لم يتمكن محمد العناب، البائع في سوق حراج الدمام، من الإيفاء بالتزاماته الأسرية، بتوفير الخبز والملبس لأفراد أسرته، البالغ عددها 32 شخصاً، وما يحز في نفسه أكثر، أنه لم يتمكن من الإيفاء بوعده، شراء دمية «باربي»، ومعها وجبة أطفال، من أحد مطاعم الوجبات السريعة، لابنته الصغيرة، التي لطالما حلمت بعروس ذات شعر أصفر، وبساندويتش أمريكي الصنع. فالأب عاد إلى بيته ظهيرة الخميس الماضي، بجيوب خاوية، ونفس منكسرة، وهموم تتوجس مما سيحدث غداً، بعد أن داهمته ونحو 25 تاجراً سعودياً، آليات البلدية، لتحطم بضاعتهم وتتلفها أمام أعينهم. العناب يشير إلى ما تبقى من بضاعته ( اليوم ) لم يتمالك العناب أعصابه، عندما رأى فرق التفتيش، التابعة لبلدية سوق الحراج بالدمام، وهي تكسر وتتلف ما تبقى من بضاعته، بعد أن صادرت الأشياء الجيدة منها، فوقف أمام بلدوزر البلدية وسط السوق، يصرخ بأعلى صوته «حلالي ضاع.. رزق أولادي أخذته الأمانة»، لكن لا أحد يجيب، قبل أن يسارع زملاء له بإنقاذه، وإبعاده عن آليات الأمانة، حتى لا تتعرض حياته للخطر.ويقول العناب: «أعيش وأسرتي، البالغ عددها 32 شخصاً، من بيع الأثاث المستعمل في سوق الحراج في الدمام، ولو أن الأمانة تدرك أن هذا مصدر دخلي وأفراد أسرتي الوحيد، لما قامت بحملتها هذه، ولما كسرت بضاعتي بهذه الطريقة البشعة»، مضيفاً «الحملة لم تقتصر على بسطتي، وإنما شملت بسطات ما يقرب من 25 تاجرا سعوديا، بخلاف الأجانب، بغرض منعهم من البيع خارج أسوار السوق ومحاله المرخصة»، مؤكداً «أعيش حالياً حالة مأساوية، بعد أن خسرت رأس مالي، في غضون دقائق معدودة، بفعل آليات البلدية التي لم ترحم أحداً».وتابع العناب «لا أدري كيف سأوفر لقمة عيش أبنائي مستقبلاً، بعد أن فقدت مصدر عيشي الوحيد، وفقدت أيضاً رأس مالي، الذي كنت أشتري به الأثاث المستعمل من الأهالي، وأبيعه للراغبين في شرائه»، مضيفاً «عندما حاولت استجداء مسؤولي البلدية، ورجوتهم إيقاف آلياتهم عن العمل، حتى يمكنني جمع بضاعتي، لم يستمع إلي أحد، وأعلنوا صراحة أنني مخالف للأنظمة، ويجب اتلاف بضاعتي وتكسيرها، حتى لا أعاود الوقوف في غير الأماكن المرخص لها»، موضحاً أن «إجمالي البضائع والأثاث الخاصة بي، التي قامت آليات البلدية باتلافها، تجاوزت 20 ألف ريال».أعيش وأسرتي، البالغ عددها 32 شخصاً، من بيع الأثاث المستعمل في سوق الحراج في الدمام، ولو أن الأمانة تدرك أن هذا مصدر دخلي وأفراد أسرتي الوحيد، لما قامت بحملتها هذهويتذكر العناب الدقائق التي سبقت مهاجمة آليات البلدية السوق قائلا: «كنا نرص بضاعتنا صباح يوم الخميس الماضي، في استعداد انطلاقة عمليات البيع والشراء عقب صلاة العصر، عندما يتوافد الزبائن علينا، بيد أن الساعة العاشرة من صباح ذلك اليوم، حملت لنا الرعب جميعاً، عندما انشقت الأرض عن آليات الأمانة، التي كشرت عن أنيابها، فهجمت على جميع البضائع المفروشة في الشوارع والحارات داخل السوق، تكسرها وتتلفها