رغم الحاجة الكبيرة لطلاب الدراسات العليا وأعضاء هيئة التدريس السعوديين إلا ان جامعاتنا تشكو نقصاً حاداً في أعدادهم، حيث نجد كثرة عدد الأساتذة المتعاقدين في جامعاتنا، وكثرة الإعلانات المنشورة في الصحف التي تدعو المؤهلين والراغبين في الحصول على وظائف أعضاء هيئة تدريس بمختلف التخصصات والدرجات العلمية. هذا الوضع يبرهن على أهمية الحاجة لزيادة فرص القبول وفتح المجال بصورة أكبر أمام الراغبين في مواصلة الدراسات العليا، لتغطية هذا العجز، الذي سيزداد تبعاً لازدياد أعداد الطلاب والجامعات في المملكة، في ظل النمو السريع لمجتمعنا, ولأن ما لا يقل عن 65 بالمائة من السعوديين هم في سن الشباب، كما تذكر الإحصائيات, وحسب ما جاء في ورقة العمل التي تقدمت بها الدكتورة هند آل الشيخ بعنوان (التحديات الاقتصادية المعاصرة، وأثرها على مشاركة المرأة السعودية بسوق العمل). والتي نوقشت مؤخراً في القاهرة، خلال اجتماع المنظمة العربية للتنمية الإدارية. وخرجت الدكتورة هند آل الشيخ بحقائق، لعل أبرزها ان معدل النمو السكاني بالمملكة خلال الفترة من عام 1970 إلى 2000م يصل إلى 6.8 بالمائة، وهو من أعلى معدلات النمو بالعالم، كما توقعت أنه في ظل هذه النسبة من الزيادة السكانية أن يصل عدد سكان المملكة عام 2025م إلى 48.7 مليون نسمة. وان نسبة من هم تحت 15 سنة بالمملكة تصل إلى 43.7 بالمائة. هذه الحقائق تدعو لإعادة النظر في سياستنا العليا للتعليم، للاستعداد لما ينتظرنا في المستقبل. هذه الأسئلة وهذه الحقائق طرحتها (اليوم) على عدد من أعضاء هيئة التدريس في جامعاتنا السعودية: مشكلة ملحة بالفعل في البداية تحدث الدكتور عبدالرحمن علي السديس (عميد كلية العلوم العربية والاجتماعية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم)، فقال: هذا الموضوع ملح بالفعل، فلا تزال أعداد كبيرة من الأساتذة غير السعوديين موجودة في جامعاتنا، منذ أمد بعيد، وتعود الأسباب في تقديري إلى تباطؤ الجامعات في إيجاد برامج للدراسات العليا، متعللين تارة بعدم توافر الكوادر المؤهلة من أعضاء هيئة التدريس، وبالاعتمادات المالية تارة أخرى.. مضيفا: إذا ان ذلك قد يكون صحيحاً إلى حد ما في التخصصات العلمية والتطبيقية، لكنه ليس صحيحاً البتة في التخصصات النظرية، التي تعاني أيضا من النقص الشديد في إيجاد فرص للطلاب، رغم توافر الكوادر من الأساتذة المتخصصين في مختلف الدرجات العلمية اللازمة لبرامج الدراسات العليا. البيروقراطية الإدارية ويضيف الدكتور السديس: وحيث أنني من العاملين في المجال الأكاديمي، فإنني أزعم أن من أهم أسباب التأخر في فتح هذه البرامج هو القنوات النظامية الطويلة، التي يمر من خلالها طلب فتح هذه البرامج، أو البيروقراطية الإدارية، التي تعد من العوائق الرئيسية للحصول على موافقة ما، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى المثالية العلمية الزائدة لدى بعض الجامعات، التي تعتبر الابتعاث الخارجي أحياناً شرطا للحصول على المؤهل العلمي، ولا تتحمس لإيجاد برامج دراسات عليا إلا في نطاق ضيق. وكلامي هذا يتركز على التخصصات النظرية، وبعض التخصصات العلمية، التي يمضي المبتعثون فيها سنوات طويلة، قد تفوق 10 سنوات أحياناً. جامعاتنا تعاني نقصا وبألم وتأثر قال السديس: إنه من المحزن