رحلت عن عالمنا المطربة العربية الكبيرة سعاد محمد عن عمر يتجاوز ال 85 عاماً بعد صراع مع المرض، حيث كانت قد أُجريت لها عمليتين خطيرتين الأولى في القلب والثانية في الرأس، وخرجت بعدها بصحة جيدة، إلى أن توفاها الله يوم الاثنين 4 من شهر يوليو 2011، وقد شُيّع جثمان الراحلة من أحد مساجد 6 أكتوبر الواقع في جنوب مدينة القاهرة، بعد أن كان من المفترض أن تخرج من مسجد مصطفى محمود بحي المهندسين، ولم يحضر العزاء الذي أقيم في مسجد الحامدية الشاذلية بمنطقة المهندسين من الفنانين سوى الفنانتين إيمان ومادلين طبر اللتين حرصتا على تقديم واجب العزاء لأسرة الراحلة، وحضرها عدد كبير من محبّيها وعشاق صوتها، بينما ظل إبن الراحلة الأكبر سناً أكرم بيبرس يبكي خلال تلقيه العزاء حزنًا على فراق والدته من ناحية، ومن ناحية أخرى على عدم حضور أحد من الفنانين العزاء رغم ما قدمته الراحلة من أعمال وبما كانت تمتّع به من سيرة طيّبة في الوسط الفني. الفنان الكبيرة الراحلة سعاد محمد من مواليد لبنان من أب مصري وأم لبنانية، حيث ولدت في الثاني من فبراير عام 1926، واكتشفها الملحن الراحل توفيق الباشا، وتنقّلت بين لبنان وسوريا ومصر، ولديها تسجيلات غنائية بنحو 3000 أغنية، عدد كبير منها مفقود ولا توجد منه نسخ صالحة للإذاعة، وسبق لها أن قدمت تجربتين في السينما المصرية هما: فيلم «فتاة من فلسطين» وهو أول فيلم عن مأساة القضية الفلسطينية، وفيلم «أنا وحدي». وقد ورثت جمال الصوت عن والدها الذي كان عازف كمان، يغني بشكل غير احترافي. لكن أول من علّمها على الغناء ودرّبها على أصوله كان رجل ضرير اسمه حبيب الشربتلي، علّمها أصول غناء الأدوار والموشحات، ومن ثم تعلّمت أصول تجويد القرآن الكريم على يد أحد الشيوخ، وأسهم الموسيقار توفيق الباشا في تعليمها أصول الغناء الشرقي بمقاماته الموسيقية السليمة. تزوجت الراحلة سعاد محمد في بداياتها من مكتشفها الأديب الصحافي محمد علي فتوح ودام الزواج 15 سنة وأنجبت منه ستة أبناء وبنات ثم انفصلا، وخلال هذا الزواج ابتعدت الراحلة عن الفن الذي عادت إليه مرةً أخرى بعد زواجها من المهندس المصري محمد بيبرس ورُزقت منه بأربعة أبناء وتم الطلاق بعد ذلك، ثم تزوجت من رجل لبناني يدعى أسعد ولم ترزق منه بأطفال وتم الطلاق أيضًا. خلّفت الراحلة وراءها إرثًا جميلًا من مئات الأغاني قدمتها للمستمع العربي عبر الإذاعتين المصرية والسورية، من أشهر أغانيها: «أوعدك»، و»وحشتني»، و»يا رب»، و»فتح الهوا الشباك»، و»يا حبيبتي ياغالية»، و»من غير حب» و»مظلومة»، و»من غير حب»، و»يا بخت المرتاحين»، و»بقى أنت كده» و»الورد فتّح والياسمين». كما قدمت سعاد محمد العديد من الأغنيات المدبلجة في أفلام سينمائية قامت فنانات أخريات ببطولتها، وأهمها أغنيات فيلم «الشيماء أخت الرسول» عام 1972 الذي قامت ببطولته الفنانة سميرة أحمد، ومن أشهر أغنيات هذا الفيلم والتي غنّتها الراحلة سعاد محمد أغنية «يا حبيبي يا رسول الله». من آخر المحطات الغنائية التي دخلتها سعاد محمد في عالم الطرب كان أداؤها قصيدة «إرادة الحياة» للشاعر التونسي الكبير أبو القاسم الشابي الذي ردّدها الشعب التونسي عقب تنحية الرئيس على بن زين العابدين عن الحكم والذي يقول مطلعها: «إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر» والتي لحنها الموسيقار الراحل رياض السنباطي. وقد عُرف عن الراحلة الكبيرة سعاد محمد منذ بداياتها لفنية بأنها صاحبة «أعذب صوت نسائي» في الساحة الفنية العربية. وعلّق الفنان أحمد ماهر ل»الأربعاء» على وفاة الفنانة الكبيرة الراحلة قائلاً: أبرز ما يميّز سعاد محمد «رحمها الله» هو أن صوتها كان مشابهاً تمامًا لصوت أم كلثوم من حيث القوة وقدرته على غناء الطبقات الغنائية بسلاسة، وأضاف أنه حزينًا على غياب نجوم الفن على عدم وداعها إلى مثواها الأخير رغم ما قدمته من فن اصيل، مشيراً إلى أن الراحلة كانت تمتاز بدماثة خلق وطيبة قلب بين جموع الفنانين العرب، داعيًا الله أن يتغمّد الفقيدة بالرحمة والمغفرة وقال المطرب علي الحجار: إن الفنانة الكبيرة الراحلة سعاد محمد أثرت الفن بأغانيها الجميلة التي سوف تستمر في حياتنا، أضاف: إن الفن الأصيل بوفاة سعاد محمد أفتقد جوهرة لكونها تمتلك صوتًا لا مثيل له على الإطلاق، مشيراً إلى أن جمهور المهرجان القومي للسينما المصرية في دورته ال13 أحتفى بها بحفاوة بالغة خلال حضورها وإعادة عرض فيلم «فتاة من فلسطين» بعد أكثر من ستين عامًا من عرضه للمرة الأولى، وقد أثار عرضه في حينها جدلاً ومطالبة من قبل الجمهور والنّقاد المصريين بإنتاج مزيد من الأفلام عن القضية الفلسطينية. وأضاف الحجار أن الراحلة تعرّضت لمحطات كثيرة في حياتها وتزوجت ثلاث زيجات وفى آخر زيجة لها قررت التفرّغ لحياتها ورعاية أولادها بعيداً عن الأضواء، مكتفية بما قدمته من أغنيات، منوهاً أن الراحلة تعد من جيل «الرواد» أمثال: أم كلثوم وليلى مراد وفايزة أحمد ونجاة الصغيرة ووردة وغيرهن ممن أثرين المكتبة الغنائية العربية في القرن الماضي.