقول أنّها تمثل كل هذه المدارس ولكن حقيقة هذا غير صحيح فلا تجد تمثيلًا لكثير من هذه المدارس في هذه المجامع لأنّها مدعومة من الحكومات فما وافقها دعمته وإلا فلا، مستغربًا وجود تقصير واضح من قبل المجامع الفقهية في الانفتاح على وسائل الإعلام إذ أنّ هذه المجامع لها دعم مادي كبير من بعض الدول، وتهيئ لأعضائها مقدرات كبيرة، فعدم الانفتاح على وسائل الاعلام من قبل هذه المجامع هو بسبب التقليد الذي يعيشه الكثير من هؤلاء المشايخ وعدم الخبرة في الترويج لما عندهم إعلاميًا، وهذا يتطلب أن يكون لهذه المجامع جهات إعلامية وإدارية تقوم بمثل هذا الترويج الاعلامي كافتتاح فضائية خاصة بها وترويج مجلاتها بشكل أفضل وتوفيرها في كل البلدان للاستفادة منها.
تتعارض مع المعاهدات والقوانين الدولية
أما المفكر الإسلامي د.عبدالله أبو السمن فإنّه يؤكدّ أنّ هناك إشكالا في قدرة المجامع على فرض وجهة نظرها في الواجهة السياسية فهذه المجامع وآراؤها تتعارض مع المعاهدات الدولية وقوانين العولمة أو حتى الإملاءات الخارجية وبالتالي ما يصدر عنها يبقى حبيس الدفاتر والاوراق ككل البحوث العربية التي لا يستفاد منها الاّ بالنزر اليسير وليست إلاّ شكلًا من أشكال الترقيات كما أنّ هذه المجامع تريد أن تظهر بمظهر الفاعل المستمر وهنا تلعب الامور النفسية وانعكاسات المال والجاه على الافراد ليرفعوا فقط توصيات دون خوض صراعات من أجل تنفيذ هذه التوصيات من قبل صاحب الأمر، منوهًا على أنّ هذه المجامع ليست شاملة ويجب أن تتسع لكل ذي تخصص في مجاله حتى يتكامل الفقه مع الواقع وان كان ثمة أسئلة تقدم لأصحاب الاختصاص حول مسألة ما، مضيفًا أنّ وجود هؤلاء في الحوار والنقاش مفيد لكلا الطرفين مما قد يغير القناعات ويأتي بما يتناسب مع فقه الوقائع المستجدة من جهة وحتى لا تختلف وجهات نظر المجامع أو الفقهاء ويعيش الناس فوضى الفقه وتناقض فتاوى الفقهاء، مشددًا على أهمية توسيع قاعدة المجمعات الفقهية وقوة الفقهاء والشخصيات المنتمية لها واختيار الأكفأ والعمل بمؤسسية بعيدًا عن الشخصنة والذاتية والتكسّب المتوقع من استمرارية العمل بها مع اضافات للدور الإعلامي لهذه المؤسسات بحيث تكون مستقلة القرار ومتواصلة مع الجماهير لا مرتبطة بأصحاب القرار ليجعل لها قيمة إضافية ومصداقية في النتائج والاّ ستبقى حبيسة نفسها مسلوبة العمل والقرارات.
هناك خلط في تكوينها
وعلى الصعيد نفسه يؤكد رئيس مبادرة المسلمين والمسلمات النمساويين أ. طرفه بغجاتي، أنّ المشكلة في المجامع الفقهية هي أنّ الأمة بشكل عام أفرادًا وجماعات غير معتادة على الاجتهاد الجماعي أو الاجتهاد التخصصي، أما المجامع نفسها فهي في بعض الأحيان تخلط بين كونها مدرسة فكرية أو مجمعًا فقهيًا، منوهًا على أنّه لا يرى من وظائف المجامع الفقهية أبدًا أن تصدر مطبوعات تتحدث عن الوجودية والشيوعية والبهائية إلى ما غير ذلك، فهذا ليس من اختصاصها، أما توزيع الاختصاص فهو أيضًا ضروري فترى الآن أنّ كل مجمع فقهي يتحدث عن الطب ونقل الأعضاء والاستنساخ والاقتصاد الإسلامي والعقود والعقيدة، والأفضل هو توزيع الأدوار وتحديد الاختصاصات، مشددًا على أنّه ليس من الضروري أن يطبق كل شيء يخرج من المجامع الفقهية قانونيًا فهي لا يمكن أن تكون كذلك وليس هذا من اختصاصها أن تلعب دور السلطة القضائية ولا التشريعية، مضيفًا أنّ هذه المجامع لا تجمع عادة الأطياف الفقهية والمدارس المقاصدية والتجديدية بل هي لها طابع الجمع والبحث أكثر من الاجتهاد والتجديد، معبرًا عن أسفه من عدم وجود أي حضور قوي للمجامع الفقهية إعلاميًا فهي شبه مختفية عن وسائل الإعلام الحديثة وهذا يجعل الفتوى حكرًا على مشايخ "اليوتيوب" و"الجوجل"، فهذه بحسب بغجاتي حالة خطرة يتم تبسيط الأمور المعقدة فلسفيًا واقتصاديًا وعقديًا وحقوقيًا، إذ أنّ هناك بعض التحليلات الشفهية السطحية التي لا تفي بأي حال في الغرض ويتم الترويج لها بين الناس.