لجامعات عريقة مثل جامعة الملك سعود، أو جامعة الإمام، أو جامعة الملك عبدالعزيز، لا تزال تعاني من نقص شديد في أعضاء هيئة التدريس في تخصصات نظرية، يفترض أن لدينا فائضا فيها، وتعتمد على التعاقد في تغطية النقص، ويواكب الأسباب الأنفة الذكر، سبب آخر هو قلة تعيين المعيدين، رغم كثرة المتقدمين بمستويات ممتازة، وهذا قد يكون لعملية إحداث الوظائف من قبل وزارة المالية، دخل فيه إن مجتمعنا سريع النمو، فما لا يقل عن 65 من السعوديين هم في سن الشباب، لذا يتعين على جامعاتنا أن تحسب حساب هذه النسبة، وتضع الدراسات والإستراتيجية اللازمة لتغطية هذه الحاجة المتزايدة، تبعاً لازدياد أعداد الطلاب والجامعات. كما أن الحاجة للدراسات العليا لا تتوقف على الجامعات فحسب، بل هناك المرافق التعليمية الأخرى، التي هي بحاجة ماسة إلى هذه البرامج، وفي مقدمتها كليات البنات، كليات المعلمين، التعليم العام بشقيه (البنين والبنات)، التعليم الفني والتدريب المهني وغيرها. الآخرون محترمون ومقدرون ويروي السديس إنني عملت متعاونا قبل سنوات مع إحدى كليات البنات في الرياض، لمدة 3 سنوات، وكان عدد العاملين بالشبكة التلفزيونية من غير السعوديين 25 عضو هيئة تدريس، ثم تركت العمل في الكلية، وعدت إليها لمناقشة رسالة دكتوراة بعد 4 سنوات، وسألت عن عدد أعضاء هيئة التدريس في الشبكة، فوجدتهم يفوقون الثلاثين عضواً من غير السعوديين، وعندما أذكر غير السعوديين فأنني لا أقلل من شأنهم، فإليهم يعود الفضل في وضع لبنات التعليم العالي والعام في بلادنا، ولا يزالون يسهمون في دفع عملية التعليم والتنمية، ولكني أردت إظهار الحاجة الماسة إلى الاهتمام بالدراسات بجامعاتنا. توفير برامج ويرى الدكتور عبدالرحمن محمد الدخيل إن زيادة فرص القبول في الدراسات العليا أمر حتمي، ولابد منه, وهذا يتطلب حسب وجهة نظره توسعا كميا ونوعيا في برامج الدراسات العليا، مما يستلزم توفير مراكز تخدم تلك البرامج، بالإضافة إلى تقديم حوافز مناسبة، تشجع المتخصصين على طرح برامج تلبي احتياجات كل من الجامعة والمجتمع في نفس الوقت, وإن توفر المعامل والمكتبات التي تفتح أبوابها أطول فترة ممكنة خلال الأربع والعشرين ساعة، يهيئ للباحثين بيئة علمية لا غنى عنها لدعم برامج الدراسات العليا. الدعم المعنوي والمادي وحول أهمية الدعم المعنوي والمادي قال الدكتور الدخيل: لا يقل عن ذلك أهمية مشكلة الحوافز، ولا أعني بذلك الحافز المادي فقط، على الرغم من أهميته، بل الحوافز المعنوية، كالعناية بمخرجات ونتائج أبحاث الدراسات العليا عن طريق إلزام الجهات الحكومية والشركات بأن تأخذ بعين الاعتبار نتائج وتوصيات الدراسات العليا، التي لها علاقة بنشاطاتها ومشاريعها، بدلاً من الاعتماد الكلي على توصيات ومقترحات المكاتب والشركات الاستشارية، وهذا سوف يجعل لبرامج الدراسات العليا دوراً فعالاً، يحفز القائمين عليها، ويشجعهم على بذل المزيد من العطاء، لأنهم يعلمون إن مخرجات برامجهم وأبحاثهم لن تكون حبيسة الأدراج، لا ترى النور إلا بشق الأنفس، حتى وإن احتاج إليها باحث آخر. تناقص مستمر أما الدكتور إبراهيم محمد الحميدي فكان له رأي آخر، حيث قال: من وجهة نظري فقط، و كأحد أعضاء هيئة التدريس، أجد إن الموضوع يتلخص في إن هذا الأمر يرتبط بسياسة مخططي التعليم