اسئلة كثرة تدور حول المثقف ودوره في الازمة الراهنة فهناك من يتهم هذا المثقف بالتقصير وهناك من يتهمه بالغياب التام.. وهناك من يقلل من شأنه او يهمشه. ولا احد يتفق على رأي.. واذا كان دور المثقف في العالم العربي دورا اشكاليا تختلف حوله الاراء في الاوقات العادية فماذا عن هذا الدور خلال الازمات التي يمر بها الوطن مثل الازمة التي نعيشها حاليا؟ في الحقيقة الاجابة الصعبة دفعتنا الى البحث عن اسئلة صعبة حتى نستكشف الامر من خلال المعنيين به وهم المثقفون. تتمحور اسئلتنا حول دور المثقف السعودي ازاء الاحداث الراهنة على الصعيدين العربي والاسلامي. وهل هذا الدور فاعل ام يمر بحالة غياب وما العوائق التي تقف امام المثقف ليستعيد دوره؟ هذه الاسئلة توجهنا بها الى عدد من المثقفين وكانت هذه الاجابات! يبدأ سعيد السريحي بالتعليق على سؤالنا المطروح حيث يقول: ان هذا السؤال لا يمكن ان يدور الا في ذهن فئتين: الاولى المثقفون الذين لا يزالون يتوهمون ان لهم دورا ينبغي ان ينهضوا به او دورا تم استلابه منهم. اما الفئة الثانية فهم الصحفيون الذين ينبشون اوراق الماضي ويحاولون من خلالها ان يجدوا شيئا يتحدثون عنه. واضاف انه لم يعد السؤال في اتون ما نحن فيه ما الدور الذي ينهض به المثقف. لم يعد السؤال كذلك ما الدور الذي تنهض به الدول في هذه المنطقة؟ نحن تجاوزنا ذلك كثيرا وان اردنا ان نسأل سؤالا صريحا لا نستحي ان نواجه به انفسنا فهو: ما الذي سيفعل بنا؟ لانه في واقع الامر في موقع المفعول لا الفاعل وعلينا ان نحتفظ باي صيغة للسؤال ترد بصيغة الفعل المبني للمعلوم والباحث عن الفاعل له في ادراجنا وان نستخرج من درج الحقائق صيغة اخرى تجعلنا مفعولا به غير انه مفعول لفعل مبني للمجهول كذلك. لا لاننا نجهل اعداءنا ولكنا لاننا نجهل حقيقة هذا العداء. ويرى السريحي ان الحديث عن المثقف حديدث عن ضمير الامة الذي كان يتبلور في تلك المواقف الانتقادية التي تأسس عليها مفهوم المثقف وهذا الموقف الانتقادي الذي تم تدجينه طويلا حتى لم يعد له وجود انمحى وانمحى معه دور المثقف وعلينا الا نسأل الان عن دور المثقف في مواجهة العدو، لاننا تجاهلنا كثيرا دور المثقف تجاه انفسنا فالمثقف ليس كائنا روحانيا يتم استحضاره في اوقات الازمات، انه كيان موجود دائما فاما ان يعطى حقه الدائم في تمثيل ضمير الامة او علينا الا ننتظر وجودا له حينما تدخل الامة في مآزق. وعما يمكن ان يلعبه المثقف في الوقت الراهن يقول السريحي: المثقف في ظل هذه الظروف احوج ما يكون صادقا مع نفسه اولا ومع مجتمعه ثانيا عليه ان يكون عضوا يسعى الى تبني تصور فكرة طويلة الاجل تنطلق من حاجات اليوم ولا تزعم ايجاد حل بل تراكم معارف اجتماعية واقتصادية وسياسية تجنب الامة خطر الحرب والدمار الذي يحيط بها. هذا لا يبدو حلا عاجلا مقبولا كخطاب شعبوي فهو يميل الى الصبر والمثابرة للعمل على حلول طويلة الاجل. وان يعود بالامة الى رشدها والا يكون معول هزيمة داخلية. لعله هو القادر في مثل هذه الظروف ووسط التعبئة الشيطانية التي تسيرها آلة الحرب. قد يبدو هذا الامر صعبا جدا ولكنه قدر المثقف الحق. بينما يرى الدكتور سعد البازعي ان المثقف في اي مكان يضطلع بدور اساسي في عدة مجالات ولكن فيما يتصل بعلاقة المثقف بالوسط الاجتماعي فان دوره توعوي بمعنى انه مطالب بالمساهمة من خلال وسائل الاعلام او التأليف والنشر لابراز وجهة نظره على اسس دقيقة وواضحة من المعلومات والرؤية التي يمكن للاخرين ان يقتدوا بها. لكن في ظل الظروف القائمة يجب ان يتضاعف هذا الدور ومتوقع من المثقفين رفع مستوى عطائهم من كثافة الحضور او الطرح. وعن تحقيق هذا الوضع يرى البازعي ان الامر لا يخلو من مثالية، وهذا ما نطمح له لكن الوصول اليه ليس بالسهولة لان المثقف حيثما كان