ذهل العالم من هول فحوى أهمية وخطورة المعلومات والصور بالوثائق التي نشرها موقع (ويكيليكس) المتخصص بفضح الملفات السرية، حيث تمكن الموقع المتخصص من الحصول على 400 ألف وثيقة ومستند تتعلق بالحرب على العراق ، واعتبرت هذه الوثائق السرية أكبر فضيحة لجرائم الغزو الأمريكي على العراق، وهي أكبر تسريب للوثائق السرية الخطيرة في تاريخ وسائل الإعلام المختلفة. ويقدر حجم الوثائق السرية الحديثة بأربعة أضعاف ما سُرب للموقع نفسه حول الحرب في أفغانستان ، والوثائق السرية التي سربت ترصد حجم فضائح وتورط جنود الاحتلال الأمريكي وإدارة فرق القتل والتعذيب والتي يشرف عليها مسؤولون عراقيون أتوا مع الاحتلال الأمريكي وساهموا بسجن وقتل وتعذيب مواطنين عراقيين بقرارات من السلطات العراقية المتعاقبة على الحكم بعد احتلال العراق عام 2003م رغم نفي السلطات العراقية ذلك أو وجود سجلات بهذا النوع من الجرائم البشعة التي وقعت بصفوف المدنيين العراقيين، والغريب والمفاجئ تعليق وزارة حقوق الإنسان بالعراق على ماسرب ونشر فقالت (هذا التقرير لم يأت بجديد) . وفضلاً عن تعذيب المعتقلين شاهدنا الوثائق المعززة بالصور عن كيفية قتل الأطفال والشيوخ في العراق وهدم المباني بطريقة عشوائية همجية ، إذ دفن ركام المباني المنهارة الأطفال الرضع والشيوخ والعجزة، تحت وطأة قصف الطائرات والصواريخ ربما بحثاً عن مشتبه به واحد تقوم قوات الاحتلال بإزالة منطقة كاملة أو حي كامل من الوجود، بدون حسيب أو رقيب بحجة استتباب الأمن، ومرور الدبابات المجنزرة على الأشجار والشوارع عكس الاتجاه، بحجة اعادة اعمار الأوطان التي دمرت بأسلحة المحتل. وما يحسب لعالم الإنترنت أنه فضح المستور وتغلب على المؤسسات الإعلامية الرسمية التي تروج وتلتزم باوامر الجنرالات وقادة السجون ، فقد حطمت الإنترنت قلة الديمقراطية المزيفة التي تريد فرض (ديمقراطية ابوغريب) بالقوة.. إن هؤلاء المعتقلين ليسوا مجرمين قتلة أو قطاع طرق ، ولم يهاجموا برجيْ مركز التجارة العالمي ، ولم يحطموا تمثال بوذا، ولكنهم فقط مواطنون عرب مسلمون رفضوا احتلال بلدانهم بالقوة، ولأنهم يؤمنون بأن المقاومة ضد الاحتلال الأجنبي أمر طبيعي ومشروع كفلته كل الديانات السماوية والقوانين الوضعية، مثله مثل أي جهاز مناعة سليم يرفض الأجسام الغريبة والأوبئة الفتاكة، سنوات مضت وهم هناك وكأنهم انتقلوا من عالمهم إلى عالم آخر تماماً اختلفت فيه الأشكال والأسماء ، فقدوا فيه السيطرة على أبسط مفردات حياتهم اليومية، ينامون بأمر ويستيقظون بآخر ، يأكلون بميعاد ويرون النور كذلك بميعاد ، لكن يعذبون بغير ميعاد ويتم التنكيل بهم باستمرار، تلك هي حياة الأسرى العرب في سجون الاحتلال ، اختلفت أسباب تواجدهم وأسمائهم هناك والعدو واحد ، فالموت لا يستغرق سوى لحظات .. لكن مرارة الأسر تبقى في حلوق أصحابها ما بقوا في رهن قبضة السجان ، وما بقيت السلاسل تكبل أيديهم باسم الديمقراطية الجديدة!. وحسب القانون الدولي الإنساني لا يسمح