كيف نصنع إعلاما منافسا وصانعا للرأي العام في الداخل والخارج؟، وكيف يمكن لإعلامنا مواكبة الإعلام الجديد؟، كيف نخلق رأيا عاما مستنيرا؟، وكيف نواجه ثقافة التشدد دون التخلي عن الثابت من ثقافتنا؟، وكيف نقرب الفجوات بين الأجيال؟.. استفهامات مهمة طرحتها «عكاظ» على عدد من المفكرين والمثقفين والإعلاميين الذين أكدوا أننا نعيش في عصر ثقافتين؛ ثقافة الصورة، وثقافة الإعلام الرقمي. ولذلك، فإن رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية الدكتور أنور ماجد عشقي يدعو إلى أن نعطي هذين الجانبين، وثقافة الصورة تحديدا، مهنية عالية في المادة المطروحة والشخصية التي تقدم هذه المادة، الأمر الآخر لا بد من التواصل مع الإعلام الحديث الذي يعتمد في وسائله على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة مثل تويتر والواتساب والفيس بوك، ذلك لكونها تمثل نبض المجتمع لتأثيرها على مختلف الشرائح في المجتمع، فنحن نواجه غزوا فكريا، ولا بد أن نحسن مواقعنا بتبادل الثقة بين هذه الوسائل والجمهور، وهذا لا يتأتى إلا من خلال مركز للأبحاث في وزارة الثقافة والإعلام، واستحداث مركز للتدريب للعاملين في حقل الإعلام، وأرى أن ذلك يمكننا من الوصول إلى إعلام منافس لما نقابل به من أرجاء العالم ونحقق من خلاله التفوق. التنوير والحرية أما الكاتب والباحث الدكتور توفيق السيف، فأوضح أن التنوير ارتبط بحرية تدفق المعلومات في كل بلد، وتطبيق أنظمة صارمة للتمييز بين ما هو مسموح وما هو ممنوع. وأضاف: «لا يمكن للآراء المتنورة والجدية أن تبرز وتتطور إلا في أجواء مرنة ولينة يسود فيها الجدل الحر، وتوفر فيها مصادر ومعلومات متنوعة». المواطن الإعلامي من جانبه، أوضح مدير الإعلام الخارجي في منطقة مكةالمكرمة الدكتور سعود كاتب أن «النقطة الأهم في موضوع كهذا أن يكون هناك قناعة بالتغييرات الواقعة في مجال صناعة الإعلام في العالم، حيث أدت هذه التطورات التكنولوجية الراهنة إلى إلغاء الحدود بين الإعلام المحلي والعالمي، يتبع ذلك ضرورة تجهيز وتهيئة العاملين في المجال الإعلامي على التعامل مع التقنيات الحديثة وفهم المتغيرات التي تترتب عليها، وهنا يبدو من الضرورة اعتبار شبكات التواصل الاجتماعي كواحدة من الأدوات التي غيرت كثيرا من طريقة التعامل الإعلامي وتواجد المسؤولين الحكوميين وتعاملهم سواء مع المواطنين في داخل البلد أو مع المتلقي في الخارج». ورأى كاتب أن هذه الشبكات وضعت المسؤولية على المواطن الذي أصبح هو أيضا يمارس دور الإعلامي بشكل أو بآخر، وذلك عبر صحافة المواطن التي أصبحت حقيقة واقعة وذات تأثير كبير». وأضاف كاتب: ما نكتبه عن أنفسنا في شبكات التواصل الاجتماعي اليوم سيطلع عليه في نفس اللحظة العالم أجمع، بما في ذلك وسائل الإعلام الأجنبية التي أصبحت تستقي كثيرا من أخبارها عن العالم مما يكتبه الناس والعامة على تلك المواقع والشبكات، وبشكل خاص على اليوتيوب أو الوسوم «الهاشتاقات»، والأمثلة كثيرة؛ فمثلا جريدة «التلغراف» البريطانية قدمت تحقيقا صحافيا مطولا «سلبي الطابع» عن المملكة استقت كل كلمة فيه من «هاشتاق» تم نشره على «تويتر» السعودية، وليس من مراسليها أو صحافييها. ويضيف كاتب: «المسؤولية تقع