سعادة الدكتور ناصح الرشيد يحفظه الله تحية عطره ملؤها التقدير ابعثها لك يا من فتحت نافذة الامل امام الكثيرين تحية احترام للقلب الكبير الذي لا يمل ولا يكل من مساعدة الاخرين ولا يبخل عليهم بالنصيحة الهادفة والمساعدة قدر ما امكن. عزيزي الدكتور ناصح: انني ارقب صفحتك بفارغ الصبر كل ثلاثاء واستفيد من ردودك الحكيمة على من يطرحون مشاكلهم. وهذا ما شجعني على طرح مشكلتي التي لم استطع تحديد هويتها بعد.. انني يا دكتور شاب تجاوزت الثلاثين بقليل.. وحتى الان لم استطع النجاح في الحصول على زوجة وتكوين بيت سعيد لانني لا املك المال اللازم لذلك.. تصيبني احيانا حالات حزن واكتئاب واشعر بيأس وكره للحياة لانها حرمتني كل شيء جميل.. فانا نشأت يتيما ورباني جدي عدة سنوات ثم انتقلت للسكن في بيت عمتي.. ولم اجد هناك الرعاية الكافية لا من الناحية المادية ولا الصحية ولا النفسية.. لم تكترث عمتي لحالي فهي لديها سبعة اطفال وكنت انا الثامن.. لذلك فقد تركتني اربي نفسي بنفسي.. وهكذا استمر الحال حتى تركت المدرسة وتعرفت على صحبة فاسدة جرتني معها لطريق الانحراف وقبضت علي الشرطة بتهمة السرقة وكنت عندها في السادسة عشرة، وبعد انقضاء مدة العقوبة عدت الى الله وعاهدته ان ابدأ صفحة جديدة.. التحقت بالمدرسة وكافحت حتى حصلت على الشهادة المتوسطة والتحقت بعدها بوظيفة متواضعة.. لكن الحياة عادت لتصفعني صفعات عديدة.. المهم، حتى لا اطيل عليك يا دكتور ناصح، فانا اشعر دائما بالحزن ولا رغبة لي في الحياة.. اكره الناس واشعر انهم منافقون تربطهم علاقات المصالح المتبادلة فقط.. انظر للاخرين احيانا بعين الحسد لانهم حصلوا على اشياء كثيرة لم احصل انا عليها.. ابكي كثيرا وافقد شهيتي لعدة ايام. مؤخرا صرت لا استطيع التركيز ولا ارغب في العمل والانتاج (حاليا لا اعمل). عزيزي: هل انا مريض بالاكتئاب فكيف اعالج نفسي.. هل الجأ للطب النفسي؟! حامد لا تستسلم للحزن عزيزي حامد: اولا اشكرك على التحية والمقدمة التي كتبتها في بداية الرسالة. ثانيا: لقد تأملت رسالتك ورثيت لحالك الذي وصلت اليه يا عزيزي.. ولا ادري كيف ابدأ حديثي معك وعلى اي تساؤل اجيبك.. لكنني اثرت ان اعطيك نبذة مختصرة عن الحزن والاكتئاب لعلك تساعدني وتساعد نفسك على اكتشاف نقاط الضعف التي لديك سعيا للعلاج. ان الحزن يا اخي (حامد) هو احد صور العاطفة والمشاعر الانسانية وهو ضد الفرح والسرور.. وهو شعور فطري موجود بالانسان كالفرح تماما، اوجده الخالق.. قال تعالى: (وأنه هو أضحك وأبكى) ويصيب الحزن الانسان عندما تقابله متاعب في الحياة.. ولا يستثنى احد من الحزن (حزن يعقوب على فقد ولده يوسف) (حزن أم موسى على فقد ولدها).. اذا فالحزن يا عزيزي حامد يطال كل انسان، لكنه قضية وقتية واذا استمر وطال وقته صار اكتئابا. وقد يدفع الحزن الانسان للعمل، اذا اعتبر الحزن امرا طارئا ولم يستسلم له.. وهذا ما اريده منك ألا تستسلم وتتجاوز هذه المرحلة لحياة العمل والانتاج والعطاء لانك اذا استسلمت للحزن فانك ستصل لا محالة الى مرحلة الاكتئاب وهي مرحلة خطيرة تتمثل اعراضها في الضيق الشديد والبكاء وقلة الاكل وعدم الرغبة في عمل اي شيء في الحياة وقد يضطرب النوم وتشعر ان الحياة لا تستحق ان تعيش فيها الى غير ذلك من الاعراض. لذلا عليك ان تطرد تلك الافكار السوداء يا عزيزي من عقلك وتلقي باليأس وتبلد الشعور جانبا وتتوجه لكتاب الله ففيه الراحة التي تنشدها، ويجب ان تعي جيدا ان ما اصابك لم يكن ليخطئك، بل كتبه الله عليك. وان الناس الذين حولك لا يستطيعون ان يضروك او ينفعوك الا بقدر الله مهما كانوا منافقين او انتهازيين. انظر الى الاحداث وتعامل معها بان تضعها في مواضعها المقدرة في علم الله.. كل ذلك سيجعل نفسك (باذن الله) افسح واكبر واكثر ثباتا ورزانة في مواجهة الاحداث.. وستعلم ان هذه الدنيا لا تساوي شيئا، ولعلك في تأملك لابتلاءات الاخرين تجد تسلية لنفسك وتخفيفا من حزنك ابتداءا بابتلاء الرسول صلى الله عليه وسلم بيتمه منذ كان جنينا في بطن امه .. وابتلاء جميع الانبياء دون تحديد. عزيزي حامد: انت انسان مسلم والحمد لله، وللمسلم مفهوم خاص للمصائب والاحزان يختلف عن غيره لانه يؤمن بان المصائب والاحزان قد تكون علامة على محبة الله للعبد ألم يقل الرسول الكريم (ان الله اذا احب قوما ابتلاهم) رواه احمد وبقدر الايمان يكون الابتلاء قال صلى الله عليه وسلم (اشد الناس بلاء الانبياء ثم الصالحون ثم الامثل فالامثل) رواه الطبراني . تذكر بانك ستؤجر على صبرك على المصائب حتى يطمئن قلبك بالايمان ويزداد توكلك على الله واستسلامك لقدره (انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب) وتذكر ايضا بان الله هو المتصرف في العطاء والمنع ولا مجال للاعتراض وقد تنوي شيئا فيه مصلحة فيتأخر لفائدة وحكمة تقتضي المنع. ان علاجك هو ان تثق بالله ثم في قدراتك لان السعادة الحقيقية والطمأنينة لا تسكن القلب الا اذا كان صاحبه طيبا ولا تغفل يا اخي عن الدعاء بيقين وانظر دائما الى من هو اسفل منك ولا تنظر الى من هو فوقك.. وانصحك ايضا باجتناب الظن السيىء بالاخرين وترك باب الامل مفتوحا (سيجعل الله بعد عسر يسرا) ولا بأس بان تعرض نفسك على الطب النفسي ان لم تستطع مساعدة نفسك. قال صلى الله عليه وسلم (عجبا لأمر المؤمن، ان أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن اصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن اصابته ضراء صبر فكان خيرا له) وقال (ما يصيب المسلم من صيب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا اذى ولاغم حتى الشوكة يشاكها الا كفر الله بها من خطاياه) رواه احمد.