في أقل من 60 دقيقة فقط»، موضحاً «في هذه اللحظات، ترك العمال الأجانب بضاعتهم في مكانها، وفروا إلى أماكن غير معلومة، فيما بقينا نحن الباعة السعوديين أمام بضاعتنا، نحميها من التحطيم والتكسير، لكن دون فائدة، إذ لم ترحم تلك الآليات ضعفنا وفقرنا، وأصرت على تنفيذ عملياتها، بقلب قاس»، معترفاً في الوقت نفسه بأنه «خالف التعليمات، عندما افترش وغيره أرض السوق، وباع واشترى دون ترخيص، لكن ليس لي خيار آخر، إذا علمنا أن محال السوق مباعة بشكل تام، وليس هناك مجال لشراء أحدها، ولم يكن أمامنا سوى افتراش أرضية بعض الشوارع الجانبية، والعمل فيها»، مؤكداً أن «قيام موظفي البلدية وآلياتها، بمهاجمتنا بهذه الطريقة، يشير إلى منظر غير حضاري، ويعكس مدى مستوى تدني ثقافة هؤلاء المفتشين».وأضاف العناب «التصرفات التي مارسها معنا مفتشو بلدية سوق الحراج ليست المرة الأولى، بل تحدث بمعدل مرة كل شهر، وأحيانا لا يمضي أسبوع إلا وتجدهم يداهمون موقعنا، وقد تحصل هذه الممارسات في الغالب كل نهاية أسبوع، وليس هناك وقت محدد لبدئها، فقد تجدهم يأتون في الصباح الباكر، حيث يوجد الباعة داخل السوق، ونتفاجأ عند مجيئنا بأن جميع بضائعنا تمت مصادرتها»، موضحاً «في يوم الحملة، كنت أدعو الله أن يرزقني، كي أتمكن من إسعاد أفراد أسرتي ال «32» خاصة ابنتي الصغرى، التي كانت تحلم بدمية باربي، ومعها وجبة أطفال، بها ساندويتش همبورجر، لكن لم يتحقق ما كنت أخطط له». وذكر حسين العطافي (بائع آخر ) أن «هناك بعض البضائع التي نملكها، مثل الأجهزة الكهربائية، تمت مصادرتها إلى مكان غير معروف»، متسائلاً «من يعوضنا عن خسائرنا المادية تلك، التي تصل قيمة ما تمت مصادرتها ب «120» ألف ريال، هل ستقوم البلدية بدفع هذه الخسائر. أما أن وظيفتها فقط مضايقتنا نحن الباعة السعوديين، والتضييق علينا، في الوقت نفسه تترك الأجانب يمرحون ويسرحون في السوق».وتابع العطافي «جميع الباعة، خاصة السعوديين، ممن يفترشون بضائعهم خارج أسوار السوق، لا يستطيعون تأجير محال، بسبب عدم توافرها»، مؤكداً أن «المحال الموجودة مؤجرة لأناس آخرين، وتدار من قبل عمالة أجنبية، ونحن الباعة عندما تقدمنا لبلدية السوق، طالبين منها استئجار محال، رفضوا طلبنا، لعدم توافرها. ففي هذه الحالة ماذا بوسعنا أن نفعل كي نحمي بضائعنا المصادرة؟». وبين العطافي أن «غالبية الباعة المنتشرين في السوق خاصة السعوديين منهم لا يملكون أي دخل يعيشون منه سوى، ما يكسبونه من بيعهم داخل هذا السوق»، موضحاً أن «هؤلاء لديهم التزامات مالية وأسرية، وهم على استعداد لتقبل أي مقترح من قبل البلدية، بدلا من مصادرة مصدر رزقنا الوحيد، وأقترح أن يتم فرض رسوم مالية علينا نحن الباعة الذين نبيع خارج السوق، لتجنب مضايقتنا والسماح لنا بالتكسب».