موقعه يواجه ظروفا قد لا تتيح له ان يسهم بالشكل المطلوب في اداء الرسالة او القيام بهذه المهام، وهذا لا يمنع المحاولة واضعف الايمان وهو تناول الامور بحد ادنى من الصراحة والوضوح. فليس اسهل من ان يقنع الانسان نفسه بالصعوبات ويتخلى عن مسئوليته لذلك لابد ان نناضل لتوسيع هامش النقاش الاجتماعي، هذا واجب تاريخي، اتوقع من اي مثقف حقيقي الا يتنازل عنه. واكد البازعي حضور المثقفين عبر الصحف ولكن لا يقومون بالدور المطلوب ويجب ان نتذكر ان المثقفين جزء من المجتمع ويعيشون ظروفا تحد من قدرتهم على عمل المطلوب وليسوا دائما الملامين لكن هناك اوضاعا عربية تجعل من الصعب على المثقف ان يكون صريحا في بعض طروحاته مع الاعتراف بان ليس كل المثقفين يقومون بما يتوقع منهم، لكن هناك من يسهم ويقدم مالديه ضمن الشروط المتاحة والممكنة. ويقول د. بكر باقادر: نحن عندما ننظر الى الساحة العربية نجد المثقفين امام ظواهر متعددة كان ينبغي ان تكون اراؤهم حولها اكثر عمقا لكن الاجواء الاقليمية تجعل من الصعب على الاشخاص ان يميلوا الى رأي او ان يبتعدوا عن رأي اخر. هذا بالاضافة الى وجود انظمة عربية سهلت دخول هذه القوى بتصرفاتها كالنظام العراقي مثلا ووجود مثل هذا النظام جعل القوى الخارجية الطاغية تعتقد انه ان الاوان للدخول وفي هذا الخضم نجد ان اصوات المثقفين تميل الى التسطيح والى ان تكون احادية الجانب من غير ان تحاول تفسير اطماع القوى الخارجية. ويضيف باقادر: هناك بعض الاصوات وان كانت قليلة ترى ان على الامة ان تسعى لمنع الحرب. وهناك من يسعى لان يخرج ولو باقل قدر من المكاسب من اعادة تأهيل المنطقة. ويخلص الدكتور بكر باختصار الى انه يمكنني ان اقول كان بامكاننا ان نرى للمثقف دورا في الازمة لو اننا منحنا المثقف دورا قبل حلول الازمة. يقول د. يحيى ابو الخير: لا اعتقد بغياب المثقف بل اعتقد انه على المثقف ان يكشف عن انتمائه الى امته الاسلامية والى الاسلام هذا الدين السماوي ويجب ان يوضح للناس باننا اهل محبة واهل عدالة. الجانب الثاني ان نواكب الاحداث يعني لابد ان نتفهم ما يجري في العالم ونلقي الضوء عليه بموضوعية وصدق حتى نستطيع ان نبني التصور السليم للتعامل مع انفسنا ومع الاخرين. وعن دور المثقف يضيف ان دوره يبرز ذاته ربما في كثير من جهات العالم التي لا تعرف المثقف العربي وربما تخطئ فهمه في ضوء احداث التطرف اذا كل من ينتمي لهذه الحضارة هو مثل من تطرف وهذا النقطة يجب ان نسعى لتغييرها حتى يعي الاخر ان الكيان الثقافي الاسلامي يتم بالحب والسلام والعدالة. وان المثقف العربي المسلم والسعودي خاصة له رسالة يجب ان يؤديها وهي رسالة سامية. ونفى ابو الخير غياب المثقف لانها نظرة محبطة، فيها نوع من السوداوية، فالمثقف حاضر وموجود، ويقوم بدور كبير ونحن بحاجة لان نجمع جهود المثقفين وتكون لدينا محصلات فكرية. واكد ابو الخير عدم وجود عوائق تقف امام المثقف طالما هذا المثقف يبرز صدق الاداء فنحن لا نريد مثقفا غوغائيا لانه لا يفيد بل سيضر المجتمع. ولكن اذا كان موضوعيا سندرك ان هذا المثقف يجب ان تعطي له كل الامكانات، ليبرز الفكرة، واعتقد ان هناك من هؤلاء المثقفين من يعطون هذه الامة. ويرى الدكتور عبدالعزيز الهلابي انه اذا تهيأت الظروف اعطى الكثير لان دور المثقف كدور اي مواطن يهتم بشئون محيطه وامته وتوعية من حوله بان يحاول فهم الظروف المحيطة والافكار وشرحها لمن حوله. ويشير الدكتور عبدالعزيز الى ان الدور الذي يؤديه المثقف اذا لم نغال في مسألة الغياب، لكنها تختلف من شخص لاخر، فهو يعبر عن مسئولياته واهتماماته بالطريقة التي يراها في كل الظروف المتاحة. و يمكن ان يعطي اكثر بالنظر الى الامكانيات ووجود الظروف المحفزة، فاذا توافرت الظروف اعطى وان انعدمت لن يعطي. البازعي السريحي