أحد المشاكل التي ما زال قطاع كبير من العاملين في علم النفس منغمسا فيها هي مشكلة الكلف بالاسماء المطلقة مثل الذكاء والشخصية والعدوانية وما الى ذلك من الاسماء التي تطلق جزافا لاستخدامها كتفسيرات جاهزة لظواهر سلوكية كثيرة. اسم آخر من هذه الاسماء المطلقة هو الإبداع، الذي يستخدم كثيرا للاشارة إلى سلوك فيه لدى متلقيه عناصر جديدة لم يكن قد رآها من قبل في شكلها أو محتواها الحالي. ينظر إلى الإبداع بكثير من التبجيل الوجداني، إذ يعتبر أنه لا يحدث نتيجة لعمل انساني بل هو نتيجة لعمل فوق انساني، فهو موهبة، لا تتأتى بالجهد وإن كان الجهد يصقل بعض جوانبها. وتقدير الإبداع على هذا النحو فيه تشجيع محمودعلى تحريه، وإن كان غير مقصود. إلا أن هذه النظرة لا تقدم التفسير الفاعل إذ تغمر هذه الظاهرة بخرافات تظهرها كأنها خارج سيطرة الإنسان وبالتالي لا يمكن تحقيقها بالتدريب. وتفترض هذه النظرة أن الإبداع في عمل ما ميزة متأصلة في صلبه، وأنه لذلك يظهر لكل من يراه كعمل ابداعي. ولكن الإبداع في حقيقته حكم اجتماعي نسبي. ولا يغير من تلك الحقيقة كون أن عمل ما يبدو وكأنه مبدع لقطاع كبير من الناس. والحكم بالإبداع يأتي لجهلنا بالخطوات التي سبقت العمل الموصوف هذا وساقت اليه أو أثرت فيه. وقد يخطو هذه الخطوات عدد من الناس ولكن أحدهم فقط يتوصل الى الخطوة النهائية الموصوفة بالإبداع إما بجهد أو بالصدفة. وعادة ما تكون هذه الخطوة الأخيرة صغيرة ولكن عدم انتشار الإدراك بالخطوات السابقة التي جاءت نتيجة لجهود آخرين يجعل هذه الخطوة الصغيرة تبدو وكأنها كبيرة. كذلك قد تكون الخطوة صغيرة التركيب ولكنها كبيرة التأثير. وقد يتولد الشعور بضخامة العمل نتيجة لجهد دعائي ماهر يقوم به المبدع او مريدوه لذلك العمل. كما أنه ربما يحدث خلط بين الابداع والشجاعة فيوصف العمل الشجاع بأنه إبداعي لمجرد أن شخصا ما قام به في وجه تحديات ومخاطر كثيرة من معارضين له محتملين او مفترضين. ويحضرني هنا ما قام به كوبرنيكس عندما أعلن نظريته عن مركزية الشمس غير آبه باعتراض رجال الدين المسيحيين على الفكرة وهو الاعتراض الذي كاد يودي بحياة جاليليو لولا أنه سحب أقواله وأعلن توبته، فأصبحت هذه النظرية ملتصقة بالأول أكثر من الثاني.