حين تنزل بأحدنا مصيبة ما، فانه لا يستطيع ان يصبر بل ينهار ويتحطم نفسيا وكأن هذه المصيبة التي اصابته هي نهاية الكون بالنسبة له، لدرجة ان تفكيره يتعطل وقدرته على ايجاد الحلول تنعدم، وتسود الدنيا بعينيه ويشعر تجاه نفسه بالأسى وكأنه المصاب الوحيد في هذه الدنيا، وقد يصاب بالاكتئاب ويزور العيادات النفسية. ولو تأملنا في حال الاقوام السابقة لأدركنا كم نحن في نعيم مهما حل بنا فها هو نبي الله يوسف يعطينا درسا في الصبر منذ ان كان طفلا يسيء اخوته معاملته فيصبر ثم يلقونه في الجب فيصبر ويباع في مصر وتراوده امرأة العزيز عن نفسها فيصبر وها هو نبي الله ابراهيم يضطهد من قبل قومه فيصبر ويحرم من الذرية عشرات السنين فيصبر ثم يرزق باسماعيل فيؤمر بتركه مع امه بواد غير ذي زرع فيفعل ويصبر ثم يؤمر بذبحه فيرضى ويصبر، وينشر زكريا عليه السلام بالمنشار ويصبر ويصلب عيسى عليه السلام ويصبر. وللصبر مجالات عديدة، كالصبر على بلاء الدنيا ومنغصاتها قال تعالى "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين" فالمؤمن يصبر على البلاء ولا يركن الى الدنيا ولا يغتر بها او ينهمك في نيلها. ومن الصبر ألا نتطلع الى ما بيد الآخرين من نعم أنعم الله بها عليهم لحكمة ما، كما فعل قوم قارون عندما تطلعوا الى ما عنده وقالوا "يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون". وقد يمد الله الانسان بالمال الكثير والبنين والخيرات ليفتنهم، اي قد تكون هذه الأموال نقمة لا نعمة فقال تعالى "أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات، بل لا يشعرون". ومن أعظم انواع الصبر، الصبر على طاعة الله فهو يتطلب منا ان نصلح النية ولا نغفل عن أداء الطاعة ونؤدي الأعمال بشكل حسن حتى يتقبلها الله منا. وقد يقول قائل: ان النفوس تختلف فمنها من قد جبل على الصبر ومنها من لم يجبل على ذلك ولهم نقول ان الصبر قد يكون موروثا وفطريا في بعض الحالات، الا انه يمكن ان يكون مكتسبا ان اردنا ذلك وسعينا للوصول اليه، وله اسباب معينة نذكر منها: 1 معرفة طبيعة هذه الحياة والاقتناع التام بان الابتلاءات والتنغيصات من طبيعة هذه الدنيا. ومن لا يعي هذه الحقيقة سيتفاجأ بالأحداث التي سيمر بها. 2 الايمان بان هذه الدنيا كلها بما فيها ملك لله سبحانه وتعالى وهو الذي يعطي من يشاء ويمنع عمن يشاء، وان ما بنا من نعم فمن عند الله وعندما يبتلى او يحرم من شيء من هذه النعم كالمال او البنين يقول متيقنا "إنا لله وإنا إليه راجعون" ففيها تسلية عظيمة للنفوس لان الانسان عندما يقولها يذكر نفسه بأنه لله وانه سيرجع يوم الحساب لله وان هذه الدنيا كلها فانية وزائلة. 3 احتساب الاجر والثواب على هذا الصبر، قال تعالى "إنما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب" والثقة في حصول الفرج تعين على الصبر الذي يوصل للفرج فالله يقول في كتابه العزيز "فإن مع العسر يسرا، ان مع العسر يسرا" حيث قرن اليسر وجعله بمعية العسر لابعده. وقد قال يعقوب عليه السلام عندما فقد ابنه "فصبر جميل والله المستعان". 4 الايمان بقضاء الله وقدره والاستسلام التام له والرضاء بقضائه، وعلى الانسان ان يعلم ان الجزع والهلع والخوف والاعتراض والشكوى لن تجدي ولا حل إلا بالصبر. 5 اللجوء الى الله والتوكل عليه لان التوكل على الله يجلب الصبر والمعونة، قال تعالى "الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون" وقال "استعينوا بالله واصبروا". وهكذا المؤمن دائما يرضى ويصبر ويعلم ان اليأس يدمر محاولات الصبر. يقول الله تعالى "ولا تيأسوا من روح الله" ويقول عز وجل "والله معكم".