قوبل تصريح معالي الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة والقاضي بعودة نشاط معرض جدة الدولي للكتاب، وتجديد سيرته الأولى بعد انقطاع، بارتياح وسط عدد كبير من المثقفين والأدباء والمهتمين بشأن الكتاب، مشيرين إلى أن هذا المعرض سيسهم بصورة فاعلة في إثراء الحركة الثقافية والمعرفية بما يقدمه من عناوين جديدة، وبما يصاحبه من فعاليات ثقافية قوامها الندوات والأمسيات الأدبية والإبداعية التي يتنادى لها المبدعون من داخل المملكة وخارجها، بما يمثل مهرجانًا ثقافيًّا وفكريًّا ومعرفيًّا يضاف إلى رصيد المملكة في مضمار الثقافة.. مشيرين إلى أن نجاح هذا المعرض رهين بتجاوز ما ظل يصاحب معارض الكتاب من مظاهر الرقابة والإقصاء والذي عادة ما تكون حصيلته استبعاد عدد من الكتب، منوّهين إلى أن مثل هذا السلوك ما عاد يجدي في زمن العولمة والبوابات المفتوحة، داعين إلى تجاوز ظاهرة التكرار الممل في العناوين المعروضة والفعاليات المستنسخة. استنساخ غير ضروري على غير ما هو متوقع يبدي الدكتور صالح زيّاد عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود رأيًا مخالفًا لإقامة معرض جدة للكتاب، برغم تأكيده في مستهل حديثه لأهمية معارض الكتاب، وما تقدمه من فائدة كبيرة تبرز في قوله: مبدئيًا، أنا مع الترويج للمعرفة، وتوسيع نطاق القراءة، وإعلاء شأن الكتاب. ومعارض الكتب هي احتفالية بالمعاني السابقة، وترسيخ للوعي بها، من وراء الأهداف التجارية المحسوبة لها. وأعتقد أنّ المملكة سوق تجارية للكتب ودور النشر والتوزيع تعي هذه الحقيقة وتسعى إليها في كل فرصة تتاح لها. ويضيف زيّاد: لكن أن يكون معرض الكتاب دوليًا، وأن يكون تنظيمه على مستوى الوزارة، وأن تصاحبه مناشط مختلفة... إلخ. كل ذلك يجعل تكراره إفسادًا له وابتذالًا. إن معرض الرياض الدولي للكتاب بالصيغة التي ألفناها في السنوات الأخيرة احتشادٌ وطني ضخم بكل المعاني، ولا تزال الانتقادات التي سمعناها وقرأناها دالة على أن كل الجهد الذي بُذِل دون الطموحات. فهناك دور نشر كثيرة لم يسمح لها -مثلًا- نتيجة ضيق المكان، والانفتاح على الكتاب العالمي في لغاته الأجنبية مازال محدودًا، والمناشط الثقافية المصاحبة ذات صبغة محلية غالبة وليست دولية أو متعددة... إلخ. ولهذا أعتقد أن على الوزارة أن تدَّخِر جهدها في هذا الصدد لمزيد من تطوير معرض الرياض وإكسابه صفة دولية أكثر اتساعًا وعمقًا. وأنا أقدِّر هنا حماس معالي الوزير وتفاعله مع اقتراحات المثقفين والمهتمين. ولا شك أن جدة تستحق مثلما تستحق الدمام وغيرهما من مدن المملكة الكبرى. لكن علينا أن نفكر بطريقة عملية، وفي هذا الصدد يمكن تنظيم أشكال معينة من المعارض للكتاب ولغيره من المنتجات الثقافية والفنية وبمستويات مختلفة عن معرض الرياض الدولي، وليست المطابقة لمعرض الرياض أو الاستنساخ له ضرورية. تعزيز الجوانب المعرفية والثقافية الباحث زيد الفضيل حدد في مستهل حديثه العناصر التي تتحكّم في إقامة معرض الكتاب بقوله: يتحكّم في إقامة المعارض عادة أمران، أحدهما وهو الرئيس مادي والآخر معنوي، فأمّا الأمر الأول فيرتكز على قيمة الجدوى الاقتصادية من إقامة أي معرض للكتاب، حيث يتكلّف الناشرون أجور شحن واستئجار مساحة للعرض، وتكاليف معيشة، إلى غير ذلك، وبالتالي فيجب أن يتحقق من المشاركة في هذه المعارض هامشًا معقولًا من الربح يحفّز دور النشر على الظهور بشكل فاعل وكلي، أما الأمر الآخر فيتركز على مدى عمق الجانب الثقافي لدى مجتمع المعرض نفسه، إذ ما الفائدة في عرض كتب لن يتم النظر إليها أساسًا. ويمضي الفضيل في حديثه مضيفًا: والحمد لله أننا في المملكة نشهد نهضة حضارية كبيرة، وبعدًا ثقافيًّا غير مسبوق، حيث شملت المعرفة مختلف أرجاء المجتمع، وهو ما يدل على حالة النماء