مع مطلع عام 2003م شهدت اسعار النفط المرتفعة اصلا استمرارا في الارتفاع، حيث كان من اهم اسباب ذلك الاستمرار الاضطراب في صادرات النفط من فنزويلا، وتأثير الوضع في العراق على اسعار النفط. وفي هذا الاطار فقد أشارت توقعات بعض المحللين الاقتصاديين الى أن نمو تجارة النفط في دول مجلس التعاون الخليجي سيكون معتدلا خلال العام الحالي 2003 وسيكون مرهونا بالدرجة الاولى بالوضع السياسي في المنطقة بما فيه التطورات الجارية في العراق وعملية السلام في الشرق الاوسط. وأظهر التقرير الذي أعدته اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "الاسكوا" إن هذا الوضع سيؤثر على توقعات مستثمري القطاع الخاص للمخاطر، وعلى الاستثمارات العامة، وتطورات قطاع النفط. وحدد خط القاعدة الخاص بمتوسط سعر السلة للنفط الخام لدى اوبك، الذي تستند اليه توقعات النمو لعام 2003، بمبلغ 26 دولارا للبرميل حيث من المتوقع أن تزداد ايرادات النفط في عام 2003 لانه يحتمل أن تزداد حصص انتاج اوبك وترتفع اسعار النفط، في حين يتوقع أن تهبط الاستثمارات كثيرا نتيجة للوضع السياسي. كما أخذت في الاعتبار ايضا الآثار الثانوية السلبية التي ستترتب على النشاط الاقتصادي في جميع انحاء المنطقة نتيجة للنزاع العسكري في العراق،ولا يزال من المهم التأكيد على امكان الاحتياج الى اعادة النظر في توقعات النمو باتجاه تنازلي، ولاسيما بالنسبة الى الاقتصادات الاكثر تنوعا، وذلك اذا استمرت او ازدادت التوترات في المنطقة. وانطلاقا من هذا التخوف، فقد أصبح من المتوقع أن يصل اجمالي النمو في منطقة الاسكوا الى 26. 3 في المائة في عام 2003، مع ارتفاع بسيط في المتوسط المنتظر بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي بحيث يصل الى93. 3%، بسبب الاداء القوي المرتقب لقطاعات النفط في تلك البلدان. ومن المتوقع ايضا أن يصل النمو في مجموعة البلدان ذات الاقتصادات الاكثر تنوعا الى 87. 1%. ولأن من غير المتوقع أن يتغير معدل نمو السكان في عام 2003 يرتقب أن تكون معدلات النمو الفردي ايجابية بعض الشيء. وينتظر أن تظل معدلات التضخم متدنية اجمالا في المنطقة كلها خلال عام 2003، رغم أن انخفاض قيمة الدولار ازاء اليورو قد يمارس ضغطا طفيفا، باتجاه التزايد، على اسعار السلع المستوردة، وقد يزداد التضخم في مصر، اثر انخفاض قيمة عملتها في اوائل عام 2003، حين سمح بتعويم الجنيه المصري. اما التوقعات الخاصة بالبطالة فهي غير مشجعة، لأن نمو القوى العاملة لا يزال يتجاوز نمو الاقتصاد. وللاسباب نفسها تقريبا، لا يتوقع احراز تقدم نحو الهدف الانمائي للالفية الذي يتمثل في تخفيف حدة الفقر خلال عام 2003. ومن المتوقع ايضا أن يتدهور الوضع المالي للاقتصادات الاكثر تنوعا، مع أن ارتفاع ايرادات النفط في بلدان مجلس التعاون الخليجي قد تساهم في خفض العجز المالي في هذا الجزء في منطقة الاسكوا. ومن المنتظر أن يكون نشاط اسواق رأس المال والبنوك بطيئا بسبب توقع اشتداد المخاطر. ويرتقب أن تنمو التجارة، بما فيها تجارة النفط، نموا معتدلا في عام 2003، بسبب التحسن المتوقع لأداء قطاعات النفط وللآثار الايجابية التي ستشهدها مداخيل البلدان المصدرة للنفط، وفي الوقت نفسه، يتوقع حصول هبوط كبير في انشطة التجارة البينية وفي تدفقات الاستثمار الاجنبي المباشر، كنتيجة مباشرة للنزاع في العراق. ويدل ضعف النمو الذي شهدته منطقة الاسكوا مؤخرا على بطء معدل التوسع في القدرة الانتاجية الراهنة. الا أن الاستمرار في انخفاض المعدلات خلال عقدين من الزمن يوضح وجود مشكلة اعمق بكثير يعانيها الاطار المؤسسي وتمنع تحقيق توسع متتابع وقوي في تراكم رؤوس المال. واذا لم يحصل تغيير اساسي في الهيكل المؤسسي، يدعم العملية التي ترد بها الموارد الى المنطقة، فان المعدل البطىء لتراكم رؤوس المال قد يظل دون تغيير. كذلك يبقى الامن طويل الاجل، ووجود الية استثمار تعزز السوق، عنصرين اساسيين لتشجيع ازدياد النمو في الاقتصادات منطقة الاسكوا. ولا تزال معدلات النمو في منطقة الاسكوا اكثر تقلبا منها في اي مكان آخر في العالم، بسبب الاعتماد الشديد على اسواق النفط الدولية وبسبب عدم الاستقرار السياسي. فمن الملائم اذن الاستمرار في التوصية بزيادة التنويع في منأى عن النفط. ويضاف الى ذلك أن ازدياد التكامل بين اسواق المال ورؤوس الاموال والسلع داخل منطقة الاسكوا يمكن أن يكمل جهود التنويع، وحتى أن يفوق في الحدة تقلبات الدخل بين الاقتصادات السريعة التحول المعتمدة على النفط، من جهة، والاقتصادات الاكثر تنوعا في المنطقة، من جهة ثانية، وأن يعزز قدرة منطقة الاسكوا على التكيف، مستقبلا، مع الصدمات المالية والصدمات الحقيقية، كما أن من شأن التكامل الاقليمي، اجمالا، أن يؤمن لمنطقة الاسكوا منطلقا مشتركا الى مواجهة تحديات التكامل مع الاقتصاد العالمي. ويظل تعزيز التجارة البينية مفتاح النجاح في تنويع المنتجات المصدرة من المنطقة وتثبيت العجز الخارجي لمجموعة بلدان الاسكوا ذات الموازين التجارية السلبية. وعلاوة على ازالة الحواجز الجمركية وغير الجمركية التي تقف في وجه التجارة، والى الاصلاحات التنظيمية للأسواق المالية واسواق رأس المال، يعتبر الاستقرار النقدي والانضباط المالي امرين اساسيين لتعزيز التكامل في هذه المنطقة. وينبغي النظر في امكان تعاون بلدان الاسكوا فيما بينها في مجال سياسات الاقتصاد الكلي بغية تحقيق هذه الغاية. وقد ساهم انعدام السياسات الاجتماعية المتكاملة في منطقة الاسكوا في زيادة الفقر والحرمان. لهذا يتعين على الحكومات تنمية القدرة على الاضطلاع بعمليات تقدير الاثر الاجتماعي لسياسات الاقتصاد الكلي وشمل الاهتمامات الاجتماعية وحقوق الانسان بصياغة هذه السياسات. وأن أهمية اعطاء وزن خاص لقضايا الفقر والبطالة في عملية صياغة السياسات هي امر غني عن البيان.