حول وضعية المسرح السعودي واشكاله وتياراته المختلفة داخل مجتمع محافظ يراعي عاداته وتقاليده دارت ندوة العرض المسرحي السعودي "ذاكرة التراب" التي ادارها الكاتب الصحفي محمد الشافعي بمشاركة الدكتور حسن النعمي رئيس قسم المسرح بالجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بجدة والمخرج شادي عاشور اضافة لابطال العرض. في البداية اوضح الكاتب محمد الشافعي أن المسرح السعودي ما زال وليد يحبو ليصل نحو الامام ليضاهي بقية التجارب الخليجية التي ساندها الحظ بوجود معاهد للمسرح وخبرات فنية مسرحية كبيرة افادتهم كثيراً واثقلت الموهبة الفنية لديهم مشيراً إلى ان الفرق السعودية صغيرة وحديثة العهد إضافة إلى قلة عروضها الا ان الجمعية العربية للثقافة والفنون بجدة تبذل جهوداً كبيرة تحسب لها خاصة وان جدة بطبيعتها كميناء تعد ملتقى للعديد من الثقافات والحضارات. في حين أكد الدكتور حسن النعمي على ان مجرد مشاركة فريق جمعية ثقافة الفنون بجدة يعد مسئولية ملقاة على عاتق الجميع متمنياً أن يكون على قدر هذه المسئولية. وبالنسبة لتاريخ المسرح السعودي اشار النعمي قائلاً: لقد بدأ كفكرة للاديب احمد السباعي عندما حاول انشاء مسرح وحصل على الموافقة بذلك وقدم مسرحية تاريخية وقتها لكن المجتمع لم يكن مهيأ في تلك الفترة لتقليل مثل هذه العروض حتى نهاية عقد السبعينيات حيث انشئت جمعية الثقافة والفنون لتثمر فروعاً في اماكن مختلفة يجتهد افرادها لتقديم مسرح يتناسب مع الوضع الاجتماعي الراهن، فبالنسبة لفرع جدة بدأ في مطلع الثمانينيات بفريق متواضع حتى وصلنا إلى الفريق الحالي الذي يعد نتاج جهد وتجربة حديثة يحاول تقديم أعمال ذات عمق انساني فاعداد الممثل يعتمد على لغة الجسد وليس الخطابة اللغوية لتقديم عروض تعتمد على الابهار البصري فكل ذلك يتم من خلال شباب يتم اعداده وتدريبه ولذلك سنجد ان اختلاف فرص النجاح لفرع تابع لمدينة معينة عن اخرى يرجع الى تباين الظروف الاجتماعية لكل مدينة ويكفي ان هناك ثلاثة افرع تابعة للجمعية نالت فرص النجاح التي مهدت لها تمثيل المملكة في المهرجانات الدولية فالفرع الاول تابع للطائف التي تعد مدينة من مدن اقليم الحجاز الذي يمتاز بروح الود والتسامح نتيجة استقباله شعوبا وثقافات وحضارات مختلفة والفرعان الاخران تابعان لمدينتي جدة والدمام باعتبارهما ميناءين، وقد ساعد على هذا الازدهار للمسرح السعودي اقامة مهرجان للمسرح اضافة إلى مهرجان الجنادرية حيث تستفيد الفرق المشاركة في هذه المهرجانات من احتكاكها الخارجي وتنمية نفسها من خلال التجربة ورغم وجود مواهب خلاقة الا انه ينقصها وجود معهد اكاديمي متخصص وان كان يوجد فرع خاص بالدراسة المسرحية بجامعة الملك سعود الا انه غير كاف ولذلك نجاول استحداث دبلوم مسرحي بالجامعة. واضاف النعمي: اعتقد ان هناك بريق أمل في غد افضل نتيجة انشاء وزارة للثقافة والاعلام مما يمنحنا الامل في دعم المسيرة وتوجيه المسرح بشكل لائق فمسرحنا في السعودية دوما ما ينزع إلى تجارب طليعية تبحث عن قيم غير موجودة شمولية بعيدة عن الضمائر كما تبحث عن ملتقى يعمل بكل حواسه لاستقبال المسرحية دون استرخاء بل يدخل تلك الدوامة لفك عناصر العروض امامه.. بعدها اشار الناقد محمد الشافعي إلى اشكالية المسرح السعودي المتمثلة في عدم وجود عنصر نسائي اضافة إلى التضييق السياسي وان كان عائقاً لا يخص السعودية وحدها. وعقب على كلامه الدكتور حسن النعمي بقوله: بالنسبة لغياب المرأة فذلك يرجع لتوجهات مجتمع وارادة شعب وانا كمسرحي اتمنى ان تكون المرأة موجودة ولكننا نعيش ضمن مجتمع يحمل ثقافته وقناعاته وعاداته وتقاليده وقد تعاملنا مع غياب العنصر النسائي لانه لم