المعرفي المعاش حاليًا، ومدى تطور الجوانب الثقافية بوجه عام، وفي الجانب الاقتصادي فالأمر في أحسن الأحوال مقارنة بالعديد من الدول العربية، ولهذا فإن كثيرًا من دور النشر العربية والعالمية تتسارع إلى المشاركة في معرض الكتاب الدولي بالرياض، وعلى اعتبار كبر حجم المملكة من جانب، وارتكاز الحالة المعرفية والثقافية في الجانب الغربي منها من جانب آخر، فقد أصبح لزامًا التفكير بجد لإقامة معرض دولي للكتاب بالعاصمة الاقتصادية مدينة جدة، حيث سيكون له نفس الإقبال المعاش حاليًا في مدينة الرياض ومختلف العواصم العربية، كما سيخدم المثقف وطالب العلم ومحب المعرفة في جانب كبير من بلادنا، ممن منعتهم ظروفهم من زيارة معرض الرياض الدولي للكتاب. وبإقامة معرض دولي للكتاب بمدينة جدة ستتعزز الجوانب المعرفية والثقافية ضمن جنبات مجتمعنا، وسيكون لذلك كبير فائدة على مساحة كبيرة من بلادنا إنسانا ومنشأة معرفية. تجاوز الخطوط الوهمية وتتوافق رؤية الدكتور عدنان بن محمد بن فايز الشريف عميد شؤون المكتبات بجامعة أم القرى مع ما ذهب إليه الفضيل من ضرورة إقامة معرض دولي للكتاب بمدينة جدة في سياق قوله: أتمنى أن يتحقق مشروع إقامة المعرض في جدة العام المقبل بإذن الله تعالى؛ حيث إن معارض الكتب في أي مكان في العالم تمثل دورًا ثقافيًّا، وتثقيفيًا مهمًّا في حياة الشعوب والأمم في العصر الحديث، وهي فكرة تستحق الإشادة والعناية، وخاصة عندما نشهد معارض كتب عالمية كمعرض فرانكفورت، وباريس، ولندن، والقاهرة، وموسكو، وطوكيو... كلّها تمثّل تظاهرات ثقافية مهمة في كلّ عام، والأمل أن يكون معرض جدة الدولي للكتاب واحدًا من أشهر المعارض العالمية بما يقدّم من خلاله من فعاليات ثقافية لا تهمّ الشأن المحلي فقط، وإنما تهم الشأن العربي والعالمي، ولا يقتصر على ضيافة مثقفيه من السعودية -وهو الواجب- بل أن يوسع نطاق دعواته لكل المثقفين العرب والعالميين. ويختم الشريف بقوله: يظل الكتاب الحدث الأبرز في معرض الكتاب بعيدًا عن الفعاليات الثقافية المصاحبة، أو الأحداث المفتعلة لتشويه هذه التظاهرة الثقافية، وعليه يدور الحديث وتفتح القضايا، ومن أهمها أن يقدم معرض جدة هذا الكتاب كما هو الكتاب بعيدًا عن التصنيفات والتوصيات والعراقيل والخطوط الوهمية التي يروج لها البعض، وأن تحضر دور النشر المشاركة وليس لديها ما تبيعه من تحت الطاولة، أو خارج سور المعرض، بل تترك لها مساحة من الحرية تدفع من خلالها بمنتوجها الثقافي والفكري لهذا المثقف السعودي المتلهف لكل جديد، والقاطع لمئات الكيلو مترات رغبة في أن يجد ما يبهج عقله، وأن تكون الأيام التي اقتطعها للحضور إلى أرض المعرض تستحق أن تكون علامة فارقة في تاريخه، وحياته. الابتعاد عن ممارسة الرقابة ويسلط الشاعر عبدالرحمن موكلي الضوء على الكتاب في معرض جدة الدولي القادم بقوله: إن أمنيات جميع المثقفين في كل عام ربما تتكرر في بعضها وتتوافق أمنيات كثير من المثقفين حول عدد من الأمور، حينما يحضر معرض الكتاب وتتمثل في السماح لأكبر كمية ممكنة من العناوين الموجودة في رفوف الدور والمكتبات المشاركة بالظهور، والابتعاد عن ممارسة الرقابة التي ربما تصل إلى حد الاستخفاف بعقول الزائرين للمعرض، والمبنية في الأساس على أهواء شخصية بأن يسمح لكتاب بأن يعرض بينما هذا لا يعرض وليس بينهما فرق إلاّ في العنوان، كما أنه لابد أن تكون أيام معرض الكتاب مثل المنطقة الحرة فهي محدودة في زمانها ومكانها ونسبة قليلة جدًّا جدًّا هم من يتوجهون للمعرض إذا ما قورن بعدد السكان الكلي. ويضيف الموكلي: وأمر آخر هو لابد من وجود الكتاب الأجنبي وأن توجه دعوات لدور النشر الأجنبية المهمة لعرض كتبها ومنحها جميع التسهيلات. إيجاد جناح للكتاب المستعمل، فهذه الفكرة قد طبقت في بعض معارض