وصفت الصحف السودانية الاتفاق الذى توصل المفاوضون السودانيون في كينيا اليه يوم الاربعاء بانه اعلان استقلال جديد للبلاد ونهاية للآلام وبداية لبناء دولة الاحلام. فهو بحق اعلان استقلال من الاقتتال والعدائيات والتشرد اذا صدقت النوايا. لم استطع كغيري من السودانيين السيطرة على مشاعري وانا اتابع تلك اللحظات التاريخية التي انتظرناها كثيرا حتى كاد يعصف بنا اليأس عندما تأخر التوقيع بضع ساعات ثم اطلقت الزغاريد من الصفوف الخلفية وهي لغة يعرف السودانيون ما تعنيه من فرحة وتحمله من بشائر في افراحهم ومناسباتهم السعيدة. كان الفرح كبيرا والعرس عرس كل السودانيين انتظروه طويلا وجاء بعد حرب اهلية استمرت قرابة الخمسين عاما استنزفت ارواح ومقدرات وحتى احلام السودانيين في الاستقرار والبناء والتنمية.. خلفت الملايين مشردين في وطنهم وفي دول الجوار وارامل ويتامى ومعاقين وامهات ثكلى يلوكون الصبر بعد ان فقدوا ابناءهم عكازة ارذل العمر التي يتوكأون عليها. واصبح السودان بسبب الحرب الاهلية مرتعا لكل من هب ودب من الطامعين والمتآمرين. في نيفاشا - كما هم في حياتهم اليومية - اثبت السودانيون مقدرتهم على تجاوز جراحهم وآلامهم ليعملوا معا من اجل تحقيق بالسلام ما تأكد لهم استحالة تحقيقه بالحرب وليقطعوا الطريق امام اطماع كبيرة ومراهنات ظلت تحاك وتنسج على مدى سنوات الحرب لفرض ثقافة وقيم على السودانيين يأبى طبعهم رغم تعدد سحناتهم وتنوع تكويناتهم تقبلها. ما تم في نيفاشا بعد تسعة اشهر من الجلوس الى طاولة المفاوضات بحق انجاز وتجربه يمكن الاستفادة منها والاستشهاد بها على ان تبادل الرأي والحوار والنأي به عن تدخل الآخرين رغم حجم الضغوط وقسوتها ورغم التهديد السافر بالويل والثبور من قوى عظمى يمكن ان يؤدي ولو طال الزمن الى الهدف. الذين لم يذوقوا مرارة الحرب ومآسيها يقولون ان قسمة الثروة والسلطة حسب ما جاء في الاتفاقات والبروتوكولات الموقعة قسمة ضيزى وان الحكومة رضخت للضغوط وفرطت في حق الشعب السوداني. اما من اكتوى بنار الحرب وشاهد الارامل اللائي قد لا يخلوا منهن بيت سوداني بعضهن في ثياب العرس واليتامى والمعاقين يزحفون في طرقات المدن والقرى فهم راضون عن دفع الثمن ايا كان ومهما كلف حتى لو بلغ هذا الثمن انفصال الجنوب. لقد تم التوقيع ودخل السودانيون ببلادهم مرحلة جديدة. فهنيئا لهم جميعا لكن عليهم قطع الميل الاخير بتوقيع العسكريين على اتفاق وقف اطلاق النار ثم التوقيع النهائي على اتفاق السلام الذي ينتظر ان يتم في القريب وكما قال الدكتور جون قرنق زعيم حركة التمرد (لقد استطعنا صعود وتجاوز جميع التلال التي في طريقنا وما تبقى ارض منبسطة نريد ان نسير فيها ولن نجرى لنسقط). في غرب السودان اوار نار ينبغى المسارعة لاطفائها وبالفعل هناك لجنة وطنية تتولى ملفها يقودها القاضي والوزير السابق دفع الله الحاج يوسف وهو رجل معروف بحياديته واستقلالية رأيه لتقصى الحقيق ومساعدة السياسيين من طرفي الصراع على وضع الحلول المناسبة ولا شك ان استكمال المفاوضات في نيفاشا سيسهم بشكل كبير في التسريع بوقف العدائيات. بل ان اتفاق الحكومة وحركة التمرد في جنوب السودان اصبح نموذجا يمكن تطبيقه في مناطق النزاعات الاخرى داخل السودان وخارجه. من عناوين الصحف السودانية @ الشارع السياسى: اخيرا صار الحلم حقيقة.. غنوا لنا اليوم نرفع راية استقلالنا ويسطر التاريخ مولد شعبنا (مقطع من نشيد وطني قديم). @ الاضواء: فى يوم كان مقداره 20 عاما قاطرة السلام الملائكية تدهس شياطين الحرب بتفاصيلهم. @ الايام: الاتفاق ينهى القضايا الموضوعية محل الخلاف بالتوقيع عليه تكون الحلقة قد اكتملت @ الحياة: بارادة الرجال محادثات نيفاشا تعبر الجبال وتطوى صفحة القتال @ الخرطوم: افراح السلام تعم الوطن @ الازمنة: انتهت الحرب وبدأت مرحلة السلام وطوت البلاد صفحة بامتداد ربع قرن من الحرب والقتال والمعاناة. @ الانباء: البلاد ودعت صفحة مليئة بالحرب والاحتقان ودخلت مرحلة جديدة مصحوبة بالتفاول ومفروشة بالامل. @ الصحافة: لقد كسبنا رهان السلام لنمضى فى بناء الوحدة والديمقراطية. جبرالله عمر الأمين