على الجهات الحكومية المختلفة التي ينبغي أن يكون لها وجود على شبكات التواصل الاجتماعي، وأن يكون تواجدها بفاعلية أمام المتعاملين معها مباشرة، وأن تكون لها صفحات على «تويتر» مثلا لنشر أخبارها والتعرف على ملاحظاتهم عن قرب، وهناك نقطة أخيرة تتلخص في ضرورة أن يكون للتعليم والبرامج التوعوية دور أساسي في تعريف الناس بالمساوئ التي تشملها هذه الشبكات، سواء فيما يتعلق بنشر الشائعات أو ما يخص الأحاديث الطائفية أو حتى استغلال جهات خارجية لهذه الشبكات يكون فيها المتعامل مستهدفا، ومن ثم يسهل من خلال ذلك استهدافنا كأفراد ونشر روح الإحباط أو نشر الطائفية. مشاركة الآخرين ولأن الدين الإسلامي يدعو إلى التسامح ونشر الفضيلة في المجتمعات، فإن الكاتب محمد علي الهرفي يرى أنه لا يجد ما يمنع من مشاركة الآخرين أفراحهم ومناسباتهم، وأن هذا يصب في مصلحة إظهار الإسلام والمسلمين بصورة التسامح، وأيضا يعطي صورة جيدة عن الدين الإسلامي وطريقة تعامله مع أصحاب الديانات الأخرى، مضيفا «ونحن نرى هذا في كثير من مواقف الصحابة وعظماء الأمة الإسلامية، وهذه الثقافة يمكن إبرازها من خلال وسائل الإعلام ووسائل التعليم أيضا، بحيث يعلم الناس أن هناك فرقا بين حسن الخلق مع الآخرين وبين إظهار أن هذا الشخص أو ذاك غير مسلم، فلهم أديانهم، وعلينا حسن التعامل معهم». أمل وتفاؤل وقال المفكر الإسلامي زكي الميلاد: «من أجل بناء رأي عام مستنير نحن بحاجة إلى خلق ثقافة تؤسس لهذا الرأي العام والمستنير، وتجذر هذا المنحى وتراكمه على طول الخط»، مضيفا «إن بناء الرأي العام المستنير وطرح السؤال بهذا التركيب بحاجة إلى إعطائه قسطا من الزمن حتى يتشكل ويتحدد وينهض بدوره وفعاليته، بمعنى أن الرأي العام وفكرة الاستنارة ومواجهة ثقافة التشدد لا تعالج بطريقة فورية وبطريقة الطفرات، وإنما بحاجة إلى ثقافة تؤسس إلى خلق روح الأمل والتفاؤل». إعلام ملتزم وقال أستاذ العلاقات العامة والإعلام في جامعة الملك سعود الدكتور علي العنزي: «أتمنى أن يكون هناك إعلام ملتزم بضوابط الإعلام، ينير الرأي العام، ويعلم المجتمع بعيدا عن التضليل مرتكزا على الحقيقة والمصداقية والشفافية يغلب المصلحة العامة على المصالح الشخصية والفائدة». وأضاف العنزي «أتمنى من الإعلام أن يبتعد عن الإثارة والتحريض وأن يلتزم بأخلاقيات الإعلام الشريف»، وقال إن «الإعلامي كما له حقوق بأن يمكن من الخبر وأن يتعامل معه بشفافية ووضوح، عليه واجبات ومسؤوليات وهي نقل الحقائق، وأن يكون إعلاما يجمع ولا يفرق المجتمع بنقل ما لا يفيد المجتمع، بل قد يضره ويبعث فيه البلبلة، الإعلام مهم في حياتنا، ودوره حيوي؛ لذا نريد إعلاما منافسا مرتكزا على أخلاقيات المهنة يساعد المسؤولين على الوصول إلى ما يفيد المجتمع». وأضاف «دور الإعلامي الحقيقي هو النظر إلى الخبر وتقييمه هل هذا الخبر فائدته كبيرة للمجتمع، أم أنه قد يسبب الفتنة والتفرقة، هنا يأتي دور الإعلامي في البت في نشره أم التخلي عنه، أتمنى أن أرى إعلاميين متخصصين ملتزمين بالشرف الإعلامي همهم الأول والأخير مصلحة البلد». من جانبه، تمنى الإعلامي وعضو مجلس الشورى الدكتور فايز الشهري أن تنجح الهيئات الجديدة في وزارة الإعلام في وضع صورة