ظن الشعب العراقي ان قوات الاحتلال ستقيم له مكان تمثال صدام حسين الرئيس العراقي السابق نصباً تذكارياً مصغراً لتمثال الحرية، الا ان احلامه ذهبت ادراج الرياح عندما اكتشف بأنه تخلص من المقابر الجماعية للنظام السابق ليعيش مرحلة فقدان آدميته على ايدي قوات الاحتلال الامريكي التي بالغت في ممارسة المزيد من الانتهاكات ضده إلى حد التعدي على الاعراض والمحارم.. هذه الانتهاكات السافرة دفعت مجموعة من اربعين عراقيا لتشكيل لجنة لتكوين وزارة لحقوق الانسان.. هي الاولى من نوعها في تاريخ الاجندة الوزارية العراقية بهدف التعامل مع المرحلة الراهنة في العراق.. (اليوم) التقت مع اول وزير لها هو الدكتور عبد الباسط التركي الذي كان يشغل وظيفة خبير في مجال المالية العامة وادارة الموازنة بوزارة المالية العراقية. @ نود في البداية ان نتعرف على منهجية عملكم خصوصاً وانكم تتولون وزارة مستحدثة في اجندة الوزارة العراقية؟ * نعم مثل هذه الوزارة مستحدثة بالنسبة لاجندة العمل الوزاري العراقي، ولكنها ليست الفريدة على الساحة العربية فقد سبقت المملكة المغربية والجمهورية اليمنية بتشكيل وزارة لحقوق الانسان.. والعمل في مجال حقوق الانسان لا يقتصر على الاتصالات مع الوزارات المناظرة، بل سيكون اكثر تركيزاً على التنسيق مع المنظمات غير الحكومية العاملة في حقل الدفاع عن حقوق الانسان، وهذا هو المستهدف بالنسبة لنا خلال المرحلة الراهنة. @ سنوات طويلة ظل المواطن العراقي محروماً من ثقافة حقوق الانسان.. فمن اين اتيتم بمفردات مشروع وزارتكم؟ * الحرية دائماً جزء لا يتجزأ من مكون الانسان.. وان صدأت بفعل الممارسات القمعية الا انها سرعان ما يعود اليها بريقها ولمعانها مثل الذهب عندما نزيل هذا الصدأ، والمواطن العراقي صاحب اعرق الحضارات الانسانية يملك قدراً لا بأس به من ثقافة الحرية في تكوينه الداخلي، ولذلك عندما توفر له المناخ الملائم ظهر سموها خلال اجتماع اكثر من اربعين شخصية سياسية من داخل وخارج مجلس الحكم الانتقالي العراقي لتشكيل لجنة تحضيرية لوضع مشروع لحقوق الانسان في العراق، وبعد الاتفاق على جميع بنوده لم يتم فرضه قسراً على الشعب العراقي وانما اعمالاً للمفهوم الحقيقي للديمقراطية فقد تم عرضه الاستفتاء الشعبي العام عبر الصحف وتلقى مختلف الملاحظات على هذا المشروع، ومن المنتظر خلال الايام القليلة القادمة عقد مؤتمر وطني للمنظمات والاحزاب غير الحكومية في العراق لاقرار هذ المشروع وتوفير الحماية له وضمان عدم انتهاكه. @ وما اهم المهام التي تنتظر وزارتكم الوليدة؟ * هناك مارثون طويل على هذه الوزارة الوليدة ان تقطعه رغم عظامها اللينة والتي لم يشتد بعد عودها، الا ان المهام الجسام تتطلب مزيداً من العزيمة والاصرار لتخفيف احزان الشعب العراقي ومسح تراكمات المرحلة السابقة من ذاكرته بكل ما تحمله من قسوة المرارة سواء من فقدوا عوائلهم او السياسيين الذين تعرضوا للبطش وفقدان مصادر ارزاقهم او حتى الذين فقدوا جزءاً من اجمل سنوات عمرهم خلف قضبان السجون او في الزنزانات تحت الارض هؤلاء لا بد ان نعيد اليهم حقوقهم وتعويضهم من خلال مستقبل اكثر حرية. @ ولكن ما المعيار الذي سوف تقيمون به درجة نجاحكم في تحقيق اهدافكم؟ * معيار نجاحنا سيكون بقدر ما نستطيع اشاعته من ثقافة حقوق الانسان في المجتمع العراقي، وبناء مجتمع مدني قادر على ان يدافع عن أي ظلم يقع عليه. @ واين المرأة العراقية من طموحات وزارتكم الانسانية؟ * اذا كنا نبحث للمواطن العراقي عن الحرية السياسية سواء في الرأي او التفكير او العقيدة فاننا في الوقت ذاته جعلنا للمرأة العراقية نصيب الاسد من اهتماماتنا فقد عانت كأم من فقدان فلذات اكبادها كثمن لممارسات وبطش النظام السابق وايضاً عانت كزوجة بترملها ونفس الشيء تعرضت للحرمان سواء كانت ابنة من حنان الاب او عطف الاخ او كحبيبة ضاعت احلامها مع ضياع شريك حلمها، لذلك فسنعمل جاهدين ان نعيد لهذه المرأة بسمتها ومنحها كافة حقوقها التي كانت تتمتع بها دائماً منذ الاف السنين قبل الميلاد عندما تمتعت بشخصيتها في عصور كانت المرأة مستعبدة فيها واسيرة لقيود الرجل. @ هناك من يشكك في مجلس الحكم الانتقالي العراقي ويصفه بالعمالة لقوات الاحتلال فما رأيكم؟ * مثل هذا الكلام لا صحة له البتة، فكل عضو في مجلس الحكم الانتقالي عراقي ووطني حتى النخاع، وهو رمز للجهاد والفدائية الحقيقية التي تقدمت لتحمل المسئولية في مرحلة من اصعب المراحل في تاريخ العراق الحديث ومن اجل ان تصل بالمواطن العراقي إلى شاطئ النجاة بدلاً من تركه فريداً تتلاقفه الامواج وعرضة للضياع. ولذلك فانني اقول لمثل هؤلاء المتشككين لتكفوا عن هذا فالعراق ليس بحاجة لمزيد من الضياع. @ اذا كان المواطن العراقي تخلص من عصر المقابر الجماعية، فهو يتعرض الان لانتهاكات مستمرة من قبل قوات الاحتلال.. فما دوركم خلال هذه المرحلة للحد من ذلك؟ * نحن على اتصالات مستمرة مع الادارة المدنية لقوات الاحتلال الامريكي في العراق لوضع حد للانتهاكات التي تمارسها قواته ضد المواطن العراقي، وللعلم فهذه الاتصالات بدأت بالفعل منذ ثلاثة شهور وتم تشكيل لجنة لاعداد قوائم بعدد السجناء العراقيين في معتقلات العدو وتحديد طريقة متابعة معاملاتهم ونحن ما زلنا مستمرين في المفاوضات مع الجانب الامريكي الا ان مثل هذه المفاوضات تكون دائماً بين قوتين وبالطبع فنحن القوة الاضعف. @ اذا كنتم تعترفون بأنكم القوة الاضعف.. فما استراتيجيتكم المستقبلية في الدفاع عن حرية وحقوق الانسان العراقي مما يتعرض اليه من بطش على ايدي قوات الاحتلال؟ * بالفعل ادركنا للوهلة الاولى اهمية الاتصال بمنظمات حقوق الانسان العربية والدولية وعلى سبيل المثال اجرينا اتصالات مع منظمات حقوق الانسان العربية بالقاهرة وباقي المنظمات غير الحكومية لمساندتنا في الدفاع عن حقوق المواطن العراقي الذي كفاه ما تعرض له من انتهاكات على يد النظام العراقي السابق ولم يعد بحاجة لمزيد من هذه الانتهاكات الان. @ عفواً معالي الوزير.. الحديث طال ولم يتطرق حديثكم للاشارة بجلاء قوات الاحتلال الامريكي عن الاراضي العراقية.. فما مدلول هذا؟ * هذا الموضوع ندرك انه سيأتي وقته، فنحن ندرك تماماً حجم الامور وعليه فهناك اعداد لتسلم العراقيين الادارة كاملة في يونيه من هذا العام أي بعد خمسة شهور تقريباً مع وجود جيش الاحتلال ثم يتم تشكيل وزارة انتقالية بدستور جديد يعقبها انتخابات ديمقراطية لسلطة عراقية تنظر وفقاً لنصوص الدستور في موضوع التواجد العسكري الاجنبي. @ يثور هناك تساؤل حول شكل التعامل مع الجمعيات الاهلية داخل العراق، فكيف ستكون هذه العلاقة بينكم وبينها؟ * نحن نؤمن بالدور الجوهري الذي يمكن ان تلعبه مثل هذه الجمعيات في مجال حقوق الانسان ومن ثم فاننا سنقدم لها كافة سبل المساعدة وسنبدأ خلال الشهور القادمة مركزاً تدريبيا لحقوق الانسان يستهدف تدريب هذه المنظمات وتحويلها إلى جمعيات فعالة مجتمعياً. @ بصفتكم قائد مسيرة الدفاع عن حقوق الانسان العراقي، فأين حقوق المواطن في كركوك الذي يتعرض لما يشبه المذابح؟ * ما حدث في كركوك اصابنا جميعاً بالحزن ولكنه مجرد صدام بين مواطنين لم يصل إلى حد المذابح خصوصاً وان مثل هذه الصدامات محتملة في أي مكان ونحن بدورنا وبالتضامن مع اعضاء مجلس الحكم الانتقالي وكافة القوى الوطنية العراقية نسعى لرأب الصداع بين القوى المتناحرة خصوصاً واننا في مرحلة تحتاج للتضامن لا للتمزق والتنافر لان ذلك لن يكون في صالح أي من الاطراف العراقية. @ اخيراً كيف ترى دور الجامعة العربية ومن ثم الدول العربية من الازمة العراقية؟ * لا ننكر ان الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى يبذل جهودا مضنية للحفاظ على وحدة التراب العراقي من خلال تواصله مع كافة الفصائل العراقية بهدف ابعاد شبح التمزق عن الشعب العراقي الا ان جهوده بمفرده تحتاج لمزيد من الدعم الفعال ومد يد العون من الاشقاء العرب خصوصاً على ضوء تقرير لجنة الجامعة العربية برئاسة السفير احمد بن حلي مساعد الامين العام للجامعة العربية التي لمست بنفسها حجم الدمار الذي عليه العراق ومستوى الحياة التي يعيشها المواطن العراقي.