ويرى بغجاتي أنّ هناك تحديات كبيرة تواجه المجامع الفقهية وتتمثل في وجود نظرة جديدة للتعامل مع موضوع الحكم وحقوق الإنسان وكرامته والاستغناء عن العنف قدر الإمكان شفهيًا وفكريًا ومؤسساتيًا ودوليًا وشعبيًا وتربويًا والتعامل مع موضوع المرأة ودورها في المجتمع والنهضة بالعالم والتعليم وحب التجريبية والبحث والاختراع، مؤكدًا أنّها تعدّ أمورًا ملحة تحتاج إلى أسس فكرية تجديدية من الممكن أن يكون للمجامع الفقهية فيها دور كبير ومؤثر.
الأنسب مرجعيات تخصصية
من جهته يؤكدّ الأستاذ المساعد بالقضاء الشرعي في جامعة الجوف د.صالح الشقيرات أنّ عملية عمل مرجعيات تخصصية في الموضوعات الفقهية هو الأنسب لمعالجة القضايا الشرعية المستجدة، وكلما كان هناك أصحاب تخصص متعمقون في تخصصهم كانوا هم الأجدر في مناقشة الموضوع محل النقاش وهذا ينسحب على كل التخصصات، موضحًا أنّ إنشاء مجامع فقهية متخصصة في كل موضوع هو الأجدى والأكمل نفعًا لأجل تكوين رؤية صحيحة عن القضايا الشرعية، مهيبًا بأهمية انشاء قنوات إعلامية متخصصة لهذه المجامع ونشر أفكارها ورؤاها، إذ أنّ وسائل الاعلام أصبحت الان أكثر نفعًا من عملية عقد المؤتمرات والندوات وعلينا أن نشارك بها بفاعلية.
وسيلة إعلام للمجامع
وفي نفس الإطار يؤكدّ الأكاديمي والباحث الشرعي د. محمود المعايطة، أنّ المجامع الفقيه تفتقد لأشياء كثيرة أهمها وأبرزها أنّها غير ملزمة للهيئات والجهات الرسمية فهي لا تتعدى عقد لقاء دون تطبيق على أرض الواقع، وقد تطبق في بعض الأحيان في المصارف الإسلامية، مشددًا على وجود تقصير من قبل وسائل الاعلام ومن قبل المجامع الفقهية والأصل في ذلك أن تقدم برامج عن هذه المجامع الفقهية وأن تحظى برعاية من قبل الاعلام ولا ضير بأن يكون هنالك قناة أو وسيلة اعلامية لمثل هذه المجامع الفقهية، منوهًا على أنّ هذه المجامع الفقهية لم ترقى إلى ضم جميع المدارس سواء المقاصدية أو العقلية وهذا واضح من الجانب التقليدي الذي تخرج به دائمًا بمؤتمراتها وهذا مما يعاب عليها لأنّ الفكر المقاصدي هو الفكر التجديدي لما يعيشه العالم الآن لأننا نريد ما هو وراء النص والمقصد الشرعي منه، مؤكدًا أنّه يمكن النهوض بالمجامع الفقهية للوصول الى تمثيل جميع الاطياف بضم العلماء والمفكرين في هذا الجانب المقاصدي والعقلي وكذلك الاهتمام بهذا الجانب المقاصدي والعقلي من خلال عقد المؤتمرات واللقاءات الدورية في البلدان الإسلامية وكذلك احصاء المؤلفات في هذين الجانبين، مهيبًا بأهمية أن تكون هنالك جامعات تعنى بالعلوم الشرعية فقط ويكون علماؤها من جميع المدارس الفقهية والطلبة من مختلف بلدان العالم العربي والاسلامي وهذا مما يسهم في تقوية المجامع الفقهية ورقيها ويجعلها أكثر تأثيرًا في العالم.
