كأس يمثل به زوايا الصمت.. وخطواته في عيني وعلى صدر البلد وفي بصيرة الملأ، واثقة مطئنة مثل سهم مسدد صوب نحو هدفه بدقة.. رحل بالعقل إلى جزر الدهشة.. فهو قافلة من الألوان تحمل إلى واحدة من البريق.. أدمنت رؤيته كل حين.. حتى غرقت في هالاته المتدفقة بالهدوء، والوقار.. فشعرت بلظى إلى شغف فتونه.. فصرت أحاول الالتصاق به أشرب من رحيقه.. بل أحاول الولوج تحت شرشفه بحمى كل خليلة واعية تحملها جمجمتي أشفي به شيئا من رغئابي.. كنت أتخيل وجودي معه بأنه سيجعلني أنث رذاذا نقيا عذبا.. ولذا لا أفتأ أنتجع عند بابه.. أرهف السمع.. أسترق شيئا مما تمليه عليه حريته.. وأستشعر صوت أوراقه اللامعة حين تتجاذبها أنامله الحافظة، وأتقصد غرابة من طريقة الجذاب.. لكنني هذه المرة، أفتح الباب عليه مقايس عيني دون طرق أو استئذان، وكالزئبق ينزلق نظري إليه.. فتترنح في تجلياته.. ترتمس في مكانه المثقل والمضاء بالوعي والمبتهج بكيانه القمري.. أثناء ذلك عقلي غدا مشدوها، مجنونا، فتحرك جسدي وفق قانونيهما.. ألتصق أكثر.. أرقبة جيدا.. فأرى شعاعا يزاول معه مهنة التحرر من الأشلاء.. يرفع أرتال رأسه عن فراشه الوثير لمدة ساعات الوقوف الطويلة.. يصارع الظلمة بوميض كالشمس إذا بدأ.. أرصد طريقة صعوده المضطردة الخافية عني، والتي تكفي لأن أفهم سر تلك الثقة والاطمئنان اللذان ألهباني.. نازلتني قشعريرة الاقتحام.. لكنني اقتحمت.. انتبه إلى .. قلت متلعثما مرتبا حروفي: * سيدي، أثارني خطوك، فجئت أنشد طريقته. قال بثغر باسم.. بصوت متزن هاديء، وكأنه لم ير ما يفاجئه أو يزعجه أو يفسد خلوته. * حسنا، دعني أراك! قال هذا تاركا بياض من يزاول مهنته معه مجتذبا يدي بحنو.. فتح الباب كله، فتمرغ عقلي في الجنون، وزورقي مضى على شط الفتون.. بل هاجرت في أمد روحي حتى صار للمنتهى جسرا.. صار لأروقة الشوق دربا.. حين شاهدت كل قمرة الذي أغشى بنوره بصري.. أرهبني الدخول.. عدت للوراء بضع خطوات.. فاجتذبني إلى الداخل.. أغلق الباب.. ردد بابتسام. * لن أتركك تذهب ما دمت قد أتيت دون جسد!. قلت باندهاش جديد: * أيها الوعي الواثق في الوجود، كيف شعرت بأني قد أتيت دون جسدي؟ لم ينبس، فقط تبسم واحتضنني عمرا طويلا بكل الدفء.. بكل أنفاسه الطيبة.. فخف جسدي.. خف أكثر.. استرخت كل أجزائه.. طفا فوق بحره اللطيف الهاديء.. عانق النجوم مثقلا بعناقيد الشهوة، وأما روحي بعد ان امتزجت بروحه كانت قد استقرت عند قاب قوسين أو ادنى.