«أين موقع المسرحي السعودي على خارطة المجتمع.. ما هو دوره المطلوب منه.. وهل يجد الدعم والمؤزارة من الجهات الثقافية.. وهل صحيح أن تواجد المسرح السعودي خارجيًا أفضل منه داخليًا؟».. هذه الأسئلة كانت المحور الرئيسي لنتعرّف على ماهية المسرح السعودي ودوره وأهدافه، من خلال آراء عدد من النقاد والمسرحيين، والذين جاءت إجاباتهم ل «الأربعاء» مؤكدةً الدور الإيجابي الذي أصبح يقدمه المسرح السعودي، والدعوة الجادة إلى الاهتمام به ودعمه. فعاليات ستؤدي لحركة فاعلة الدكتور الناقد يوسف العارف قال حول هذا الموضوع: أعتقد أن المسرح لدينا بدأ يتحرك بشكل جدي لإثبات وجوده، لكنه ثقافي آخذ في التنامي من خلال ورشة العمل المسرحي في جمعية الثقافة والفنون بالطائف والمسرحيات المكثفة في جمعية الفنون بجدة وما يقام من فعاليات أسبوعية وموسمية برعاية أمانة العاصمة الرياض، وهذه الفعاليات ستؤدي إلى قيام حركة مسرحية فاعلة ومتقدمة، لكن السؤال: أين العنصر البشري النسائي في هذا المسرح السعودي.. فهو عنصر غائب جدًا ولا يمكن نجاح أي مسرحية إلا بشروطها البشرية، وحتى الآن مجتمعنا لا يقبل هذه الفكرة إذ نحتاج إلى مراحل طويلة حتى يتفاعل المسرح السعودي! مسرح بلا شرعية اجتماعية ويقول الناقد الدكتور حسن النعمي: المسرح خطاب استثنائي في مجتمع لا بد أن يكون استثنائيًا حتى يتم صناعة مسرح جاد، ولا شك أن بعض مشكلات المسرح لدينا تكمن في عدم اكتسابه شرعية اجتماعية، فهو في نظر قطاعات اجتماعية مؤثرة لا يعدو أن يكون ترفًا أو هامشًا لا يفضي إلى شيء، وهنا تتأسّس رؤية غير مبالية بالمسرح وبدوره في تشكيل رؤية تعرّي الزيف وتقدم نقيضه، وبعد هذه الكلمات هل لدينا مسرح جاد؟.. المسرح يكتسب جدّيته على أكثر من صعيد، منها موضوعاته، ومنها الإيمان بدوره في التنوير، ومنها تفاعل المجتمع بمؤسساته الرسمية وغيرها في دعم قطاع المسرح.. نعم لدينا جهود مسرحية جادة فيما يُقدم من مسرح سواء في جمعيات جدة والطائف والدمام، حيث السعي دومًا إلى تقديم مسرح يليق بتطلعات المسرحيين في المملكة، وهناك كتّاب مسرح جادون مثل محمد العثيم وعبدالعزيز السماعيل، وهناك مخرجون جادون مثل شادي عاشور ومحمد الجفري وأحمد الأحمري، وهناك مسرحيات جادة مثل «البروفة الأخيرة» و«المحتكر» و«حكاية بيت»، هذا هو المسرح الجاد بالنسبة للمسرحيين والمتابعين للمسرح، فهل الأمر كذلك بالنسبة للمجتمع! المجتمع غير جاد في تعامله مع المسرح، لأنه غير واع بإمكانيات الحياة التي يقدمها المسرح، ومن هنا تتأسّس فرضية الغياب والحضور، غياب بالنسبة للمجتمع بمؤسساته الرسمية كالمدارس وبعض الجامعات والمعاهد التي يقع عليها عبء الدعم الأكاديمي والتقني للمسرح وبناء الكوادر المسرحية.، وأما الحضور بالنسبة للمسرحيين فهو حقيقة تحتاج كما قلنا إلى بنية تحتية واستقلالية مهنية، ومجال أكاديمي مؤثر في توجيه الطاقات المسرحية لدى الشباب. لا للأكاديميات أو المعاهد ويقول الممثل المسرحي وعضو جمعية المسرحيين السعوديين سامي صالح الزهراني: المسرح السعودي في جميع أشكاله كان ولا يزال صورة للواقع الاجتماعي، وهو بالفعل يخبو داخليًا ويزداد توهجًا خارجيًا لعدة أسباب مثل: قلة المهرجانات الداخلية التي تعتمد في تمويلها على جهات أخرى، كما أنه للأسف انفصل المسرح السعودي عن العديد من المهرجانات الثقافية مثل معارض الكتاب والمهرجانات السياحية والاحتفالات في جميع مدن المملكة، وأيضًا قلة الجهات الإنتاجية التي تدعم