امينة رزق هي الفنانة الوحيدة التي كرمها الرؤساء عبدالناصر وانور السادات وحسني مبارك. قضت بعد 80 عاما من العطاء الذي تضمن 500 عمل سينمائي و200 مسرحية و100 مسلسل اذاعي. كرمها السادات بمعاش استثنائي فيما عينها مبارك عضوا في مجلس الشورى تقديرا لعطائها. امينة رزق حولت غرفتها في المستشفى الى مسجد ورفضت تحويل جسدها الى حقل تجارب، ضربها والدها لتأخرها في العودة بعد مشاهدة فيلم سينمائي فقررت مغادرة طنطا الى القاهرة. ايامها الاخيرة كانت لغزا محيرا لاقرب الناس اليها وذلك بعد ان اقامت جدارا من السرية حول نفسها بعد ان دخلت الغرفة البيضاء في مستشفى القصر العيني. قائمة طويلة من الممنوعات اعلنتها سيدة المسرح بعد ساعات من دخولها الغرفة المعقمة وقد اصبح المكان اشبه بالموقع العسكري الممنوع الاقتراب منه او التصوير. ممنوع دخول الغرباء والاصدقاء،ممنوع تبديل طاقم التمريض حيث كانت تكره نجمة المسرح رؤية ممرضات جديدات وكان الامر يصل لحد الذعر احيانا. ومن غرائب الممنوعات حظر الكلام خارج الغرفة حيث طلبت من الاطباء وادارة المستشفى قبل دخولها اختيار غرفة نائية في نهاية ممر او بعيدة نسبيا عن المصعد، طلبت امينة ايضا عدم اخبار احد بوجودها ووصل الامر لسقوطها من فوق السرير وظلت ساعتين على الارض ولم يمنعها ذلك من ان تعلق ورقة تقدم اعتذارا رقيقا للجميع بعدم استقبالهم. وقد استثنت من الوسط الفني ليلى فوزي التي ارتبطت معها بعلاقة قوية منذ الخمسينات وكذلك معالي زايد التي توطدت علاقتها بها منذ اكثر من عشر سنوات. كانت معالي تتردد عليها بشكل شبه يومي حيث كانت تقرأ القرآن بجوارها وتدعو لها.. ورغم علم الاطباء بحقيقة مرضها الخطير في الرئة الا انهم في البداية حاولوا التخفيف عنها باخبارها انها تمر بوعكة عادية لكنهم فوجئوا بأنها مستعدة لسماع اي نبأ عنها وتقبله بصدر رحب. حاولوا اقناعها بضرورة العلاج بالاشعاع لكنها ظلت تماطل في قبول الامر وطلبت اجراء مزيد من الفحوصات على امل ان يكذب القدر وجهة نظر الاطباء، وبعد ان تأكدت من ان الوحش الكبير تسلل الى جسدها ظلت تردد لكل طبيب يدخل عليها بأنها تشعر بالاكتفاء بعد ان وقفت على المسرح لمدة 79 عاما، بالتمام والكمال. في ايامها الاخيرة اعترفت بأنها لا تريد ان تخرج من المستشفى فقد وجدت هنا هدوءا افتقدته على مدار عمرها حيث تصفيق الجمهور بدأ في السنوات الاخيرة كلاسيكيا كما ان الانحناء امام المتفرجين في نهاية كل ليلة، كان يمثل عبئا ثقيلا على عمودها الفقري والذي احتمال جميع هزائهما وانكساراتها على مدار ثلاثة وتسعين عاما. اعترفت امينة قبل ايام من رحيلها بأن الحياة باتت بالنسبة لها مثل سيارة قديمة تحتاج لان تستبدلها، وبعد ان غيرت جميع اجزائها تريد الان ان تعود لاصدقائها القدامى الذين تقاسمت معهم رغيف النجومية. ما اجمل ان تلتقي بيوسف بيه وهبي كما كانت تسميه وحضورها مسرحيا وسينمائيا ظل مرتبطا على مدار ثلاثة ارباع قرن بسيدة الاحزان القادرة على تصدير شحنة دموع لكل منزل حيث باتت في نظر الجميع قنبلة للدموع بالنسبة لاي زوجة وام تواجه تهديدا من نصفها الاخر. اشتهرت امينة بأنها عدو لدود للرجال وكانت لا تخجل من ان تعترف بانها تترك طابورا من المشاهدين الذين ينتظرونها على باب غرفتها بالمسرح بدون ان تشعر بتأنيب الضمير. ماتت امينة بدون ان يستطيع احد المقربين اليها فك شيفرة رفضها للرجال الذين لم يستطع اي منهم دخول منزلها يوما. نظرة واحدة على اسماء اعمالها السينمائية تكشف نظرة الفنانة للحياة وللفن: فاجعة فوق الهرم، اولاد الفقراء، الغجرية، البؤساء، ليلى في الظلام، الشموع السوداء. ومن بين اعترافاتها التي تكشف وجهة نظرها نحو الرجال تقول الراحلة: شاركت في بطولة مسرحيات وافلام تروي قصصا لبنات انتحرن