يعتبر العمل الخيري والتطوعي سلاحا متميزا في يد القواعد الشعبية من عامة الناس؟ والمؤسف أن عددا غير قليل من الناس لا يدرك تلك القوة المختزنة في حركتها بسبب قلة الوعي السياسي والثقافي وكذلك بسبب تعقد وتداخل طبيعة النشاط الأهلي؟ إن من أبرز ملامح المرحلة الراهنة على المستوى العالمي قدرة المؤسسات التطوعية والأهلية على الاستقلال عن كيان الدولة الحديثة؟ هذا الاستقلال ساعد على بلورة قوة خفية وهيأ المناخ بصناعة آلية لها خاصة المناورة والحركة والضغط. نعم في الوطن العربي وفي الكثير من الدول النامية لايزال العمل التطوعي والأهلي يمارس تحت مظلة الدور المكمل والمساند للدولة وهو ما يمكننا تسميته بدور (سد الثغرات) انطلاقاً من أنه في كل وزارة ومؤسسة هناك اهتمام بقطاع معين. ويأتي دور العمل التطوعي كخطوة لاحقة دور الذي يقدم المجهودات والموارد لمساعدة المؤسسات الرسمية لاستكمال مسؤولياتها ومهامها! ونرغب هنا في أن نسجل إشكالية قائمة حول (مفهوم الخدمة العامة) أو ما يعرف بمساهمة مؤسسات جمعيات النفع العام والتي تمثل في العصر الراهن القطب الثالث من أقطاب التنمية إلى جانب القطاع الخاص والقطاع الحكومي؟ لقد عمل بعض قيادات العمل التطوعي من دون قصد على التركيز على نمط من أعمال ومؤسسات جمعيات النفع العام والمتمثل في الإغاثة والدعوة فقط؟ دون الالتفات إلى الجمعيات العلمية والثقافية والحقوقية والنقابية وحماية البيئة. . الخ. هذا الفرز والتركيز على أعمال الإغاثة والدعوة أطر وحجم الأنشطة الأهلية والتطوعية الآخرى؟ والسؤال: لماذا تنجح أعمال الجمعيات الدعوية وتفشل أعمال الجمعيات الثقافية والفنية والمهنية والحقوقية؟ مع أن الأخيرة جزء من مؤسسات النفع العام؟ بجرأة عليها مسحة من الأدب نقول: إن هناك موقفا أخلاقيا في تراثنا العربي الإسلامي بحاجة إلى خطاب ديني جديد يستوعب ويبشر ببعض الأنشطة الإنسانية والتطوعية التي لم تكن معهودة ضمن التجربة التاريخية ومن ثم العمل على دفعها إلى مواقع أمامية في المجتمع. فإذا كانت مجتمعاتنا متدينة فهذا يعني أن هناك علاقة شرطية بين الأعمال وطلب الأجر في الآخرة لذلك تذهب التبرعات والزكوات والصدقات والأوقاف في خدمة جمعيات محددة؟ وتحرم منها الجمعيات العلمية والمهنية والحقوقية والثقافية؟ إن طبيعة التطور الاجتماعي يتطلب خطابا دينيا جديدا يبين القيم الدينية التي تختزنها بعض الأنشطة الإنسانية والاجتماعية والحقوقية الأخرى ويبرز نبل وعظمة تلك الأعمال لفتح آفاق تهيء الناس لقبول أنماط مختلفة من خدمات مؤسسات النفع العام وبذلك الخطاب فإننا نضيف بعدا إنسانيا وسياسيا لأعمالنا الخيرية. إننا لا نقصد أن نقود الحديث إلى الاحتدام عبر ثنائية رجل الدين والمثقف في حراكهما الاجتماعي ونشاطهما التطوعي، رجل الدين برأس ماله التقديسي والمثقف برأس ماله الدنيوي؟ تلك ثنائية تستبطن داخلها منطقاً تفضيلياً يوحي بدلالة تبخيسية وقدحية من قبيل التخلف والانغلاق والتقليدية التي يمثلها رجل الدين في قبال دلالات تبرز المثقف بوصفه تنويرياً منفتحاً صاحب رسالة نهضوية؟ حديثنا بعيد عن هذه المقاربة التي تنحاز للمثقف وتنتصر له لأننا نعتقد أن الوصول لله لا يتم عبر المحراب فقط، بل حتى عبر خدمة الإنسان لأخيه الإنسان (الخلق عيال الله) وهكذا يلتقي الجميع على طريق حب الله الطويل. إن شموخ العمل التطوعي يكمن في قدرته على التحكم وبشفافية إنه تفعيل ميداني وحقيقي للكلمات المقدسة (ولقد كرمنا بني آدم). فالعمل الخيري والتطوعي جماعي أهلي اختياري لا إكراه فيه متألق بالحرية ومنعتق من العبودية ومفعم ب "الإيمان" ويستهدف العطاء دون انتظار المقابل وأفراده متحررون من عقد الإقليمية والقبلية والطائفية لأن خدماتهم تصل إلى كافة الناس (حضر-ريف-بادية) وبدون هذه النخبة يكون المجتمع عباءة مليئة بآلاف الثقوب؟! إن الثقل السياسي للعمل التطوعي يتجسد في أسبقيته وجاهزيته في ارتياد ميادين عمل جديدة وبرامج ومشاريع إبداعية تتفوق على اهتمام وعقليات أصحاب القرار في الأجهزة الرسمية وبيروقراطيتها المميتة؟ مما يشجع الحكومات فيما بعد إلى حمل المسئولية عن الجمعيات والهيئات التطوعية بعد أن تكون قد بدأتها و أظهرت ضرورتها وحاجة المجتمع لها. ولن يتحقق الثقل السياسي للعمل التطوعي بدون (قيادات واعية) متمكنة لديها (رؤية واستراتيجية) على أن يتوافر في هذه القيادات الاجتماعية (الكفاءة والإخلاص) أو (القوة والإيمان) حتى نتعلم من نبي الله موسى (الإيمان) ولا يقتصر تعليمنا على القوة (هتلر) كما عبر عن ذلك المفكر اليهودي (مارتن بوير) حين قال: إن أغلبية الشعب اليهودي فضل أن يتعلم من هتلر أكثر مما تعلم من موسى. ذلك لأن هتلر أثبت أن التاريخ ليس من نصيب من يملك الإيمان ولكنه من نصيب من يملك القوة"؟؟