الفظائع والفضائح التي اظهرتها الصحافة البريطانية والامريكية عن عمليات التعذيب التي يتعرض لها العراقيون على أيدي القوات البريطانية والأمريكية، خاصة تلك الصور التي تسربت من سجن أبو غريب ، كانت مفاجئة للعالم الغربي الذي عزل اعلاميا عما يجري في العراق، خوفا من تأليب الرأي العام على الحكومات المشاركة في الحرب ضد العراق، لكن هذه الصور لم تكن مفاجئة للعرب خاصة العراقيين الذين يعيشون مأساة هذه الحرب ويكتوون بنارها. كانت صور التعذيب والممارسات غير الاخلاقية في سجن ابو غريب تجسيدا لما حدث ويحدث في سجن غوانتنامو على ايدي دعاة الحرية الجديدة والديمقراطية المبتكرة التي يتم نسج خيوطها وتفصيلها في تل أبيب وواشنطن ولندن، لتناسب المقاس او المقاييس الجديدة للحرية والديمقراطية كما تراها العواصم الثلاث. فظائع وفضائح يندى لها الجبين، وتشمئز منها النفوس وتستهجنها الضمائر، ويدينها حتى الاعلام الغربي الذي ظل مغيبا عن حقائق ما يجري في العراق في السياق الذي دفع واشنطن الى الاعتراض على الفضائيات الاخبارية العربية التي تنقل ما يحدث في العراق أولا بأول، وبالصوت والصورة، وكأنما تريد واشنطن ان تحجب الشمس بالغربال، وهذا منطق لا تعرفه غير العواصم الثلاث، وهو المنطق نفسه الذي جعل سفاحا عالميا مثل شارون رجل سلام، ويداه لم تجفا بعد من دماء الأبرياء، ونهمه لم يشبع بعد من القتل والتدمير والارهاب. ابو غريب وبالصوت والصورة ايضا هو الوجه الآخر لغوانتنامو ، لان من يدير هاتين الوصمتين على جبين البشرية هي نفس الايدي لنفس الاشخاص، وان اختلف المكان. العراقيون يعرفون ان ما خفي اعظم، لكن لا احد ينصفهم او يصغى الى شكاواهم، وقوات الاحتلال تمعن في التحدي يوما بعد يوم لعل ضمير العالم يزداد انغماسا في التجاهل. لكن هل ينجح الاحتلال للعراق؟ ان معطيات الواقع ودروس الماضي وعبر التاريخ تقول: لا وألف لا، وهذا ما لا تريد الاعتراف به قوات الاحتلال مع ظهور أكثر من صدام جديد في العراق، وكما كان صدام سببا في اعلان الحرب، فان الصداميين الجدد هم ذريعة قوات الاحتلال للامعان في اذلال الشعب العراقي، ولكن الى حين. فان اختلف العراقيون على شيء او اشياء، فانهم لن يختلفوا أبدا على رفض الاحتلال وارغامه على الجلاء. أبو غريب وغوانتنامو رمزان للقهر والاستعباد، وما اكثر الرموز المشابهة التي سقطت عبر التاريخ.