اذا كانت الفعاليات المعرفية والمعلوماتية والثقافية تطرح جدلا حول اهمية المعرفة وتفعيل دورها فان السؤال الاهم الذي بات مطروحا حول جدوى وفاعلية المثقف ودوره ليس فقط في العملية المعرفية وصياغتها بالشكل الذي يتيح لها ان تكون حلا واقعيا ديناميكيا وانما في صنع حياة مستقبلية في مواجهة التحديات. ومن هذا المنظور والمنطلق ليس المطلوب من المثقف ان يتقمص دور الرأي العام او دور الحكام او اصحاب السلطات واصحاب القرار وانما المطلوب منه ان يؤدي دوره كصاحب امانة من اهم الامانات وهي المعرفة اذ لابد ان يشكل المرجع الحقيقي الذي يحدد اولويات مسيرة المجتمع اضافة الى كونه الراصد الامين الذي يرصد الواقع ويتيح المجال للافكار الرصينة ان تلعب دورها واذا شئنا ان نذهب بعيدا في استقصاء الدور الفائت او المغيب للمثقف العربي الذي تحول من منتج الى مستهلك فاننا نرى كيف يمكن ان تتحول الاجواء وتنقلب رأسا على عقب عندما تتسلل الافكار المسمومة دون ان تجد ذلك المصل الذي يحقن العقول فتتجاوز امراضها وتكون مناعتها الدفاعية التي لا يمكن اختراقها. ويبقى السؤال عالقا هل تصدى مثقفونا لدورهم في وسط هذه الاجواء الموبوءة واختلاط حابل الامور بنابلها فلا عاد الاسلام اسلاما ولا عاد الدين وازعا او رادعا ولا اصبحت الثقافة معلما من معالم تضاريس شخصيتنا المبتورة الرؤى. قد لا يكون غياب المثقف العربي عن ساحته التي ينبغي ان يكون فيها غيابا حسيا فما اكثر الضجيج واقل الحجيج اذ لم نعد نرى تلك الافكار الاصيلة التي تضرب بجذورها عمقا ولم نعد نرى تلك المشارط النظيفة التي تشرح المواقف ولا تلك الايدي التي تعري الحقيقة لتكون ظاهرة للعيان وتحت سمع ونظر الدنيا لم يعد ذلك الشخص الذي يضيئ كالشمس فيغمر الارض دفئا وحياة وضمير الأمة الحي الذي يوجهها للاوضاع الصحيحة فأين القلم وأين مايسطرون؟..