وتضرر محمد حميدو (بائع) من حملة صباح الخميس، وقال: «تبلغ قيمة البضاعة الخاصة بي، التي صادرها مسؤولو الأمانة، نحو 15 ألف ريال، حيث احتجزوها في سيارة نقل كبيرة داخل مكان مخصص لتجميع النفايات بجانب مبنى البلدية، وقد فرضوا علي غرامة مالية، تصل إلى خمسة آلاف ريال، كي يتم إخلاء سبيل السيارة والبضائع»، موضحاً أن «البضاعة عبارة عن أجهزة كهربائية وأثاث، وقد اشتريتها من أحد المواطنين، حين كان يرغب في تجديد أثاث منزله». وأوضح حميدو أن «مفتشي البلدية عندما صادروا بضاعتي، وتركوها مهملة، حيث لم يستفيدوا منها، ولم يدعوني أتربح منها، لكن ما يؤسفني في الأمر أنني يومياً أرى سيارتي والبضاعة فوقها عندما أبسط بالقرب منها، وقد أتلفتها الشمس وغطاها الغبار بالكامل، وأصبحت لا يمكن الاستفادة منها، مستقبلاً».
البلدية: نطبّق الأنظمة .. ولا فرق بين السعوديين والأجانب ذكر المهندس مازن بخرجي رئيس بلدية وسط الدمام أن «الحملة التي قامت بها البلدية يوم الخميس الماضي، ليست الأولى من نوعها، وتحدث في نهاية كل أسبوع»، موضحاً أن «الغرض منها هو وضع حد لتزايد أعداد الباعة المخالفين، سواء كانوا سعوديين أو أجانب، بالبيع في الشوارع»، مشيراً إلى أن «هذه التصرفات مخالفة لقوانين السوق، ويستوجب فرض غرامة مالية على البائع المخالف، مع مصادرة بضاعته».وبين بخرجي أن «نسبة الباعة السعوديين الذين يبيعون خارج أسوار السوق، تبلغ حوالي 40بالمائة، أما بقية النسبة، والتي تصل إلى 60بالمائة فهم من الأجانب»، موضحاً أن «تم اخطار كل الباعة الذين يبيعون خارج أسوار السوق مرات عدة، خاصة السعوديين منهم، عبر مخاطبات وإنذارات، تفيد بأن الافتراش ممنوع، ولكن دون فائدة، وفي كل مرة، يرجعون لممارسة البيع الممنوع، ونحن في هذه الحالة لا نستثني أحداً من العقاب، خاصة إذا علمنا أنهم يعيقون الحركة أثناء مباشرة حادث أو حريق»، مذكراً بما حدث قبل سنتين، عندما شب حريق في سوق الحراج، ولم يستطع رجال الدفاع المدني من الوصول إلى مكان الحريق بسبب وجود باعة تبيع خارج السوق»، مضيفاً: «هذا لابد أن يعيه كل بائع يبيع في سوق الحراج، ولا ينبغي أن يتحامل الباعة السعوديون على موظفي البلدية لأنهم يقومون بتطبيق النظام المتبع».وأضاف بخرجي «نعلم أن هناك العديد من الباعة يعتبر السوق مصدر رزق لهم ولأسرهم، ونحن في هذه الحالة نراعي الظروف المعيشية، ونحاول أن نقدم كل المساعدات، ونغض النظر عنهم أحيانا، ولكن يجب عليهم أن يبادروا بإزالة بضائعهم في حال تم إخطارهم من البلدية»، موضحاً أن «المنطقة المحيطة بالسوق من الخارج، ويكثر فيها الباعة، تعتبر كلها شوارع موصلة إلى مخططات سكنية ومحلات تجارية، ونحن نحرص في البلدية على تنظيم هذه الشوارع حتى تسهل من عملية الحركة المرورية لتلك المنطقة».وذكر بخرجي أن «عدم توافر محلات شاغرة داخل السوق لاحتواء هؤلاء الباعة يرجع إلى ضيق المساحة، التي صارت لا تستوعب تشييد المزيد من المحال، وهناك دراسة شاملة تقوم به الأمانة لتطوير سوق الحراج، خاصة أنه يعتبر السوق الرئيسي الذي يتوافد عليه جميع سكان المنطقة الشرقية وليس سكان مدينة الدمام».