الإعلام عامل مهم جدًا
وفي سياق متصل يعتقد الرئيس العام للمجلس الدولي للعالم الإسلامي د. موسى أباظة، أنّ العلماء المعاصرين اختلفوا في مسألة تجديد أصول الفقه من حيث المبدأ كما اختلفوا في المعالم التي ينبغي أن يسير وفقها التجديد، لذا سنحاول في هذا العرض الوجيز استجلاء آراء العلماء في مسألة تجديد أصول الفقه، ثمّ التعرض لاتجاهات العلماء في المعالم التي ينبغي أن يسير وفقها التجديد، معتبرًا أنّ العلماء المعاصرين ذهبوا إلى أنّه لتحقيق اجتهاد منسجم مع العصر يحقق الأهداف والغايات المرجوة إذ لا بد من تجديد أصول الفقه، والعمل على تطوير آلياته ووسائله باعتباره منهج الاجتهاد وعماد الفقه، إلاّ أنّ هذه الدعوة لم تسلم من معارضة علماء آخرين فيرون أنّ أصول الفقه قد بلغت مكانة تجعله لا يحتاج إلى أي تجديد أو تطوير، كما قالوا إنّ أصول الفقه قطعية يجنح إليها عند الاختلاف فكيف يصبح هو مدار اختلاف، متمنيًا أن يتم اختيار الأفضل والأصلح من أهل العلم والفضل لمثل هذه المجمعات الفقهية من أصحاب الاختصاص والخبرة لكي يستفاد منهم، مشددًا على أهمية التركيز على ما يسمى الاجتهاد الجماعي خاصة أننا فقدنا في عصرنا الحالي تلك الموسوعية التي كان يتحلى بها علماء المسلمين، ويمكن تحقيق الاجتهاد الجماعي عن طريق المجمعات الفقهية، مضيفًا أنّه يجب أن ينفتح علم أصول الفقه على أدوات المنهج التجريبي ومناهج العلوم الاجتماعية والاستفادة منها في بعض المسائل الأصولية كالمصلحة والعرف والعادة والضرورة، مهيبًا بضرورة عقد الندوات والمؤتمرات المستمرة وجلب جميع وسائل الإعلام لها لتعمّ الفائدة، فالإعلام عامل مهم جدًا ويلعب دورًا حساسًا لإيصال كل ما هو جديد عن هذه المجمعات الفقهية الى جميع المسلمين وفي بقاع العالم الإسلامي.
الحسناوي: فكرة المجمعات الفقهية لها مردود إيجابي ولكنّها منغلقة مذهبيًا ومنطوية على ذاتها
من جانبه يرى صادق الحسناوي أنّ فكرة المجمعات الفقهية لها مردود ايجابي علمي كبير كونها تيسر الاطلاع على الفقه الاسلامي ولكنّها منغلقة مذهبيًا ومنطوية على ذاتها وهذا ما يؤخذ عليها اذ ينبغي أن يكون الفقه إسلاميًا وليس فقه طائفة بعينها وهذا ملاحظ على كل المجامع الفقهية، منوهًا على أنّ توزيع التخصصات سيكون أجدى وأنفع وأسرع في ظهور النتاج العلمي غير أنّ ذلك سيفتح مشكلة منهجية إذ ربما يؤثر المبنى الفقهي الذي يتبناه المتخصص على منتجه العلمي ويظهر تباينًا معيبًا في النتيجة النهائية وهذا الأمر مؤكد في حال تأليف كتاب على سبيل المثال، مشيرًا إلى وجود فجوة ما زالت بين النظرية والتطبيق لا يمكن ردمها بيسر وسهولة اذ أنّ الفتوى يمكن أن تصدر بحق فرد يمكن له الالتزام بها ولكنّها اذا كانت موجهة لمؤسسة فمن الصعوبة تنفيذها لأنّ المؤسسات خصوصًا الاقتصادية منها مرتبطة بمؤسسات دولية كالبنك الدولي مثلًا أو منظمة التجارة العالمية أو شركات عابرة للقارات وهي في العادة غير إسلامية وبعيدة عن النظام الاقتصادي الاسلامي، مضيفًا أنّ الربا على سبيل المثال محرم في الشريعة الاسلامية لكنّه مباح في النظام الاقتصادي الغربي ولو بنسب متفاوتة ومع هذه الحال من التعقيد فسيكون الحاكم هي المؤسسات العالمية وليس علماء الدين أو مجامع الفقه الاسلامي.
وعن مدى شمولية المجامع الفقهية المعاصرة لجميع الاطياف الفقهية يرى الحسناوي قائلًا: "في حدود تتبعي أرى أنّ مجمع البحوث الاسلامية في الازهر الشريف منفتح على اكثر من مدرسة وأكثر من طيف وهذا الانفتاح جعل للأزهر الشريف مركزية في العالم الاسلامي من الصعب تجاوزها، أضف الى ذلك أنّ القائمين عليه هناك لهم من المراس والخبرة والتتبع ما يكفي لتحقيق الموضوعية والشمول والانفتاح على مشكلات الامة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية"، معتبرًا أنّ عامة المؤسسات الاسلامية المتزنة بعيدة جدًا عن الاعلام ومن المؤسف أن ما نراه على وسائل الاعلام لا يعكس في حقيقته الصورة المشرقة للإسلام فقد بتنا نرى رجال فتنة هنا وهناك يبحثون في اكوام القمامة عما يصلح لإشعال فتيل أزمة واقتتال ولا نرى للإنصاف في الإعلام من موطئ قدم، وهذا يعود في بعض أسبابه لتوجه الاعلام نحو الاحتراب والفتنة أكثر من توجهه نحو معاناة الأمة والتقليل من ويلاتها، منوهًا بأنّ عدم انتشار قرارات هذه المجامع يعود في بعض أسبابه الى كونها مؤسسات ليست تسويقية قدر كونها علمية وبحثية.
