استوقفني كثيرا حديث الدكتور العالمي فيصل شاهين رئيس المركز السعودي لزراعة الأعضاء والاستشاري المتخصص في زراعة الكلى، فقد ضرب على أوتار موجعة وكأنه يسبح عكس التيار. قال بأن عقدة عدم التوسع في أي مشروع جديد من أحد الإداريين أوقفت الخير عن مرضى الكلى، وأوضح بأن المافيا الإدارية حرمته من إقامة مؤتمر طبي في جدة فاضطر لنقله إلى العاصمة العمانية مسقط للخروج من الحرج.. ابن شعب عامر لا يملك أكثر من شفافيته ووضوحه، وهو يعترف بمشاركته في عملية زراعة الرحم دون علمه بتفاصيلها بل ذهب إلى أبعد من ذلك عندما رفض من ناحية أخلاقية إجراء التجارب على امرأة ليست في حكم المريضة. د. شاهين طالب بقرار ملزم للتبرع بأعضاء المتوفين دماغيا لحل مشكلة طوابير غسيل الفشل الكلوي وكشف عن إيقاف العمل باجتهاد الاستفادة من أعضاء المحكوم عليهم بالإعدام لأسباب إنسانية. (طبيب الفقراء) كما يصفه زملاؤه يبدأ حديثه من شعب عامر، حيث تربى مع البسطاء وعمل في ضيافة الحجيج قائلا: ولدت وترعرعت في شعب عامر معتمدا على نفسي منذ الصغر فقد عملت مع الوالد وأعمامي في الحج وحصلت على رخصة مطوف وأنا في الثالثة عشرة من عمري بعد أن نجحت في الاختبار مع أن النظام لا يجيز إعطاء الرخصة لمن هم دون الخامسة عشرة ولم يفتني أي موسم حج إلى أن سافرت للدراسة خارج المملكة. تعلمت منذ الصغر أن يكون للوقت قيمة في حياتي، ولا أشك أن طبيعة الحياة والحركة في مكةالمكرمة قد وجهتني نحو الاهتمام بذلك. دخلت المدرسة باحثا عن شيء لا أعلمه فلم أتأثر ببكاء زملائي الجدد من حولي وتخرجت في العزيزية الثانوية متفوقا على أقراني، وكنت أحلم بأن أكون مهندسا إلا أن والدي أصر على دخولي إلى الطب لشيء في نفسه بعد أن خاب ظنه في دخول أخي محمد لدنو درجاته. سافرت إلى القاهرة مبهورا بهذا الأفق الحضاري الواسع لكنني لم أنجرف خلف أضوائها فعدت إلى الوطن حاملا حلم أبي في يد ومشرط الجراح في اليد الأخرى. ما زلت أدين لزميلي الدكتور مازن فتياني بشيئين؛ الأول اقتراحه بدخولي مجال الكلى كتخصص صغير في ذلك الوقت فيما تخصص هو في جراحة اليد. الشيء الثاني توقفي عن التدخين قبل أربع سنوات بسبب التهاب رئوي حاد وكنت وقتها مسافرا إلى خارج المملكة لحضور مناسبة مهمة فحذرني من السفر فقلت له: سأترك التدخين من الآن وصاعدا، والحمد لله صمدت حتى الآن. • لنبدأ من مسؤولياتك وتخصصك، إلى أين وصلنا في موضوع معالجة الأسباب المؤدية إلى حدوث الفشل الكلوي حتى الآن؟ أولا من ناحية زيادة المرضى، فالعدد سيزداد مهما حاولنا منع ذلك، لأن أكثر شريحة يستهدفها المرض هي من متوسطي الأعمار، وبالتالي سيظهر الفشل الكلوي بصور مستحدثة لم تكن موجودة من قبل، وكلما ارتفع السن ظهرت الأمراض المزمنة، وفي السابق لم يكن مريض السكري يعيش إلى فترة طويلة على عكس مريض ضغط الدم الذي يعيش فترة أطول إذا استعمل الأدوية، وهكذا فكلما زاد المرضى من كبار السن أكثر زاد لدينا عدد المصابين بالفشل الكلوي، وللأسف أن التوقعات تؤكد حدوث الزيادة المستقبلية بشكل كبير مستقبلا. • مع أن الإحصائيات السكانية تؤكد أننا مجتمع شبابي بنسبة 60 في المائة؟ المجتمع الشبابي سيكبر في السن، والآن كبار السن أصبحوا أكثر مما سبق في مجتمعنا وعندنا مشكلة كبيرة في مرضى السكري؛ لأنهم يشكلون نحو 25 في المائة في منطقة الخليج تحديدا، كما أن 10 في المائة من مرضى السكري غير المنتظمين مهددون بالإصابة بالفشل الكلوي خصوصا إذا علمنا أن المصابين بالسكري وضغط الدم يشكلون حاليا نحو 50 في المائة من مرضى الفشل الكلوي فيما تشكل بقية الأسباب ال 50 في المائة الأخرى، فلكي نوقف نشاط الكلى أو نقلل من مرضى الفشل الكلوي لا بد أن ننطلق من معالجة مرضى السكري والضغط والتهابات البول بحيث يكون لدينا كشف منتظم على كل أفراد المجتمع ممن تجاوزوا سن الأربعين. • هل يحدث هذا من خلال المراكز الصحية؟ رغم عدم وجود منظومة متكاملة من الرعاية الصحية تقوم بهذا الشيء إلا أن مرضى الكلى في المملكة محظوظون لوجود ثلاث جمعيات مهمة ترعاهم ضمن منظومة العلاج الصحي في المملكة؛ ولأن متابعتهم بدأت من الثمانينيات، ولدينا إحصاءات كاملة عنهم، كما أن الغسل بدأ في بلادنا منذ السبعينيات ولم يحدث بفضل الله أن مات لدينا مريض من الفشل الكلوي لعدم توفر مكان له مع أن هذا الأمر يحدث في كثير من دول العالم حتى الدول المتقدمة حيث يموت فيها المرضى كثيراً لعدم توفر أماكن غسل كافية لهم، والحقيقة نحن مازلنا نعاني من ضغط دائم على أماكن الغسل وهذا يقودني للحديث عن أهمية أن يكون لدينا استراتيجية لحل موضوع الغسل من خلال زراعة الكلى لهم والتي أغلقت في الخارج لما يسببه الغسل من معاناة وآلام في العظام والقلب والرئتين، وبصراحة نحن بحاجة ماسة لمنظومة تحد من السمنة والسكري وارتفاع ضغط الدم واكتشاف المرضى مبكرا لنقلل من مرضى الفشل الكلوي في بلادنا، فهناك نقص كبير في أطباء الكلى، إضافة لعدم وجود متخصصين في أمراض الكلى في مراكز الرعاية الصحية الأولية، وهذه مشكلة أخرى تواجه الشعوب والعالم كله؛ فمن يعالج المريض في بداية مرضه ليس أطباء الكلى وإنما يأتينا المريض بعد أن يكون في المرحلة الخامسة من مرضه، فيما ينبغي أن يكون قد مر في المراحل الأربع الأخرى بأناس متخصصين في الرعاية الأولية ليمكن تدارك حالته قبل الوصول إلى الفشل الكلوي وهذا غير موجود لدينا حاليا وللأسف. • هل نوقشت هذه الاحتياجات مع وزارة الصحة؟ وزارة الصحة تعلم هذا الكلام جيدا، وتعلم أنه يجب أن يقوم الطب الوقائي بهذا الدور، وأعتقد أن هناك استراتيجية قريبة جدا سيتم البدء في تنفيذها وتلعب فيها وسائل الإعلام دورا كبيرا لإيصال المعلومة للمرضى وقد بدئ بتجربتها في حج عام 1431ه، ونحن نحاول أن نرفع درجة الوعي بالمرض لدى المرضى خصوصا من يكتشفون للمرة الأولى وجود سكري أو ضغط لديهم فيبدأون بردة فعل تتمثل في عدم تناول الأدوية لعدة سنوات وهذه الفترة المبكرة تعتبر أهم مرحلة يمكن أن تحدد ملامح المرحلة المتأخرة من المرض؛ فلو بدأ كل مريض بتناول علاجه من البداية فلن نصل إلى مرحلة الفشل الكلوي. • كم نسبة الانتظار الآن لمرضى الفشل الكلوي؟ هناك معلومة مهمة فمريض الكلى الآن لا ينتظر ومن يقول إنهم (ماسكين سرا) فإنه يقصد للزراعة، أما للغسل فإنها غير صحيحة؛ لأن مريض الغسل اذا لم يغسل لمدة أسبوع أو أسبوعين فسوف يموت وليس لديه مخرج سوى الغسل، فأحياناً يكون على قائمة الانتظار في أحد المستشفيات لكنه يغسل في مكان آخر، وأحب أن أنوه في هذه النقطة بالجهد المبارك الذي قامت به جمعية الأمير فهد بن سلمان رحمه الله من خلال استفتاء كبير على مستوى المملكة لمعرفة نقاط النقص وأماكن الوحدات المطلوبة واحتياجات الإحلال واستبدال القديم بجديد، وهذا الاستفتاء أعطى تصورا كبيرا حول الاحتياجات الحالية وتم الرفع بنتائج هذه الدراسة إلى المقام السامي وتمت الموافقة على لجنة استشارية عليا لتنفيذ القرارات والتوصيات، واللجنة تجتمع بانتظام منذ سنة ونصف تقريبا، وأعتقد أن المواصفات التي وضعتها جمعية الأمير فهد لرعاية مرضى الكلى أفضل من أي مستوى موجود في العالم وسيكون لها ميزانية كبيرة جدا إن شاء الله. • ما الذي تحتاجه مراكز الكلى في المملكة؟ نحتاج لمن يوصل للمرضى جميع احتياجاتهم في الوقت الذي يحتاجه المريض، وليس الوقت الذي نختاره للمريض كما يحدث حاليا، ويتضمن هذا توصيل المرضى غير المستطيعين لمكان الغسل وإرجاعهم مرة أخرى، وهذا دور لا تستطيع وزارة الصحة القيام به، كما نحتاج إلى توعية المرضى للغسل في منازلهم ومتابعتهم من خلال أجهزة اتصال خاصة في حالة وجود مشكلة كما هو الحال في كندا وأوروبا، وأخيرا وهو الأهم نحتاج إلى قرار جريء بوجوبية التبرع بالأعضاء عند الوفاة الدماغية؛ لأنه لو فتح لدي باب التبرع في المملكة من كل حالات الوفاة الدماغية فلن نضطر إلى أي مركز غسل للكلى، وسيتوفر لدينا قرابة 2000 عضو في السنة؛ مع العلم أن عدد المرضى المحتاجين لزراعة لا يتجاوز 1200 حالة في السنة وهذا الأمر سيوفر بلاشك على الدولة أكثر من ثلاثة بلايين ريال يتم صرفها حاليا على مرضى الغسل. • بالنسبة لموضوع الاستفادة من أعضاء لمحكوم عليهم بالإعدام قيل إنكم وصلتم إلى طريق مسدود في مناقشته؟. اختلفت الآراء بشأنه فهناك أناس موافقون عليه وآخرون قالوا إن المحكوم عليه ليس لديه حرية لإعطاء الموافقة، وبعد مناقشات كثيرة صدر قرار بأن يوجد قاض يذهب لأهل المحكوم عليه لمناقشتهم في هذا الموضوع و ووفق عليه، ثم أوقف مرة أخرى نتيجة للخوف من حدوث مشكلة مع منظمة الصحة العالمية وحقوق الإنسان، وهذه التجربة موجودة في الصين لكنهم اعتبروها دولة مخالفة للنظام فنحن توقفنا حرصا على سمعة المملكة. • سبق لك التصريح بعدم وجود فهم واضح لدينا لموضوع الوفاة الدماغية، من تقصد تحديدا؟. نحن كدولة إسلامية لدينا قرار صادر من هيئة كبار العلماء عام 1402ه بجواز نقل أعضاء من إنسان إلى آخر سواء كان حيا