لاشك أن الإنسان يعيش حياته بين صفو وكدر وجملة من الأخطار والأمراض والحوادث والمسلم يعيش في الحياة ولا يصيبه منها إلا ما كتب الله له ، وإذا أصابه ما يصيبه فإن ذلك قضاء الله وقدره ولحكمة ربانية اقتضتها الإرادة الإلهية المبنية على علم الله الواسع بأحوال عباده ، وما يقتضيه ذلك العلم من مصالح خاصة وعامة للعباد ، قد تعود المصلحة إلى المصاب نفسه وقد تعود إلى أهله وأوليائه وقد تعود إلى مجتمعه . ولاشك أن الموت هو مصير كل إنسان ... حيث انتقلت إلى رحمة الله والدة الدكتور /محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الحضيف أبو(المنذر ) الأستاذ السابق في جامعة الملك سعود ومدير ضبط الجودة بقناة المجد الفضائية ذلك الإنسان البسيط المتواضع الذي يعامل الجميع بأدب واحترام ودائماً مايبادر بالسلام .. لا يرد أحداً .... ولا يبغض أحداً .. بل يحب جميع المسلمين بلاء استثناء... إنسان لا يستسلم للمستحيل بل يجعل من المستحل معبراً لتحقيق الهدف ... ولا تعثر له الحجارة بل يجعل من الحجارة سلماً يصعد بها نحو القمة ... همه الأول والأخير أن تبقى الكتابة هماً ورسالة لا أريد أن أتحدث عن الحضيف فيكفي انه علم في رأسه نور ، ولا أريد أن أتحدث عن الموت لان الموت حق ومصير كل إنسان ... ولكن أريد أن أتحدث عن صبر الحضيف على الابتلاءات : توفي والده .. وأخيه .. وابنته هديل وحصل له حادث ... والآن توفيت والدته ... ذهبت مسرعاً إلى مسجد الراجحي لكي اعزيه فلم استطع أن أقابله فذهبت إلى المقابر وأيضا لم استطع ... حيث حضر الصلاة والتشيع حشد كبير من كافه ألون الطيف وأصدقاءه وأصدقاء والده رحمه الله ... فذهبت إليه في اليوم الثاني في بيته لأجده أكثر تماسكا وأكثر صبراً رغم المصاب ورغم المصائب فيقول لنا أدعو لها بالمغفرة ... ونسال الله أن لا يريكم مكروه ..هكذا كانت عباراته ...ما أعظم هذه العبارات .. وما أعظم هذا التماسك ... وما أعظم هذا الصبر ... سبحانه جعل الصبر جوادا لا يكبو ، وصارما لا ينبو ، وجندا لا يهزم ، وحصنا حصينا لا يهدم ولا يثلم. ( وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) فصبراً جميلاً آل الحضيف على هذه الابتلاءات !!! وصبراً حتى يعجز الصبر على صبركم .... وصبراً حتى يعلم الصبر أنكم صابرون على شي أمر من الصبر .. في نفس هذا التوقيت من العام الماضي إلتقيت بالدكتور الحضيف في لقاء صحفي سألته عن أمنية تحققت ؟ فقال لي موت أبي وهو راضي عني . ثم سألته عن حدث هز شعورك؟ فقال لي موت هديل ... فماتت أحلام ومشاريع . قلت له لو أعطيناك ثلاثة ورود لمن تهديها ؟ فقال في الخاطر أكثر من (ثلاثة ) .. لاكنني سأهديها لامي ، لأنها تختلف عن البقية .. وكثيراً ماتبكي من اجلي ...! ثم سألته ماذا تعني لك رحلة القلب الأخيرة ؟؟؟ فقال : صرخة رجل أحس باليتم .. إذ يرحل سنده وملاذه . فقلت له لماذا تعاني قصصك من ارتفاع منسوب الحزن فيها ، إلى حد فيضان الدموع ، ما علاقة الحضيف ، وقصصه مع الحزن ؟ فقال : الحزن شعور إنساني مشترك ، لا تحده عوائق اللغة والجغرافيا .. أو ( الأيدولوجيا ) . فأنا حينما أكتب ، أو ( أتحدث ) ، بلغة الحزن .. أمنح نفسي فضاء رحباً ، ومساحة هائلة من ( الحرية ) .. أحلق فيها ، وأقول رسالتي .. دون وصاية . هكذا كان الحزن مواكباً وهكذا توالت الابتلاءات على الحضيف ... مات أبيه وهو راضي عنه ... ماتت هديل فماتت أحلام ومشاريع .... والآن ماتت والدته التي كانت وكثيراً ماتبكي من اجله فأصبح هو من يبكى من اجلها وأصبح صديقاً لرحلة القلب الأخيرة ... نعم انه أحس باليتم والحزن .. ورحل سنده وملاذه ولكنه تمسك بالصبر الذي عظمه الله في كتابه في أكثر من تسعين موضعاً ، فمنها ما ذكر الله من مضاعفة الأجر للصابرين كما في قوله: ]أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ, [ ]إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[ ولذلك جاءت الأدلة من الكتاب والسنة تبين الأجر الكبير والثواب العظيم ، الذي أعده الله سبحانه وتعالى للصابرين المحتسبين ، وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: يا رسول الله ! أي الناس أشد بلاء ؟ قال:\" الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل من الناس، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة، زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة، خفف عنه، وما يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض، وليس عليه خطيئة\"، وسئل الإمام الشافعي رحمه الله : أَيّهما أَفضل : الصَّبر أو المِحنة أو التَّمكين ؟ فقال : التَّمكين درجة الأنبياء ، ولا يكون التَّمكين إلا بعد المحنة ، فإذا امتحن صبر ، وإذا صبر مكن . ختاماً نسال الله سبحانه وتعالى التمكين للحضيف والمغفرة والرحمة لوالده ووالدته وأخيه وابنته ولجميع موتى المسلمين انه قريب سميع مجيب الدعاء . عثمان عباس دفع الله