مكي: المجامع باتت نسخًا لمجمع واحد ولا بدّ من التنوع وتوزيع التخصصات
من جانبه يرى الباحث في كلية الدراسات الإسلامية بمؤسسة قطر الشيخ مجد مكي، أنّ هذه المجامع باتت نسخًا لمجمع واحد، ولا بدّ من التنوع وتوزيع التخصصات، مقترحًا أن يكون هناك مجمع فقه اقتصادي، ومجمع فقه طبي، ومجمع فقه سياسي، ومجمع فكر إسلامي، ومجمع فقه الأسرة، ومجمع التراث الفقهي، ويقوم كل مجمع في مجال تخصصه، ويستدعي المتخصصين في كل تخصص من هذه التخصصات، مضيفًا في حديثه قائلًا: "وللأسف فإن كثيرًا من المجامع تجمع فيها مختلف التخصصات، ففي أمور الاقتصاد مثلًا يدخل فيها من لا يعرف الواقع، ولديه دراسات فقهية عامة، ويستبعد الكثير من الاقتصاديين بسبب العدد المحدَّد للمشاركين"، مؤكدًا أنّه لو وزعت المجامع حسب التخصصات العلمية لاستوعبت الكثير من المسائل المستجدة وشارك فيها أكبر عدد من المتخصصين، حيث ترتبط هذه المجامع بالمجمع الأم، وتبتعد المجامع الفقهية الفرعية في مؤتمراتها عن كثير من الشكليات وتكوّن لها آلية عملية للاجتماع وموقع الكتروني لمتابعة النوازل والإجابة عن الأسئلة في مجال تخصص كل مجمع، مشيرًا إلى أنّ بعض هذه القرارات تختلف فيها المجامع الفقهية لأنّها تدخل في إطار الاختلاف المشروع، ولا يمكن إلزام الناس باجتهاد واحد، ويجب إصدار قوانين حاكمة على كثير من النوازل الفقهية ولا سيما الاقتصادية، مما يلغي عمل الخبراء التابعين للبنوك الإسلامية لوجود قوانين يتحاكم إليها، وعلى أثر ذلك فإنّه لا حاجة لفقهاء البنوك بعد التوافق على قانون يحدد آلية عمل البنوك وموافقتها للشريعة دون لجوء إلى الحيل أو الأقوال الشاذة التي فيها شبهة الربا، معتبرًا أنّ القرارات التي ترتبط بعموم الأمة ومصلحتها لا بد من تبنّي الدول الإسلامية لها، وهذا يرتبط بتطبيق الشريعة التي لا تزال الكثير من الدول الإسلامية تأبى تنفيذها، إذ لا بدّ من جعل كثير من القرارات ضمن القوانين التشريعية ليتم تطبيقها وإلزام المجتمع المسلم بها، مشددًا على أنّه لم تبلغ المجامع الفقهية المعاصرة مبدأ الشمولية في المسائل الفقهية، لأنّ الكثير من المشاركين يتم تعيينهم من دولهم دون كفاءة علمية تذكر، ولا بد من الاختيار دون محسوبيات ولا ألقاب، وإنّما من خلال التعرف على النابغين والموهوبين من العلماء ولا سيما الشباب، والتعرف على نشاطهم العلمي وآثارهم ونتاجهم، وإنشاء مراكز علمية مميزة ومدارس فقهية متخصصة لتوفير هذه النخب الفقهية المميزة، مهيبًا بالوقت نفسه بأهمية النهوض بالجانب الإعلامي بمواكبة وسائل الاتصالات الحديثة المتطورة من قناة فضائية مميزة متخصصة بالفقه والفتوى إلى موقع مميز، ويشرف عليها عدد من الإعلاميين المتخصصين، للمتابعة اليومية للمستجدات التي تنزل بالأمة وبيان الحكم الشرعي لها ونشر للدراسات المميزة، كما لا بدّ أيضًا من عقد الدروس العلمية والمجالس الفقهية في المساجد والمنتديات ودعوة الناس إليها، ومشاركة الشباب والنساء فيها لينهض الفقه ويعود دوره إلى الحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.