باعتقال الإنسان أو تعذيبه أو تهجيره بسبب معتقداته الدينية أو الدفاع عن وطنه ونفسه، مثلما يحصل في العراق أو فلسطين أو في افغانستان. وتعتبر سجون الاحتلال في فلسطين والعراق وأفغانستان من معاقل القمع والذل في العالم بأسره حيث صعّد المحتلون من ممارساتهم القمعية ضد المواطنين العزل ، فلم تكد تخلو مدينة في البلدان الثلاث، إلا ويتواجد فيها معتقل للاستجواب والتحقيق ، وقد تم وعلى فترات مختلفة اعتقال أكثر من نصف مليون فلسطيني خلال الفترة الواقعة ما بين 1967- 1999 في سجن هداريم ويقع على مقربة من مدينة نتانيا وطولكرم وأسس على نظام السجون الأمريكية . صورة من أساليب التعذيب المتكررة أما بالنسبة للعراق فهناك أرقام خيالية لربما لا يصدقها العقل البشري فالإحصائيات تشير إلى وجود عشرات الآلاف في السجون الأمريكية أغلبهم في السجن المشؤوم المسمى» أبو غريب « و «بوكا» في البصرة وغيرهما من السجون السرية التي تشرف عليها السلطات العراقية بمساعدة المحتل. ولا يزال عشرات الآلاف من الأسرى العرب يقبعون رهن الاعتقال في أقبية السجون الإسرائيلية والأمريكية في أوضاع معيشية ونفسية صعبة للغاية ، حيث يعانون من نقص في المواد الغذائية وسوء الرعاية الصحية ، وتدن في الأوضاع المعيشية، وحالة نفسية يرثى لها وهم ينتظرون ويتساءلون هل من معتصم جديد؟! وتلجأ سلطات الاحتلال عادة إلى القيام بالعديد من الممارسات الاستفزازية والقمعية التي من شأنها التأثير سلباً على الأوضاع المعيشية والنفسية للمعتقل. وتتمثل هذه الممارسات في عملية المداهمة المستمرة للأقسام ، والتفتيش الاستفزازي والعزل الانفرادي في زنازين نتنة ، رديئة التهوية، في فصل الصيف، شديدة البرودة في فصل الشتاء، إضافة إلى التنقلات المستمرة بين السجون والتي تخلق جو عدم الاستقرار للمعتقل، وحرمان المعتقلين من الزيارة كإجراء عقابي ضدهم، وعدم معرفتهم بالعالم الخارجي، حيث لاتصلهم أي وسيلة اتصال . أساليب العداء والتعذيب هذه تشهد لها قضبان السجون ، فهناك أكثر من مائة وعشرين وسيلة تعذيب منها خمس عشرة وسيلة حديثة الابتكار ، تستعملها قوات الاحتلال في تعذيب الأسرى قصد أخذ معلومات منهم يدّعون أنها تضر ببمصالحهم ، أساليب مميتة وخطرة ، أبسطها يتلف الأعصاب ويحدث ارتجاجاً في الدماغ ، ناهيك عن الآلام في الصدر والكتف نتيجة استخدام العصي واللكم والصفع واستخدام الكهرباء والموسيقى الصاخبة والماء الساخن والماء البارد والاعتداء على محارم السجين أمامه، والاعتداء على مقدساته. وعلى الرغم من الإدانات الكثيرة من مؤسسات حقوق الإنسان لقوات الاحتلال باستخدامها وسائل محرمة دولياً في احتلال البلاد واستجواب المعتقلين بدون محاكمات ، إلا أنهم لم يرتدعوا بل تصرفوا كدول فوق القانون ضاربين عرض الحائط بالقانون الدولي والأعراف الإنسانية وباتفاقية مناهضة التعذيب الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، وبالمقابل لم يقدَّم أي جندي محتل للمحاكمة والمساءلة عن جرائم التعذيب