يقدم المعبر الحدودي الأردني العراقي عند منطقة كرامة ما كان العراقيون يتوقون إليه منذ انتهاء الحرب واحتلال بلادهم.. فثمة إحساس بسيط بعودة الحياة إلى طبيعتها في هذا المكان الذي يحتضن الصحراء حيث نزل الجنود الامريكيون إلى حد كبير عن سلطاتهم الرقابية إلى العراقيين وعادت إجراءات الجمارك إلى ما كانت عليه تقريبا قبل الحرب. ولن يقابل المسافرون بعد الآن أيا من موظفي حزب البعث العراقي السابقين في زيهم التقليدي ووجوههم التي تشي بآثار النعمة وهم يحتسون أكواب الشاي. غير أن نظام البقشيش والرشاوي القديم عاود الظهور بشكل جيد في المنطقة ويكاد يعمل بنفس السلاسة التي كان يعمل بها في عهد صدام. يصيح سائق أجرة يعمل على خط طويل في وجه أحد رجال الجمارك قائلا: "بإمكاني بنظرة في وجهك أن أعرف كم أنت إنسان طيب". ويجيب الضابط القصير القوي البنية وهو في نحو الاربعين من العمر وهو يتصبب عرقا في درجة حرارة بلغت 42 درجة بهدوء إن عملية تفتيش السيارة تتطلب الوقوف في طابور الانتظار لمدة أربعين دقيقة على الاقل الامر الذي يمكن تجنبه بسهولة بدفع خمسة دولارات أمريكية فقط لاغير. لكن الجنديين الامريكيين الشابين اللذين يرقبان الموقف من على بعد 15 مترا يلحظان الدولارات وهي تنتقل من يد إلى يد حيث تبادل السائق والحارس القبلات الاخوية على الطريقة العراقية المعروفة. بل ان السائق الاردني الذي يقوم بالرحلة من عمان إلى بغداد والعكس ثلاث مرات أسبوعيا يعرف موظف الجمارك من الايام الخوالي.. ويقول انه إنما عاد للعمل هنا مرة أخرى فقد كان يعمل هنا أيام صدام. ومنذ سقوط النظام القديم صارت عملية التفتيش عند هذه النقطة الحدودية أيسر قليلا بالنسبة للعدد القليل من الاجانب الذين يعبرونها إلى العراق ومعظم هؤلاء من الصحفيين أو أعضاء منظمات إغاثة. ولم يعد هؤلاء بحاجة إلى إجراء اختبارات إجبارية للكشف عن الايدز الذي كان موظفو صدام يتقاضون 50 دولارا عليه. واختفى أيضا ما كان يطلق عليه (خط الانابيب المتحرك) المكون من آلاف الشاحنات التي كانت تزود الاردن بالنفط والتي كانت تعود للعراق بمشتقات النفط. وبدلا من ذلك فإن الشاحنات ذات المقطورة وسيارات النقل الضخمة صارت تحمل كل شيء الآن بداية من السيارات المستعملة إلى الطعام من الاردن إلى العراق. كما عادت أعداد المسافرين الاردنيينوالعراقيين إلى سابق عهدها تقريبا قبل الحرب. وبينما يتدفق العراقيون على الحدود الاردنية بلا قيود فإن الاردنيين يرفضون السماح لبعضهم بعبور الحدود. وكانت هذه القيود قائمة أيضا قبل التفجير الذي دمر السفارة الاردنية في بغداد في 7 أغسطس الماضي.. بيد أن المسئولين الاردنيين يغضون الطرف أحيانا على نحو ما حدث مؤخرا عندما حاولت أم مسنة لعراقي يقيم في الاردن دخول البلاد. ويتذكر السائق الذي نقل السيدة عبر الحدود كان جواز سفرها صادرا من حي الثورة الشيعي في بغداد والذي كان يطلق عليه مدينة صدام وكان مزورا بطريقة فاضحة. كان لون كل صفحة من صفحاته يختلف عن لون الصفحة الاخرى. ولان العراق ليست به مصلحة جوازات بعد فإن المترددين على المزورين في الاحياء الفقيرة لم يعودوا من المجرمين فحسب بل أيضا من المواطنين العراقيين العاديين. ويمكن الحصول على جواز سفر جديد لقاء نحو 130 يورو (144 دولارا).