المسرح وعزوف العديد من الشركات كالاتصالات السعودية وسابك وأرامكو، لإنتاج الأعمال السعودية، ولو أسهموا بشكل أو بآخر لوجدنا موسمًا مسرحيًا منتظمًا سنويًا. ويضيف الزهراني: كما لا نستطيع أن نخفي أيضًا أن من ضمن أهم الأسباب عدم وجود بنية تحتية لممارسة العمل المسرحي فأغلب الفرق المسرحية التي يكون لديها مسرح نجده يفتقر لأقل الإمكانيات هذا إذا كان لديها مسرح ولا أخفيكم أن بعض الأخبار الصحفية المسرحية أسميت هذه المسارح بأسماء مخجلة أعتقد أنها تنبئ بحالة هذه المسارح مثل: «مسرح الصبة- مسرح قصر الأفراح- مسرح الصندقة»، وإضافة إلى ذلك فإنه يجب أن يكون المسرح مشروعًا حكوميًا لكي يستطيع أن ينهض داخليًا، ولا يكفي أبدًا إنشاء جمعية للمسرحيين، بل يجب أن يكون هناك دعم لا محدود لجمعية المسرحيين السعوديين لكي تستطيع أن تقوم بدورها وكذلك دعم جميع الجهات المنتجة للمسرح من جمعيات الفنون بمختلف الفروع، وهناك الكثير ممن يطالبون بوجود أكاديمية مسرحية أو معهد للفنون المسرحية وأنا ضد هذا ولا أطالب بوجود أكاديميات أو معاهد إلا إذا توافرت الوظائف لخريجي هذه الأماكن وأما قبل ذلك فلا وألف لا. ورأى الزهراني أن ازدهار المسرح السعودي خارجيًا يعود لعدة أسباب منها: الاختيار الجيد لبعض العروض المشاركة في المهرجانات الخارجية التي تعكس تطور المسرح السعودي، وفعاليات الأيام الثقافية المقامة في الدول الخارجية والتي أضافت للمسرح السعودي رونقًا آخر، والدعم المالي الجيد من مكافآت للفرق المسرحية مما أسهم في وجود تنافس بين الفرق المسرحية لتمثيل المملكة خارجيًا، ولا ننسى اختلاف النظرة بالنسبة للمسرح السعودي خارجيًا حيث لم يعد بالمسرح الناشئ أو الوليد أو القاصر بل أصبح ينافس في العديد من المهرجانات. ثقافة مجتمع لا ثقافة نخبة المسرحي الدكتور سامي الجمعان يقول: كثيرًا ما نظلم المسرح السعودي بإطلاق الأحكام المتسرعة عليه، فحصر التجربة المسرحية السعودية في مهرجان الجنادرية (رغم أهميته) أو ما تقدمه جمعية المسرحيين، فيه تجنّ كبير على منجز مسرحنا، نعم.. المسرح السعودي حاضر وموجود ومتفانٍ ولكن على المستوى النخبوي والذي ينقصه بحق التحرك باتجاه الفاعلية المجتمعية، أي محاولة الحضور بصفته ثقافة مجتمع لا ثقافة نخبة هم المسرحيون أنفسهم، وهذا يقودنا إلى وجود هوة كبيرة وشاسعة بين المجتمع والفعل المسرحي، إذا ما استطاع المسرحيون ردمها تمكنوا حينها من تحريك الجمود ولكن كيف يمكنهم فعل ذلك؟.. أرى أن هذا الأمر يتأتى وفق آلية محددة المعالم وهي أن وجود الشرعية الداعمة التي تتبنى للمسرح خطة استراتيجية واضحة الرؤى ليكون مشروعًا مؤسساتيًا مقنن الخطوات، وحين تقول لي جمعية الفنون تلعب هذا الدور، أرد عليك بقولي إن ما يحدث في الجمعية جهود فروع وأفراد أما المركز الرئيسي بالرياض فلا يعمل وفق خطة تنموية مدروسة للمسرح أو لغيره البتة، ما يفعله هو توزيع الحصة المالية سنويًا على الفروع ويدعها تفعل كيفما تشاء، بل يسعدهم أن لا تنفّذ بعضًا من أنشطتك المسرحية، ناهيك عن الميزانية البائسة التي لا تتجاوز للعرض المسرحي متوسط الثلاثين ألف ريال، ولذا اؤكد أن وضع جمعية الثقافة والفنون حاليًا يزداد سوءا لوجود حالة تنظير جارفة تفتقد إلى الإمكانات والفعل الحقيقي، وأما الجهد المسرحي الذي تراه فهو اجتهادات وتضحيات مصدرها أعضاء الفروع المؤمنين بقضية المسرح والمتفانين حقا، وجمعية الفنون مثال على ما أقوله بافتقاد حركتنا المسرحية