سوى محاكمات صورية فقط امام كاميرات التلفزيون، لتجميل بشاعة الأعمال الوحشية ، وهي لاتساوي شيئا مقارنة بالأعمال الاجرامية الوحشية التي مورست ضد المعتقلين العرب. وحسب التقارير الصادرة عن مؤسسات حقوق الإنسان فإن اسرائيل والولايات المتحدة هما الدولتان الوحيدتان في العالم، اللتان شرعتا أساليب التعذيب بحق الأسرى بل وضعتا قوانين وتشريعات تجيز للمحققين استخدام أساليب تعذيب خطيرة ومؤلمة تهدف لانتزاع الاعتراف منهم بالقوة. وبعد الغزو الأمريكي للعراق ازدادت حدة التعذيب بشكل ملحوظ ، وجاء ذلك على لسان بعض القادة الذين أكدوا أن هناك حاجة ملحة لانتزاع اعترافات فورية منهم، لبسط الأمن والاستقرار بل وصل الحد إلى مطالبة بعض الساسة منهم بضرورة وضع قوانين تسمح بالتعذيب والتنكيل لنزع الاعترافات بالقوة بدون هوادة وبدون مساءلة قانونية. وهناك العشرات من أساليب التعذيب التي يتعرض لها المعتقلون في سجون الاحتلال ومنها على سبيل المثال لا الحصر ، الشبْح والتخويف والهز العنيف وتغطية الرأس ، وتكسير الضلوع ، والتعرض للموسيقى الصاخبة في مكان مظلم، والإيلام الجسدي المباشر ، والضرب على المعدة ، وسحب الأظافر، وخلع الأسنان ، وإطفاء أعقاب السجائر في الأجسام ، والضغط والضرب على الخصيتين ، وسحب العضو الذكري والحرمان من النوم والطعام والشراب ، والتعرض للبرودة الشديدة ، وصب الماء على الأجساد، وعدم السماح بالتبول والتبرز، والعزل في زنزانة مخصصة للكلاب البوليسية المدربة على ذلك ، والضرب على الجروح، والدوس بالأحذية على الرأس والجسم ، وتوجيه الضربات باليد والعصي إلى كافة أنحاء الجسم ، والصعق بالتيار الكهربائي ، كما يتم إغراق المعتقل بالماء ويتم إجبار المعتقلين على الاستلقاء عراة لوقت طويل ، والاغتصاب ، وشرب الفضلات والتغسيل بها. شهادات من وقع المعاناة : شهادات وعذابات مملوءة بالدموع والقهر يرويها الأسرى، والتهم الموجهة إليهم هي انتماؤهم لبلدانهم ولمقاومة المحتل ، لكن ليس كل من تعرض للتعذيب نجا من الموت ليتحدث عن المرارة والذل اللذين لاقاهما ، وعلى سبيل المثال يقول أحد الأسرى الفلسطينيين الذين تعرضوا للتعذيب ( لم أتخيل في حياتي أن هناك أناساً من هذا القبيل يبتسمون وهم يراقبون عذاباتنا ويضحكون عندما يتدهور وضعي الصحي وعندما أتقيأ من الألم ، ويضيف آخر بقوله أفضل الموت مرة واحدة على أن أموت عشرات المرات جراء ما تعرضت له من ضرب وعذاب ، ويضيف آخر لا يسمحون لنا بالذهاب إلى المرحاض وكثيراً ما نتبول في ملابسنا ولا نجد الاهتمام إلا عندما تبدأ الرائحة الخانقة في التسرب! شهادة أخرى لأسيرة فلسطينية محررة تقول: يستخدم المحققون التعذيب النفسي مع الأسيرات بكثير من الأشكال منها التهديد بالشرف وخلع الملابس والتهديد بإحضار الأهل والتحرش الجنسي وشد الشعر ، وطفل آخر يقول « لم يرحموا طفولتي اعتقلوني وانا ذاهب للمدرسة وأرغموني على الجلوس تحت الأمطار في البرد القارس لمدة تزيد على خمس ساعات دون رحمة لطفولتي .