ناهز عمر أحمد محمد العويشي 80 عاما، منذ طفولته ارتبط بمهنة صنع الأقفاص، التي تعلمها من والده، ولم يفلح في جعل أولاده يمتهنونها، رغم أنهم تعلموا منه أسرارها. هذه المهنة لم تكن فقط مصدر رزق العويشي، بل كانت البوابة التي جعلته يطوف عدة دول في العالم، ليعرض فيها إنتاجه، من أقفاص الدجاج والتمور وأسرة الأطفال. العويشي الذي أرغمه والده على الزواج في المرة الأولى تزوج من أخرى، ولديه من الأولاد7 أبناء و6 بنات. في منزله بقرية البطالية التقيناه وكان هذا الحوار: @ هل تذكر شيئا من الطفولة يراودك دائما؟ الطفولة أجمل مراحل الإنسان، فما بالك إذا كانت في ربوع الأحساء، وأنا لست ضد العمران والتطور، ولكن جمال الطبيعة التي كانت عليها الأحساء سابقا كان شيئاً مميزاً، اليوم يأخذني الحنين لذكراها، وهذا أجمل شيء أتذكره.. الطبيعة. آثارنا نسيناها فاندثرت @ تذكر بعض الأماكن الأثرية في قرية البطالية؟ الأماكن في القرية كثيرة، خاصة وأنها شهدت معارك عدة بين رؤساء القبائل قديما، وآثار القرية معروفة لدى الجميع، أبرزها عين الجوهرية والمسجد الجامع، وعين الجمة، ومبنى يعتقد أجدادنا انه كان مكاناً تقليدياً للراحة، والتل الأثري (قصر قريمط)، وهو حاليا مدرسة يدرس بها الأولاد، وأكثر الآثار بالقرب من حي الرابية. وأنا أتمنى من الأهل تعليم أولادهم الآثار، حتى لا تنسى الأجيال القادمة تلك الأماكن، التي تمثل أصالة البلد واصالة أهله. غُصبت على الزواج @ في أي سن تزوجت؟ لا أتذكر، ولكنني كنت صبيا في بداية المراهقة، ووالدي (رحمه الله) زوجني، وأنا كنت رافضاَ بشدة، حيث ان والدي كان يريد الفرح بزفافي. وأنا كنت ضد الزواج من هذا النوع، لأن الشاب يحتاج إلى أن يطور نفسه ذهنيا وماديا، والفتاة في المقابل يجب أن تكون ناضجة، تتحمل الحياة الزوجية. ولكنني أيضا ضد غلاء المهور اليوم، وأهلنا في السابق كانوا يسهلون الزواج، وهذه الأيام للأسف طاف على الكثير من الفتيات الزواج، بسبب تعنت أهاليهن. القفاصة ارثي من والدي @ ما الصنعة والحرفة التي عملت بها؟ لم أزاول ولا صنعة أو حرفة غير القفاصة، التي ورثتها عن والدي (رحمه الله)، حيث كنت اجلس بالقرب منه، وادقق النظر في حركاته وبسطه وقبضه، حتى أصبحت أجيد هذه الحرفة، التي تعتمد في صناعتها على سعف النخيل، كما أن أكثر أبناء عمومتي لديهم نفس الحرفة، وهم يزاولونها إلى اليوم، ولقد عشقت هذه الحرف، وعملت بها باحتراف، مما جعلني معروفا ومشهورا عند أهالي الأحساء سواء في القرى والمدن. السوق لم يعد جيدا @ أين كنت تعرض اعمالك الحرفية؟ في السابق قبل أن تكثر المواصلات كنت اذهب إلى المبرز مشيا على الأقدام، واحمل ما اصنعه على رأسي، واعرضه على الزبائن في السوق المشهور آنذاك، أما بعض أعمالي الحرفية فأنا اعمل أسرة نوم لعريسين بالطلب، وهو أصعب شيء و(منزل) للطفل الرضيع، وأيضا كثير ما يأخذ منا أصحاب الدجاج والطيور ما نسميه (مكبات) و(قفاصة) لوضع التمر فيها، وهناك العديد من الأعمال، أما الآن فالسوق أصبح فاتراً، ولا يرحب بهذه الحرفة كثيرا، والمبيعات أصبحت قليلة، أما استمراري فيها فلأنني تعودت عليها. تعلم القفاصة وأصبح سباكا @ هل ورثوا حرفة القفاصة منك؟ من الطبيعي أن يتأثر الأبناء بوالدهم، ولكن الذي حصل أن أولادي بعدما تعلموا وصاروا يزاولون العمل في هذه الحرفة رأوا أنها لا تجلب لقمة العيش، وان عليهم أن يبحثوا عن عمل يضمن لهم حياة كريمة، وأصبحت وحدي اعمل فيها، بالإضافة إلى أن احد أبنائي مازال يساعدني فيها بعدما كبرت في العمر، والآن كل واحد من أولادي لديه عمله، وهم في خير ونعمة، والغريب في الموضوع أن يكون احد أبنائي سباكاً، وأيضا أحفادي مثله، مع العلم انه تعلم الصنعة، ولكنه ورث لأبنائه غيرها، وقد أجادها وأجادها حتى أبنائه. من ربع ريال حتى المائة @ هل تربح الكثير من هذه الصنعة؟ السوق الآن كما قلت لك فتر، ولكن كنت في السابق لا أقف من زحمة الزبائن، حتى أن بعض الأجانب من الأمريكيين والبريطانيين كانوا يأتون إلى القرية ليشتروا أو للفرجة أحيانا، أما عن الربح فأقل الأعمال جهدا تصل قيمتها إلى 20 ريالاً، وبعضها 100 ريال، وكنت في السابق ابيعها بربع ريال. حرفتي قادتني لشهرة @ كيف وصلت إلى المعارض؟ تردد الكثير من الأجانب عليّ وأيضا بعض المسؤولين والمهتمين بالحرف اليدوية سمعوا عني، عن طريق ما، وعرضوا عليّ أن أشارك في احد معارض الجنادريةبالرياض، التي تعنى بالحرف والحرفيين في أنحاء المملكة، وطوال تلك الأعوام شاركت فيها، وأصبحت من المعروفين، حيث كان التلفزيون السعودي يبث صورنا أنا وزملائي الحرفيين، كما أنهم يأتون إلى مكان عملي ويأخذون بعض اللقطات. وقد انقطعت في العامين السابقين عن الجنادرية، وحل محلي فاضل اصغر أولادي. أيضا من المعارض التي شاركت فيها معرض أقيم في الدمام والخبر، وهنا في الأحساء. زرت دولا عربية وأجنبية @ هل شاركت في معارض خارج المملكة؟ كثير، ولست وحدي، فهناك اثنان من قرى أخرى شاركنا في معرض بالكويت وقطر وأبو ظبي، واذكر أن المملكة شاركت في معرض في مصر، واستبعدنا نحن الحرفيين، لأن جمهورية مصر لديها حرفيون كثر على شاكلتنا، أيضا شاركنا في إحد معارض فرنساوأمريكا وكندا وأسبانيا، وكل مكان كنا نقضي فيه ما يقل عن 17 يوما، أيضا اذكر أننا ذهبنا إلى أمريكا وبقينا فيها شهرين متتالين، حيث كنا نذهب من ولاية إلى ولاية لعرض حرفنا في معارضهم، ضمن معارض (المملكة بين الأمس واليوم)، التي كان يرعاها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض. عمل وسياحة @ كيف كانت الرحلات إلى الدول الأجنبية كتجربة جديدة عليك؟ يتمنى الكثيرون زيارة هذه الدول، للتعرف على حياة الناس فيها وطبيعتهم التي تبهرك أحيانا، وطبعا السفر إليها مكلف، وكنت أنا محظوظ بالسفر إليها، حيث كان المسئولون عنا في تلك الرحلات يوفرون لنا الراحة، وكانوا أيضا يأخذوننا في جولة تفقدية على الأماكن المعروفة، والحكومة كانت تكافئنا قبل الرحلة وبعد العودة، وكانوا يهدونا رحلات عائلية مجانية إلى تلك الأماكن، ويشمل ذلك كل شيء، من التذاكر إلى السكن والمأكل. يندهشون من حرفتي @ هل تختلف المعارض في الدول الأجنبية عن العربية؟ الغرب لديهم إدراك وتقدير أكثر من العرب بالحرف والآثار، وهم يهتمون كثيرا بها، لذلك تجدهم يحملون كاميرات التصوير دائما، حتى لا يفوتون مشهدا قد يكون مهماً في المستقبل، ومن مشاركتي في المعارض الأجنبية رأيت أن الأجنبي لديه فضول غير طبيعي في معرفة الصنعة، ودائما يسألون المترجم الذي يصاحبنا عن الحرف التي نعمل بها. وأحيانا تجدهم فاغرين أفواههم من الدهشة والإعجاب لما نصنعه. يعرض منتجاته في أحد الأسواق يجهز سعف النخيل لصنع الأقفاص