بعد ان خضن قصص حب فاشلة وغرر بهن شبان معدومو الضمير. تقول ايضا: كان يقف امام بيتي ومسرحي طابور من الرجال كل منهم يريدني زوجة لكنني قاومت وفسرت الأمر على انه عشق لفن يصل لدرجة الجنون. فهل كان ذلك الجنون هو عين الحكمة الذي اوصلها على حد رأيها للاقتراب من سن المائة وهي محاطة بامان مادي. اخر كتاب اهدته معالي زايد لسيدة المسرح كان بعنوان الصلاة على خير البرية، حيث كانت تنحي بزجاجة الجلوكوز المعلقة بذراعها اليمني جانبا وتشرع في الصلاة كلما دخل عليها طبيب او ممرضة كانت تردد: كده تمام، كده كفاية. نالت امينة رزق اوسمة من تونس والمغرب والعديد من شهادات التقدير كما حازت على جوائز التمثيل الاولى كأحسن ممثلة من اعمالها السينمائية والمسرحية، وكرمت في عدة مهرجانات فنية منها مهرجان القاهرة السينمائي عام 1996، ومهرجان مرسيليا السياحي الفرنسي، والمهرجان المسرحي الكويتي، كما نالت جائزة في التمثيل من جمعية الفيلم، وكان آخر تكريم لسيدة المسرح العربي في الدورة الماضية لمهرجان الاسكندرية السينمائي سنة 2002. لقبت الفنانة الراحلة بسيدة الشاشة الفضية، وسيدة المسرح العذارء، ومحبة المسرح لامتناعها عن الزواج حتى انها كانت تردد ان الفن منحها كل شيء ولم يدعها تفكر بالزواج على الاطلاق. وكانت تقول ايضا: الزواج مملكة كبيرة تريد تفرغا كاملا. للزوج والاولاد وهي مشكلة حيث لا يمكن الجمع بين المسرح والزواج. زاد الرصيد الفني للفنانة امينة رزق على الالف عمل فني منها 300 مسرحية و500 فيلم سينمائي والباقي ما بين اعمال اذاعية وتليفزيونية. ومن بين اهم اعمالها المسرحية: البؤساء غادة الكاميليا، الذبائح، كرسي الاعتراف، اولاد الفقراء، عزيزة هانم، مرتفعات وذرنيج، انها حقا عائلة محترمة، واخر اعمالها المسرحية عرض الليلة الثانية بعد الالف، الماضي على مسرح الهناجر. ثم اخيرا يا طالع الشجرة على مسرح الطليعة في يونيو الماضي. في مجال السينما قامت بالعديد من الادوار السينمائية المتميزة منها: اريد حلا، دعاء الكروان، بائعة الخبز، كليوبترا، قلب امرأة، اموال اليتامى، حب وعداء نساء محرمات، شياطين الليل، الكيت كات، شارع السد، الشموع السوداء، قنديل ام هاشم، العار بداية ونهاية، قيس وليلى، الام، مصطفى كامل، اربع بنات وضابط، وآخر افلامها الكلام في الممنوع، وامتد نشاطها الفني الى الاذاعة والتليفزيون حيث قدمت العديد من المسلسلات الناجحة منها السيرة الهلالية، البيت الكبير، الجدران الدافئة، حيث برعت في اداء دور الام الحنون. عاصرت عددا كبيرا من الاجيال بدءا من عملاق المسرح يوسف وهبي والتي كانت تؤكد ان علاقتها معه كانت علاقة احترام التلميذة لاستاذها وعلاقة عرفان بالجميل. كما عاصرت جيل الفنان الراحل حسين رياض وجورج ابيض ودولت ابيض وماري منيب وزكي رستم ونجيب الريحاني ومحمود المليجي وفاخر فاخر وسراج منير وعباس فارس والسيد بدير ومرورا بفؤاد المهندس وعبدالمنعم مدبولي. اكد د. مفيد شهاب وزير التعليم العالي والدولة للبحث العلمي انه سوف يطرح على المجلس الاعلى للجامعة في اجتماعه القادم ما يمكن عمله من صور التكريم للفنانة امينة رزق سواء من خلال المسرح الجامعي او بأي صورة من الصور. وقال ان امينة رزق معلم من معالم الحياة الفنية والثقافية في العالم العربي وعطاؤها واضح امام الجميع منذ طفولتها وحتى آخر ايام حياتها وظلت شامخة كالهرم وكنت المس هذا الشموخ عندما كانت تتحدث تحت قبة مجلس الشورى فكانت فنانة مهمومة بمشاكل الناس. ويقول فاروق حسني وزير الثقافة ان الفنانة امينة رزق قيمة فنية وتاريخ طويل من الكفاح والنضال قضت حياتها منذ الطفولة في نضال فني واجتماعي وهي رمز كبير سوف نرى كيف يمكن تكريمها بالشكل اللائق بها فهي اكبر من ان يوضع اسمها على مسرح فقط.