العالي، أو السياسة العليا للتعليم. وان المتتبع لأعضاء هيئة التدريس السعوديين في معظم أقسام الكليات يجد أنهم يميلون إلى التناقص، إذا نظرنا إلى التخصصات الدقيقة، ولا يخفى أن هناك بعض الأقسام بها فائض، خاصة الأقسام الموجودة في كليات المدن الكبيرة، مثل الرياضوجدة. بينما الأقسام في المناطق الأخرى يقل أعضاء هيئة التدريس بكثير عن حاجة القسم، الأمر الذي يتطلب الاستعانة بالمتعاقدين من الدول العربية الأخرى. شيخوخة ومتقاعدون ويرجع الحميدي هذه المعضلة إلى تعيين عدد كبير في فترة واحدة، أو فترات متقاربة، ولا يتم التعيين بصورة منتظمة, وهناك أمر أخر، وهو أن الأقسام بدأت تتجه إلى الشيخوخة، وهذا يظهر من خلال عدد من سوف يحال إلى التعاقد بعد مدة قصيرة، ولا يتوافر العوض من المعيدين أو المحاضرين، لإحلالهم محل المتقاعدين. ويرى أنه من الأفضل وضع سياسة مستقرة لكل قسم، بتعيين عدد من المعيدين بصورة منتظمة، حسب الحاجة إلى التخصصات الدقيقة، ولا تنقطع فترات التعيين، حتى لا تكون هناك ثغرات في هرم أعضاء هيئة التدريس. إعادة نظر ويرى الدكتور فهد السماعيل، رئيس قسم اللغة الإنجليزية في فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم ان هذا الموضوع جدير بالبحث، حيث ان نسبة المؤهلين من السعوديين في التدريس الجامعي قليلة، وتحتاج إلى إعادة نظر من حيث التوسع في قبول معيدين جدد لإحلالهم محل المتعاقدين.. مضيفا: عدم وجود مميزات لأعضاء هيئة التدريس السعوديين تسبب في إحجام الطلبة المتفوقين عن الانخراط في التدريس الجامعي، بعكس المتعاقد، الذي يحظى بمميزات كثيرة. أسباب المشكلة ويرفض الدكتور رشود السلمي إرجاع أسباب هذه القضية إلى أمر واحد، بل لعدد من الأسباب، لعل أبرزها قلة الوظائف الجامعية، التي تؤسس للتعليم الجامعي، وأقصد بصورة مباشرة وظيفة (المعيد)، فالمتصور أن تكون بمثالية القاعدة لهرم الوظائف الجامعية، فيزداد عددها في الجامعات زيادة كبيرة، ليتسنى قبول أكبر عدد ممكن لمواصلة الدراسات العليا. والأمر الآخر هو جعل وظيفتي (معيد) و(محاضر) وظيفتين مؤقتين، بحيث من لم تظهر جديته لمواصلة الدراسات العليا، ويحول بصورة نظامية إلى وظيفة أخرى. فالملاحظ ان فئة ممن يعينون على وظائف معيدين ومحاضرين يبقون أحياناً مدة تصل إلى 15 عاماً، وهذا يضيع الفرصة على الخريجين الجدد، حيث تبقى هذه الوظائف معطلة مدة زمنية طويلة. علاج المشكلة ويواصل الدكتور السلمي: من أهم النقاط لعلاج المشكلة أن يكون هناك برنامج رسمي تقوم برسمه وزارة التعليم العالي، على اعتبار أنها المنسقة بين جميع الجامعات، لسعودة وظائف التعليم الجامعي، والمتصور أن يجعل لذلك نطاقا زمنيا محددا، وتقوم وزارة التعليم العالي بتذليل الصعوبات التي تعترض هذا البرنامج. والأمر الآخر هو تقليص ظاهرة التسرب من الجامعات، حيث يلاحظ أن عدداً كبيراً من أعضاء هيئة التدريس من السعوديين، خاصة أصحاب التخصصات العلمية البحتة، قد أخذوا بالتسرب من الوظائف الجامعية، بحثاً عن فرص وظيفة أفضل، وهذا ما دفع بعض الجامعات بالعودة إلى التقاعد مع أعضاء هيئة تدريس من خارج المملكة. لذا فإن معالجة الأسباب، التي تدفع عدداً كبيراً من أعضاء هيئة التدريس، لترك العمل الجامعي سيكون لها أثرها الفاعل في التعجيل بسعودة التعليم الجامعي.