رغم أن العاصمة الألمانية برلين تشعرك بهدوء عجيب ربما لطبيعتها وشوارعها المرتبة؛ فهي تختزل بين جنباتها تاريخا قديما يعود إلى 1278م وفي ذاكرة سكانها المنوع الكثير من المآسي والحروب وبقايا قنابل الحلفاء ومواجهاتهم التي دمرت غالبية البلد؛ وحتى الطاعون مر بالمدينة وأشبع أهلها مرضاً وموتاً، ورغم كل ذلك ظلت برلين معبر التواصل العالمي والبوابة إلى التاريخ الجديد، واقترن اسمها بالتحول لما بعد الحرب الباردة عندما أسقطت إرادة الشعب في 9 نوفمبر 1989م جدار برلين الذي قسم المدينة وعزل أهلها قسراً منذ العام 1961م، لتعود الحياة بعد ذلك إلى طبيعتها بين شطري المدينة وأهلها، كان الجناح السعودي هذا العام مشرفاً من حيث الحجم والمكونات التي تبرز ثقافة المملكة وتاريخها وبين قطبي العالم ومعسكراته، حيث كان سقوط الجدار البداية المعلنة لمضي العالم نحو الأحادية والتواصل، وصولاً إلى العولمة وانفتاح الحضارات نحو بعضها، ولتعود برلين ضمن دولة موحدة حسبما أعلن عن ذلك في العام 1990م، ولتظل أيضاً مركزاً للريادة في الكثير من المواقف والانجازات العالمية كما يحلو للبعض من الكتاب أن يطلقوا عليها؛ فهي مزيج بين ثقافة الشرق وسحنة الغرب، وبين تاريخ الاشتراكية والرأسمالية، وهي أيضاً مركز للفنون والتراث بمسارحها وفنونها وثقافة سكانها البالغين 3.4 مليون نسمة، في برلين لم تمنع برودة الأجواء وتساقط الجليد من حضور آلاف الشركات للمشاركة في معرض "Green week" الدولي في مدينة لا تمل المعارض واستقطاب الزائرين والسياح مزهوة بتاريخها ومتاحفها وأسواقها؛ فالألمان وهم يملكون ثقلا كبيرا في الموازين الدولية سياسياً واقتصادياً ويستندون على حجم تبادل تجاري ضخم مع العديد من اقتصاديات العالم لا يملون العمل والابتكار وريادة الأعمال؛ كما تمتاز صناعاتهم حسب العرف العالمي بالقوة والتقنيات المتفوقة ناهيك عن التفوق في مجال الخدمات الطبية، إذ كثيراً ما تواجه في مرافق البلد من الزوار من هو قادم للعلاج, عموماً كان معرض برلين الأخير بحجمه وتنوع العارضين فيه وعدد زواره الضخم فرصة للتعرف على الكثير من الثقافات المصاحبة للعرض، إذ لا تكتفي بعض الدول بمجرد عرض منتجاتها، بل تجعل من مواقعها مسرحاً لعرض الفنون وثقافة شعوبها؛ والغريب أن من كانوا بالأمس أعداء في تاريخ برلين هم الأكثر حضوراً وعرضاً، إذ يعد الجناح الروسي هو الأكبر حجماً وتنوعاً بين الدول العارضة، أيضاً كان الجناح السعودي هذا العام مشرفاً من حيث الحجم والمكونات التي تبرز ثقافة المملكة وتاريخها، وهو الأكبر حجماً بين الدول ذات المساحات الكبيرة في المعرض، خاصة وان للمملكة حضورا اقتصاديا كبيرا، فهي ضمن دول العشرين الأكبر اقتصاداً في العالم، وكذلك لحجم التبادل التجاري بين المملكة والاتحاد الأوروبي, وجناح المملكة الذي افتتحه معالي وزير الزراعة د. فهد بالغنيم بحضور وزراء من عدد من دول الاتحاد الأوروبي، وفي مقدمتهم السيد هانس بيتا فريدريك وزير الزراعة الألماني, وتضمن المعرض عروضاً لمنتجات التمور السعودية وبالذات المنتجة في المزارع العضوية، وكذلك مشاركات منوعة لشركات القطاع الخاص وعروض للأغذية ومنها استزراع "الكافيار" والمأكولات المحلية التي ساهمت بها بعض الجمعيات النسائية في المملكة من خلال برامج الأسر المنتجة، والتي قدمت وجبات "الكبسة والمرقوق والجريش" للزوار، والذين استحسنوا هذه الأغذية ونكهتها، كما استحسنوا حضور المرأة السعودية ومشاركتها في فعاليات الوطن, كما أن الجناح السعودي كان نتاج تجربة مشاركة وتنسق القطاعين الحكومي والخاص، حيث كان لمجلس الغرف السعودية دور في هذا التنسيق وفي إخراج المشاركة بالشكل اللائق والمشرف الذي يبرز مكانة وحضور المملكة بين الدول العربية والعالم, أيضاً كان لعدد من الطلبة والطالبات السعوديين المبتعثين للدراسة في ألمانيا دور بارز في الترجمة واستقبال الزوار وتقديم التعريف المناسب ببلادهم بحب ووفاء لهذا الوطن. تويتر @nahraf904