للمشرع والمتبني لها وقس على ذلك باقي المؤسسات المعنية بالمسرح، فجمعية المسرحيين على سبيل المثال تعيش في لحظة حرجة كونها مخولة بمثل هذا الدور إلا أنها تفتقد للدعم والحضور المؤثر رغم ما بُذل في هذا الاتجاه من جهود طيبة، فإذن الجهود حاضرة ولكنها تفتقد عاملين: جهة تتبنى المسرح فعليًا وترعاه واقعيًا ثم كسر ذلك الحاجز العتيد بين فكرة المسرح والمجتمع لا سيما في فئة المتوجسّين منه. إعادة لائحة جمعية المسرحيين ويقول المخرج المسرحي عبدالهادي القرني: فى العشر سنوات الأخيرة، ومن يتابع المسرح بشكل دقيق، أصبح الحضور المسرحي متواجدًا وبشكل جيد، وخصوصًا فى بعض مناطق المملكه وعلى مدار العام، وتوفر للمسرح الاعتراف الرسمي من خلال إنشاء جمعية المسرحيين السعوديين، ولسوء الحظ بدلًا من أن تكون هذه الجمعية لبنة أساسية في المسرح السعودي من حيث تنظيم المسرح بشكل أفضل مما هو موجود، أصبحت هذه الجمعية حجر عثرة أمام أي محاولة من قبل المسرحيين في إثبات تواجد المسرح بشكل أفضل، فوقفت اللائحة الأساسية أمام أي تحرّك مسرحي، بالإضافة إلى عدم قدرة مجلس الإدارة على التغيير والتبديل في هذه اللائحة بما يتناسب مع تواجد المسرح الجيد فى مناطق المملكه، والإعلام لم يكن سندًا جيدًا، فأصبح يُمرر الاختلافات بين المسرحيين من خلال التصريحات المتبادله، فظهر المسرح وكأنه هامش على الوسط الثقافي والإبداعي، ولم تُحاول جمعية المسرحيين السعوديين أن تتدخل بل أحيانًا كثيرة يكون لها اليد الطُولي فى مهاجمة الجهات التى تدعم المسرح، والأكيد أن المسؤول في أي جهة عندما يجد هجومًا غيرر مُبرر فسوف يُوقف دعمه اللوجستي والمادي للمسرح لأنه لم يجد العون من المسرحيين أنفسهم، وحتى يعود المسرح إلى المكانة الصحيحة التى يهدف إليها المسرحيون يجب أولًا أن يُعاد النظر في لائحة جمعية المسرحيين السعوديين وأن يتم التعريف بها بشكل صحيح عند مختلف المؤسسات الحكومية والأهلية، بمعنى ترتيب البيت المسرحي، ولا بد أن يتفق المسرحيون قبل كل ذلك على أهمية المسرح من خلال تقديم مصلحة المسرح على المصالح الشخصية بالدرجة الأولى. البنية التحتية غير موجودة فهد ردة الحارثي الكاتب المسرحي قال: ظروف المسرح لدينا هي ما يدفع نحو هذا الاتجاه، فهو موجود ومتواجد ولكنه يتحيّن الفرص ليظهر، لأن البنية التحتية التي تقدمه غير موجودة، فببساطة أين يمكن أن تعرض عملًا مسرحيًا مستديما ويشكّل وعيًا جماهيريًا بوجود هذا المسرح الفاعل والمتفاعل؟! فالعمل المسرحي مُكلف ويحتاج للدعم المادي ويحتاج للمكان الذي يقام عليه ويُعرض للناس ويقدم لهم من خلاله نفسه، ولذلك تجد العروض المسرحية لدينا عروض مناسبات مهرجان هنا أو هناك تتجمّع فيها العروض لتقدم نفسها ثم تعود لمنطقتها ومدينتها لتجد نفسها خارج الإطار لأن مكان العرض غير متوفر والدعم المطلوب غير موجود، ولذلك سيظل المسرح لدينا مرتبطًا بالمناسبات التي يستطيع أن يقدم فيها نفسه، ولقد نادينا مرات ومرات بضرورة أن يكون لدينا مشروع بناء مراكز ثقافية ولكن ظل هذا المشروع مجرد أوراق في انتظار من يؤمن بالمشروع ويقدم للمجتمع المشروع الذي ظل يحلم به طويلًا، وبالتالي فإن طرح مثل هذا السؤال لا يمكن أن يجيب عليه المسرحيون لأنهم يملكون الإجابة ولكنهم لا يملكون الحل، فالحل مشروع يجب أن تتبناه وزارة الثقافة والإعلام، وعندها فقط يمكن أن تجد الحل لسؤالك وتجد المسرح موجودًا طوال العام لأنه سيجد البيت الذي يعيش فيه ويتنفس من خلاله.