أو ميتا، وتم التأكيد على هذا القرار من مجمع الفقه الإسلامي في الأردن عام 1986م، حين أقروا بأن الوفاة الدماغية تعادل الوفاة النهائية وبالتالي لدينا قراران شرعيان نحن نعمل على ضوئهما، ولا شك أن هناك الكثير من المجتهدين ولكن هؤلاء في بعض الأحيان يسببون لنا مشكلة ونحن لسنا متفرغين لمناقشة هذه الأمور لأن الناس لا تعلم أنه عند حدوث وفاة دماغية يقوم فريق قوامه 50 شخصا لعمل حالة واحدة وربما يستمرون يوما أو اثنين لكي يستطيعوا استئصال الأعضاء ونقلها لمريض ثان. • الناس تتخوف من ضعف الضوابط الشرعية والطبية؟. ما دامت عندي فتوى بوجوبية التبرع للمتوفى فلا بد أن أسأل أهله وبإمكان الأهل أن يضعوا كل القيود على التشخيص على الوفاة الدماغية، ونحن لدينا في المملكة أكبر برنامج معقد في تشخيص الوفاة الدماغية على مستوى العالم تلافيا لوجود أي خطأ في أي تشخيص. والغريب أن الأوروبيين والغرب عموما لديهم قبول لمسألة التبرع بنسبة 70 في المائة تقريبا فيما لا تتجاوز النسبة عندنا كمسلمين 32 في المائة وهذا فرق كبير، والمفروض أن نعرف أن الموت علينا حق ولكننا نواجه دائما اعتقادا لدى أهل المرضى بأن المتوفى دماغيا لا بد أن يقوم وهذا لم يحدث من قبل وهناك خلط أحيانا بين الوفاة الدماغية والغيبوبة، وهذه مسألة نتأكد منها من خلال الفحوصات ولا يمكن أن نأخذ أعضاء من شخص في غيبوبة حتى لو وصل إلى الوفاة الدماغية فلا بد أن نعرف السبب، وهذه من الأنظمة التي نصر عليها ونشدد في تطبيقها، ولعلمك فقد جاءتنا حالات تبرع من أناس لديهم عاهات وليس لهم أمل في الحياة ورفضناها لأنها ليست حالات وفاة دماغية. • هل هناك مشكلة في عملية إيصال الأعضاء؟. الإخلاء الطبي له دور كبير في هذا الموضوع وسمو ولي العهد حفظه الله أصدر من البداية تصريحا بأحقية المركز السعودي لزراعة الأعضاء باستخدام الإخلاء الطبي لأي مريض أو لنقل الأعضاء وما إلى ذلك واستمر هذا الدعم إلى أكثر من هذا كما قامت الخطوط السعودية بنقل الأعضاء مجانا، لكننا نحتاج في المستقبل لطائرات خاصة لنقل الفرق الطبية وطائرات خاصة بالمرضى والحمد لله فبوجود الإخلاء الطبي تعتبر المملكة أقل دولة في العالم كله في نقص التروية عن العضو المنزوع حيث لا تتجاوز مدة نقله من 8 12 ساعة بينما تصل في الدول الأوروبية بالرغم من تقاربها جغرافيا إلى 24 ساعة، ولا أنسى دور الهلال الأحمر والأمن العام اللذين نلجأ لهما للمساعدة في نقل الأعضاء والفرق الطبية. • وفي ما يتعلق بقائمة انتظار لزراعة الأعضاء؟. ما زالت طويلة وستستمر كذلك لوجود نحو 12 ألف مريض حاليا، وبصراحة نحن لا نستطيع أن نزرع لكل الناس ولا أية دولة في العالم تستطيع أن تزرع لكل الناس المحتاجين فهذا أمر مستحيل. • لكننا نلاحظ عدم وجود أخصائي تهيئة لأهل المريض في المستشفيات؟. كان وما زال موجودا ويقوم به الأخصائي الاجتماعي ونحن نسميه (المنسق)، والمنسق هو الوحيد الذي يتكلم مع الأهل لأن لديه الخبرة ويعرف مداخلهم وهو المنسق الخاص لزرع الأعضاء. • يقال إنك أشبه بالتائه بين الرياضوجدة وبين المؤتمرات الداخلية والخارجية ومسؤولية أكثر من جمعية، كيف توفق بينها؟ يشهد الله أنها على حساب صحتي، وأنا أساسا نومي قليل لأنني أحب عملي ولا يوجد لدي يوم إجازة منذ تخرجي، وأنام في الطائرة مثلا. • وهل ينعكس على الأسرة أيضا؟ أما من الجانب العائلي فأنا مقصر جدا، وقبل فترة كنت أحدث زوجتي وأقول والله أنا شايف إني مقصر في حقكم فقالت لي: إنت مقصر من 25 سنة فلا جديد، ولا أجتمع مع أسرتي على الأكل سوى مرتين أسبوعيا وقد اعتادوا على الأمر وكبر الأبناء وأصبح لكل منهم ما يشغله أما زوجتي فهي مشغولة جدا أيضا في عملها. • هل صحيح أن مركز جدة يدار من قبل طاقم التمريض فقط ؟ افتقدني المركز بلا شك ولكن مرضاي لم يفتقدوني لأن مرضاي هم أساس حياتي كلها، وعندما عرض علي مركز الرياض بدوام كامل كان شرطي الأساسي أن أعمل كما أنا في مستشفى الملك فهد في مركز الكلى الذي شاركت في إنشائه مع الدكتور أحمد عاشور الأخ الذي لم تلده أمي. • مع أن هناك من يرى أنه كان عقبة أمام تنفيذ بعض المشاريع في المستشفى؟ أعتقد أن الدكتور أحمد عاشور خدم وزارة الصحة والمنطقة الغربية ككل بفكره الكبير والحقيقة أنه لم يكن لدينا في بداية عملنا في المركز أكثر من أربعة أجهزة وعندما تم تعيينه مديرا لمستشفى الملك فهد أبلغته بحاجتي لتوسعة مركز الكلى بأجهزة جديدة من 10 إلى 12 جهازا فقال: نريد أن نعمل مركزا كبيرا فأنشأنا هذا المركز من لا شيء إلى أفضل مركز في الشرق الأوسط وإلى يومنا هذا يقوم المركز بخدمة المرضى لدرجة أننا نصل إلى خدمة 750 مريض غسل في بعض الفترات فالرجل له أياد بيضاء لا تعد ولا تحصى، لكن الغريب أن تأتيك العقبات من قبل بعض من يرون في الوزارة في وقت من الأوقات أن أي مشروع جديد يهم المرضى يعتبر من الخدمات التوسعية لأنه سيكون مكلفا للميزانية، وهاهو مريض الكلى اليوم يأتي بوظائف للمستشفيات لتكون على أعداد المرضى وهنالك ميزانيات خاصة بمرضى الكلى ولكن للأسف أنا لدي أكثر من 650 مريضا فيما يحسب لنا 240 مريضا فقط من الوزارة. بل أبعد من ذلك عندما تكتشف أنك تتعامل بشفافية مفرطة فتقابل بأعمال محبطة وأرجو أن لا تستغرب أنني نقلت مؤتمرا لزراعة الأعضاء شارك فيه 1600 متخصص من جميع دول العالم من جدة إلى مسقط بسبب أن بعض العاملين في الوزارة لا يرغبون في إعطائي تصريحا لإقامته وهذا أمر مؤسف فعلا. • ربما يفكر العاملون في الوزارة أن هذا الجانب فيه باب كبير للتبرعات؟ التبرعات تأتي الآن عن طريق الجمعية وكان الناس يتبرعون سابقا بالآلات وهنالك أناس يتبرعون بمكائن ولكن المكينة ليست كل شيء، فمريض الكلى أو مريض الغسل يحتاج إلى رعاية كاملة ويحتاج إلى تمريض فاهم في الكلى وهنالك أشياء تكون بسيطة لا يجب أن يفعلها أي أحد سوى الجراح وإلا فإن الغسل ستكون فيه مشكلة طول الوقت وهذه المكائن إذا لم يكن لديك فني متخصص بإصلاح مكائن غسل الكلى لاتصلح لأنه ليس أي فني يفهم فيها. • ربما تكون غيرة من نجاحاتك؟ لا أعلم. • لكنك واجهت ماهو أكبر من ذلك من زملاء المهنة في بداياتك؟ للأسف الشديد وكنت أتمنى أن لا تحدث فعندما بدأنا في مستشفى الملك فهد في جدة كان هناك برنامج متكامل في مستشفى الشاطئ وكانت وجهة نظر العاملين في ذلك البرنامج أن لاتقام أي عملية زراعة في مستشفى الملك فهد وهذه من التحديات التي واجهتني في البداية، وكانت لدينا حالة وفاة دماغية لمتبرع فاتصلت بجراحهم فرفض أن يأتي وأصر على أن يزرع في مستشفى الشاطئ فأصررت من جانبي على أن تتم العملية في مستشفى الملك فهد فاضطررت للاتصال بالدكتور أحمد بيومي رئيس جامعة المنصورة حاليا وجاء للمملكة دون تأشيرة لأننا كنا أمام تحد كبير في ذلك الوقت وكان الدكتور عبد الله فلاتة حديث تجربة لكنه شارك في العملية وبقي معنا الدكتور بيومي بعدها لمدة ثلاث سنوات. • بدأت طبيبا للفقراء وأصبحت الآن طبيب الأغنياء؟ أنا طبيب لكل المرضى طوال حياتي وأتفاعل وأعيش مع الفقراء حتى لو أغلق باب في وجهي أفتح لهم بابا آخر، وأعلنها بصراحة أنني خالفت الأنظمة كثيرا من أجلهم وما زلت أخالفها من أجل المريض الفقير لدرجة أني أنتظر مرضاي المحتاجين يوم الجمعة وأكشف عليهم في المستشفيات الخاصة دون أي مقابل إلى يومك هذا. • مع أن هنالك من الأطباء من يطلب من المريض أن يزوره في عيادته ليعطيه علاجا أفضل؟ هذا طبيب ليس لديه أخلاقيات. الطبيب له رسالة إنسانية، وإذا وصل لدرجة أنه يتاجر بالمرضى ويتاجر بالمال، فهذا ليس من أخلاقياتنا. • هل ما زلنا بحاجة إلى السفر إلى الخارج للمريض السعودي؟ السفر إلى الخارج أغلق بالنسبة للزراعة، ولن يجد المريض مكانا لغسل الكلى أفضل من المملكة، مع تحفظي بأننا يمكن أن نكون أفضل حالا مما نحن فيه. أما بالنسبة للزراعة، فلدينا كوادر في المملكة لا نحتاج بوجودهم السفر إلى الخارج. • وهل ما زال باب شراء الأعضاء من الخارج مفتوحا؟ هذا موضوع شائك وكبير وتحكمه أخلاقيات، وأنا ضد هذه الفكرة لكي لا نصور على أننا مجتمع غني يستغل حاجة الفقراء في الخارج، وبالمقابل نحن فتحنا موضوع منح الأعضاء بين الأقارب، ونزرع في السنة حوالي 300 كلية بين الأقارب في المملكة. • لماذا تخليتم عن أسماء لها سبق العمل في المركز، مثل الدكتور نبيل نظام الدين؟ نبيل رائد في زرع الكلى ومحب للتنقل وعاد للعمل معنا حاليا، ولا أنسى الدكتور عبد الله فلاته شافاه الله وهو من الأطباء المهمين في مجال التخصص، وكذلك د. عبد الله عوض الذي عاد الينا أيضا. • ظللتم لفترة تعلنون عن عمليات زراعة الأعضاء، ثم تراجعتم عن هذه الخطوة.. لماذا؟ بنصيحة من بعض الإعلاميين رأوا أننا يجب أن نعلن عن إنجازاتنا دفعة واحدة، بل إن بعض الصحف أصبحت تتردد في نشر عملياتنا ولا أدري ما السبب، مع أننا نكتشف في كل يوم شيئا جديدا، وهناك فارق بين احتفالنا بزراعة 300 عضو في ثلاث سنوات في الثمانينيات وبين أكثر من 550 عملية زراعة متنوعة تتم حاليا كل عام تقريبا. ومرضى الكلى محظوظون بوجود الأمير سلمان ودعمه اللا محدود الذي يشمل كل مريض في المملكة. • أين وصل جهاز شاهين الذي قمت باختراعه في بدايات عملك في المركز؟ ما زال موجودا، وفكرته بدأت من باب أننا بحاجة إلى جهاز سهل وبسيط لمرضى الكلى في تلك الفترة المبكرة من العمل، فقمت بالاستفادة من الأجهزة القديمة التي تبرع لنا بها د. أحمد عاشور في تلك الفترة، وطورت جهازا، وقدمت له في أثينا، وأتذكر أن الدكتور عثمان الفريح طلب الجهاز لاستخدامه في تخصصي الرياض، وما زلنا نستخدمه في الحالات الضرورية، لكن الأهم من جهاز شاهين هو الجهاز المسمى (بريسما) حاليا، وهو نتاج عدة أجهزة في وقت واحد، وكنت قد استلهمت فكرته من استخدام أربعة أجهزة في وقت واحد على مريض بالعناية المركزة، فرآه أحد مندوبي الشركات، وطلب مني تفاصيل الفكرة، وقال لي: إذا نجحنا في تحويل الأربعة أجهزة إلى جهاز واحد فسأهديك أول جهاز ننتجه، وهذا ما حدث، ولم آخذ من الشركة ريالا واحدا. • استغرب الكثيرون مشاركتك في عملية زراعة الرحم التي نالت ضجة إعلامية قبل النجاح وبعد الفشل، ورغم هذا لم تتحدث عن موقفك.. لماذا؟ دوري كان محدودا، فقد كنت أسأل من خلال موقعي في المركز، فأجيب على الأسئلة دون أن أعلم بتفاصيل العملية، ثم علمت بالتفاصيل وأن هذه العملية تمت تجربتها على الأرانب، وأن الأمور في بدايتها كانت جيدة، ثم حدثت الانتكاسة بعد ذلك. وأنا أعتبر، ومع اختلاف الآراء، أن المرأة التي لا تملك رحما ليست مريضة، ومن ثم فإن زراعة عضو لها وإعطاءها أدوية مثبطة للمناعة يعرضها للخطر، وهي ليست في حاجة لذلك، لكن تظل الفكرة جيدة، وإن شابها التسرع، لكنني أعتقد أنها تجربة لم تكن خاطئة، ويمكن أن تنجح في المستقبل. • لماذا اضطررتم لطلب المساعدة عبر رسائل الجوال؟ لا تعلم الخير الذي أتى من خلال هذه الفكرة المباركة التي تتولاها جمعية الأمير فهد بن سلمان الخيرية، فقد سدت الأموال التي يدرها هذا المشروع احتياج 700 مريض من كبار السن لا تتحملهم ميزانية الوزارة، حيث وصلت تكلفة الفرد الواحد منهم إلى 110 آلاف ريال سنويا، ونتمنى أن تكون هناك مبادرات مماثلة له. • أصدقاؤك يقولون إنك أضعت عمرك ونسيت بناء مستقبل أسرتك؟ القناعة بالصحة والعافية والستر لي ولأولادي هي مكسبي من الدنيا، ولا أخفيك أنه قد جاءتني عروض مغرية من باب الحسد والغيرة، عندما كان راتبي لا يتجاوز 18 ألف ريال لإيقاف برنامج زراعة الكلى في مستشفى الملك فهد بوظيفة كبير أطباء، وبراتب لي ولزوجتي يصل إلى 120 ألف ريال، ولكننا رفضنا العرض من حيث المبدأ، ولأنني تعلمت ممن سبقوني خصوصا الدكتور عبد الله فلاتة أن نكون مع الفقراء دائما، وأخلاقنا ليست للبيع بأي ثمن، وقد لا تعلم بحجم الفرحة التي أشعر بها عندما يأتي المريض سواء أكان غنيا أو فقيرا، فيطلبني بالاسم، فهنا 50 في المائة من عوامل النجاح النفسي قد توفرت، وربنا وفقني من هذا الباب.