تكن لنا فرصة سوى تقديم مسرح بدون مرأة أولاً مسرح لذلك اخترنا بعد تجربة ومعاناة ان نقدم مسرحا وانتقلنا من التجنيس إلى الأنسنة فالهم اكبر من رجل او امرأة انه الانسانية كلها فالنقاد الذين يحضرون العروض السعودية يهمهم العمل وقد لا يلحظون غياب المرأة اساساً لاننا نقدم مسرحاً يتحدث عن قضايا انسانية من ظلم وتعسف دون تفرقة بين ذكر وانثى. وعن عرض "ذاكرة التراب" المشارك بالمهرجان تحدث مخرجه شادي عاشور قائلاً: معنوياً لا توجد ذاكرة للتراب الا عندما تعدم الحياة مقوماتها وتفنى نتيجة لتجربة مدمرة عندها لا يبقى غير التراب كشاهد على ما حدث لتظل شاهداً حقيقياً على صدق او زيف ما سجله التاريخ وهذه فكرة المسرحية وبالنسبة لعلاقتها بالتجريب فالعمل بالفرقة كمختبر له ادوات تتفاعل عناصرها مع ارض وتراب وجدران المختبر والعرض المسرحي فعناصر العرض وجمهوره تخضع للتجريب وهناك عناصر كثيرة يمكن ابتكارها للتجريب منها الممثلون وصوتهم وملابسهم والموسيقى وتنوعاتها والديكور حتى الجمهور والكراسي الموجودة فهي مصطلح كبير به ملايين العمليات التجريبية وفيما يخص التعامل مع هذا التجريب فقد وضعنا الجمهور تحت التجربة وجعلنا منه ارضية للتجريب فمعظم المشاهدين لا يحبون التجريب ولذا نلجأ للسيكودراما او التجارب النفسية للنص. واستطرد شادي في حديثه قائلاً: النظرية الحديثة تقول ان الامراض النفسية قسمان الاول منهما يعد مرضاً اما الاخر فهو لدى جميع البشر لكنه بنسب مختلفة ومهمتنا ان نجعل العرض طبيبا نفسيا للمشاهدين فأدوات العرض هي ادوات الطب النفسي ونهيئ الجو كالاجواء في العيادة النفسية باستخدام الاضاءة الخاصة والموسيقى الموحية وكذلك قاعة العرض نفسها فالمسرحية تدور في قبر وكان لابد من اقناع الجمهور بهذا من خلال هذا يحاول الممثل النبش داخل الجمهور لتتكامل ادوات العمل حتى نصل في النهاية لما نريده من اخضاع الجمهور لهذه التجربة النفسية وذلك لنصل إلى ردود الفعل المتباينة لاي جلسة نفسية سواء الدخول في نوبة ضحك او الانخراط في حالة بكاء او حتى مجرد الشعور بالتنفيس عن الدواخل الذتية كل ذلك عن طريق ربط الصوت بالضوء والحركة واللون والاضاءة. اما الممثل خليل الجهيني بطل العرض فقد قال: استطعنا من خلال العمل التأقلم مع النص الذي انجذبنا اليه من البداية فكنا عنصرا هاما من عناصر التجربة وكنا نسعى لتنفيذ رؤية المخرج كفريق واحد ومن خلال هذه الرؤية اضافة لتجاربنا السابقة تولدت لدينا فكرة ان القيام بهذا العرض معاناة كبيرة لذا حاولنا القيام بكل ما نستطيع للتأثير على المشاهد. فكل مشهد لوحة تعبيرية تجريدية مكررة ومن حق المخرج التلاعب بكل التقنيات المسرحية حتى التي لم تكتشف وبرغم عدم فهم الوفود الاجنبية للغة الا انهم تفاعلوا مع العرض حتى اطلق عليه الاستاذ الدكتور عبد الرحمن العرنوس باكاديمية الفنون بمصر انه عرض لذوي الاحتياجات الخاصة قاصداً ان الاعمى والاصم يمكنه الاستمتاع بالجزء الذي يشاهده او يسمعه من العرض. ويختتم الدكتور حسن النعمي الندوة بحديثه عن التجريب قائلاً: انه مسألة نسبية فما تراه تجريبياً قد لا اراه كذلك والعكس ولذا فان الافراط في معنى التجريب ومعادلته هي علاقة وعمل غير صحيحين وانما في الحقيقة علاقة تفاعل لو وجدت خط تفاعل مع عمل اما لو افتقدت التفاعل فانك لن تفهم شيئاً وما افهمه انا قد لا يصلك انت وانما قد تتعامل مع العرض من منظورك الخاص فالمسرح رسالة والمجتمع السعودي يختلف طرحه من منطقة لاخرى وكذلك الحضور الجماهيري واملنا تحويل المسرح إلى طقس جماعي رغم انه غير موجود لدينا كما ان عروضنا مجانية ويكفينا شرف المحاولة لتقديم عروض مسرحية على مستوى يليق باسم المملكة.