الكتاب العالمية، وهي فرصة مواتية لبيع وتبادل الكتب المستعملة، سواء كانت كتبًا نادرة أو أرخص سعرًا. وقد وجد في معرض القاهرة الدولي في جهة الكتب المستعملة في إحدى السنوات، كتبًا وصحفًا قديمة تباع بالكيلو!. وهناك الكثير والكثير من الأفكار والأمنيات التي ترافقنا كلما أطل معرض للكتاب برأسه في بلادنا كالاهتمام بالنشر الالكتروني، وتنظيم أفضل لأماكن دور النشر، ومحاولة تقليص الكتب المكررة بقدر المستطاع، ورصد فعاليات ثقافية منبرية على هامش المعرض يقدم فيها أفضل المنتج الثقافي. بين السلب والإيجاب ويرى الدكتور عبدالله المعيقل بجامعة الملك سعود أن المعرض يمثل إضافة ثقافية هامة نشهدها في كل عام، ويصف هذه التظاهرة الثقافية بقوله: لا شك أن معرض الكتاب يعتبر إضافة ثقافية كبيرة للمجتمع والمعرض ليس بمجرد أنه سوق للكتب وبيع وشراء، ولكنه أضاف: من خلال الأمسيات الثقافية المنظمة والحراك الذي يدور بالإضافة إلى ما يقام على هامشه في الإيوان الثقافي لمناقشة بعض القصور وبعض ما يمكن أن يغطى إضافة إلى وجود وتشجيع الآخرين الذين لم تتح لهم الفرصة والمشاركة في المعرض بشكل رسمي، ويمكن أن نصف هذا التفاعل بشكل عام بأنه جيد، ويفند هذا التفاعل بأنه مقسم إلى قسمين فمنه ما هو سلبي وإيجابي، فالتفاعل الإيجابي يمثله من حضر إلى المعرض لكي يستفيد من المحاضرات ويشتري من الكتب ما يريد، وعلى الجانب الآخر يوجد تفاعل عكسي أو سلبي فالبعض لديه نوع من التحفظات على بعض الكتب أو الأشخاص وهذه أمور قديمة عفا عليها الزمن فنحن الآن في زمن المعلومة التي لا تحتاج إلى إذن من أحد فلماذا لا تكون هذه المعلومة مكشوفة سواء كانت سلبًا أو إيجابًا؟.. أفضل من أن تكون معلومة موجهة إلى شخص معين وتنعكس عليه سلبًا. أسئلة حائرة وآثرت الشاعرة بديعة كشغري أن توجه سؤالًا في مستهل حديثها إلى وزارة الثقافة والإعلام مفاده: لماذا يقام في كل عام معرض الرياض الدولي للكتاب دون تعثره أو تأخره، بينما معرض جدة يعاني الأمرين في كل عام.. أليست الآليات المتبعة واحدة والمظلة الرسمية في الرياض أو جدة واحدة؟ ماضية من ثم إلى القول: ثم إننا شهدنا في الأيام الماضية قيام معرض المدينةالمنورة الدولي للكتاب، ألم يكن الأولى أن ينصب الجهد المبذول في إقامة وتأسيس معرض جديد لم يخرج حتى بالصورة المأمولة منه كليًا وأن يوفر جهده لمعرض جدة الدولي للكتاب، وذلك لا لشيء إلاّ لتاريخه وعراقته ولتجربته في هذا المجال، فالمهم في الأخير هو الانعكاس الإيجابي الذي نود أن يحمله رواد دور النشر والمكتبات من خارج السعودية، وينقلوا صورة مشرقة عن حراك ثقافي فعّال يحدث في السعودية. وظل معرض جدة للكتاب الدولي محل تقدير واحترام وحفاوة، وهو جدير بها نظرًا لما يتيحه من فرصة لدخول عناوين جديدة في الساحة الثقافية، فضلًا عمّا يرافقه من فعاليات ثقافية وأدبية وفكرية لها أثرها المنظور في إحداث الحراك المطلوب في الساحة والمشهد الثقافي والأدبي. وتضيف كشغري: غير أن هذا الوضع لم يدم على حاله المتوقع.. ولم يعد للمعرض حضوره منذ أكثر من ثلاث سنوات.. فمن المسؤول؟ ومن نلقي عليه اللّوم بتعطل حركة دوران المعرض السنوية، وبحرمان مثقفي مدينة جدة وما جاورها من الاطلاع والتثقف؟. أسئلة كثيرة تجول بخاطر من عاش إلى اللحظة أو ما بعدها من سكان العروس وما تبعها، باقية تتردد في خواطرهم كمثل هذه الأسئلة، وباقية في أذهانهم صور عاشوها في الماضي في معارض سابقة في جدة تمنوا لو تعود اليوم ولو بنصف المدة، وبضعف السعر، ولكن هيهات.. هيهات أن يسمع لكلامهم أحد أو أن يحقق أمانيهم بشر، فغياب معرض جدة الدولي للكتاب يمتد إلى عامه الثاني، ولا ندري إن كنّا سندخل عامنا الثالث، ويحضر بعضنا ولن يحضر المعرض، وعند ذلك يصبح الحلم صعبًا والخيال محالًا.