المملكة وحضارتها بشكل لائق بمكانة المملكة وريادتها، كما تمنى أن تنهض هيئة الصحفيين بدورها، وأن تكون هيئة مهنية مساندة لها وزنها وأن تكون صوتا للقلم الشريف، وأضاف «نتمنى أن يتحول المنتج الإعلامي السعودي من عقلية التاجر إلى عقلية الدور الوطني الاجتماعي، كما أرجو وأتمنى أن يكون الإعلام الجديد والشبكات الاجتماعية مكانا راقيا للحوار بدل التشاحن والتنافر والصراعات، كما أتمنى أن يحرص متحدثو الأوساط الاجتماعية على إظهار أجمل ما في الوطن وأروع ما في الإنسان السعودي وأن نخفف من جلد الذات». منظومة متكاملة من جانبه، قال الدكتور فهد بن عبدالله الطياش أستاذ الإعلام المشارك المشرف على صحيفة رسالة الجامعة جامعة الملك سعود «الإعلام منظومة متكاملة مثل خط الإنتاج في المجتمع الصناعي. ولكن مع التطور الرقمي الحديث اختلط الحابل بالنابل ودخل الفردي ميدان المؤسسي وتأثرت الرسالة الإعلامية الوطنية. وبالتالي يمكن أن نسأل من يصيغ رسائلنا الوطنية؟ وكيف يتعامل شباب الشبكات الاجتماعية والعالم الرقمي معها؟ ومن أين تنطلق رسائل التشويه الإعلامي؟ فعندما طالب البعض بإلغاء وزارة الإعلام كان المنطق يقول بموت الرقيب، ولكن في الوقت نفسه ظهور المحكمة والقاضي الإعلامي الذي يحفظ حقوق الأفراد من التعدي أو الجريمة الرقمية. مما يثلج الصدر أن المملكة من أوائل الدول العربية التي وضعت نظاما للمخالفات الإعلامية الرقمية، ولعل الحكم الذي صدر قبل أيام بجلد شاب سعودي لقذفه مطربة خليجية دليل على ذلك، وأضاف وبالعودة إلى صلب موضوعنا، فإن الحاجة تكمن في العودة إلى الأساس، وهو التكوين الأكاديمي والمعرفي لطلاب الإعلام. فحجم الإنفاق على طلاب الدراسات الإنسانية عامة والإعلام تحديدا لا يليق بمكانة المملكة. فنحن نعرف أن فترة العقدين الماضيين كانت تسمى بحقبة الإعلام السعودي، فما الذي حدث لنا من تراجع؟ ببساطة، لم يعد رأس المال هو المفتاح، فحتى المؤسسات التي تدار برأس مال سعودي تم اختطافها من الداخل مثل بقية دول الخليج، والسبب هو غياب الاستثمار في الإعلامي السعودي تأهيلا وتمكينا. وقد طرحت إشكالية نضوب الإبداع الإعلامي منذ أكثر من ثلاثين عاما، ومع ذلك بقى الإعلامي السعودي يراوح مكانه وغيره يتقدم بخطى ثابتة. أعتقد أن المطلوب الآن هو خلق تجمع للتطوير المهني الإعلامي talents pool، وهو يحدد متطلبات التطوير ويبرز منتجات الإبداع. واستطرد الطياش: ولعل المستقبل يبشر بخير بتأسيس الهيئات والخروج من عباءة الوزارة، ودخول المرأة المجال الإعلامي أكاديميا ومهنيا وزيادة عدد الجوائز الإعلامية وزيادة حجم التنافس وموت الوسائل الرديئة. ولعل بداية مذكرات التفاهم التي بدأت بين هيئات الإعلام والجامعات السعودية هي بداية الطريق الصحيح، فمن خلالها يتم عمل المواءمة بين مخرجات أقسام الإعلام ومتطلبات سوق العمل، ما يعني مراجعة شاملة للخطط الأكاديمية والتصنيف الوظيفي الإعلامي المتغير سريعا والتنافس محليا وإقليميا وعالميا. والقادم في الإعلام السعودي يبعث على التفاؤل بسبب الكثير من معطيات النجاح الواضحة. فأين كنا في خمسينيات القرن الماضي وأين نحن الآن إعلاميا ورقميا. ما نراه يدعو للفخر، ولكن أيضا يدعو للانضباط الوطني والمهني.