يرى البنك الدولي، في تقريرٍ له أن «اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بدأت تتعافى إلى جانب الاقتصاد العالمي، من آثار الأزمة المالية». ويتوقع البنك الدولي (على موقعه الإلكتروني) «أن يبلغ معدل النمو الاقتصادي في المنطقة 4.4 في المئة هذه السنة، مدفوعاً بزيادة إجمالي الإنفاق القومي والتأثير الإيجابي للطلب الخارجي. لكن وتيرة التعافي تتفاوت من بلد إلى آخر تبعاً لأوضاعها الأولية وشدّة تأثير الأزمة عبر القنوات الرئيسة الثلاث التي انتقلت من خلالها آثار أزمة المال العالمية إلى اقتصادات المنطقة، وهي القطاع المالي وسعر النفط وميزان المدفوعات، التي انعكست بدورها على تدفقات التجارة وتحويلات المغتربين والاستثمار الأجنبي المباشر». وتلعب بلدان مجلس التعاون الخليجي دوراً رائداً في انتعاش اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في ضوء انتعاش أسعار النفط من جهة، وتَحقيق استقرار القطاع المالي في بلدان المجلس من جهة أخرى. وتشير توقعات البنك الدولي «إلى أن معدل النمو فيها سيبلغ 4.4 في المئة، وهو تحسّن هائل نظراً إلى معدل النمو القريب من الصفر الذي شهدته عام 2009». وكانت هذه البلدان الأكثر تضرراًً من الأزمة، جراء الصدمة السلبية على معدلات التبادل التجاري التي صاحبها هبوط في أسعار النفط، فضلاً عن الهزة المالية التي زعزعت استقرار المصارف المحلية المثقلة أصلاً بالأعباء، وأدت إلى انفجار فقاعة العقارات. إلا أن الاحتياطات المتراكمة وغيرها من الأصول، مكّنت حكومات المنطقة من الاستجابة السريعة في شكل حزمة محفزات على صعيد السياسات النقدية والمالية، ما حال دون تعرّض النمو للتباطؤ الأكثر عُمقاً، ودعم وتيرة انتعاش النمو. وتشير توقعات البنك الدولي «إلى أن انتعاش بلدان مجلس التعاون الخليجي سيكون له أثر إيجابي في البلدان الأخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من خلال ازدياد تدفقات تحويلات المغتربين والاستثمار الأجنبي المباشر. وعلى رغم أن أبعاد الأزمة المالية في دبي لا تزال قائمة، فإن عرض إعادة هيكلة ديون «مجموعة دبي العالمية» أسهم في زيادة الوضوح في شأن الآفاق الاقتصادية للإمارات العربية المتحدة». ويتوقع تقرير البنك أيضاً «أن يُساعد الإنفاق الجاري الضخم من المالية العامة من جانب أبو ظبي في تحقيق التعافي ومساندة «نهج مراكز الخدمات» لتعزيز التكامل والتنمية الاقتصادية». ويرى البنك الدولي أن الدول النامية المصدرة للنفط «تشعر بالانتعاش بفضل ارتفاع أسعار النفط، نتيجة لمحدودية اندماج قطاعاتها المصرفية في أسواق المال العالمية وأهمية النفط في سلة سلع صادراتها، ويتوقع أن تتسارع وتيرة معدل النمو الاقتصادي في البلدان النامية المصدرة للنفط في المنطقة إلى 4.2 في المئة هذه السنة في مقابل 2.2 في المئة العام الماضي». ولا يُتوقع «أن تشتد الضغوط التصاعدية الدافعة لرفع أسعار النفط بسبب الطاقة الإنتاجية الفائضة والزيادة المحدودة، إن لم تكن معدومة، في الطلب على النفط من ثلاثة مصادر هي: الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان. لكن لا يُمكن استبعاد حدوث ارتفاعات موقتة في الأسعار كرد فعل تجاه الصدمات غير المتوقعة خلال عامي 2010 –2011». وإدراكاً منها لقابلية تعرضها لآثار معاكسة، «أطلقت معظم البلدان المُصدرة للنفط برامج حفز وتنشيط مالي، أبعاد قدرتها على الاستجابة متفاوتة تبعاً للحيز المالي المتاح لديها». أما البلدان المستوردة للنفط، يقول التقرير، «فشعرت بوطأة الأزمة من خلال آثارها الجانبية على تدفقات التجارة وتحويلات العمال المغتربين والاستثمار الأجنبي المباشر، لذا يعتمد تعافيها الاقتصادي بصورة حاسمة على مدى تعافي الأسواق الرئيسة المتعاملة معها، وبخاصة بلدان الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي. ومن شأن ضعف الانتعاش المتوقع في منطقة اليورو أن يؤدي إلى تباطؤ معدلات النمو على المدى القريب، لا سيما النمو في البلدان ذات الصلات القوية بأسواق الاتحاد الأوروبي. ويتوقع أن يتباطأ النمو في البلدان المستوردة للنفط إلى 4.5 في المئة هذه السنة». وينتظر أن تستعيد التجارة نشاطها وحيويتها، إذ تشير التوقعات إلى ارتفاع إيرادات صادرات البلدان المستوردة للنفط 7.7 في المئة بعد انكماشها 13 في المئة العام الماضي. أما تدفقات تحويلات المغتربين، فيتوقع أن ترتفع 1.3 في المئة وإن كانت هذه الوتيرة أكثر تباطؤاً مما قبل نشوب الأزمة. ويشكل ارتفاع معدلات البطالة إحدى القضايا التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ سنوات طويلة، وأدت الأزمة إلى تفاقمها وإضعاف آفاق التحسن في المستقبل القريب. وعلى رغم أن تأثير الأزمة في معدلات البطالة الرسمية يكاد لا يُذكر في معظم بلدان المنطقة، فإن معدلات المشاركة في القوى العاملة، التي كانت منخفضة فعلياً مقارنة بمثيلتها لدى بلدان أخرى قبل اندلاع الأزمة، واصلت التراجع بحيث قرر العمال المحبطون الكف عن البحث عن وظائف في أسواق العمل الرسمية. إضافة إلى ذلك، تحجبُ إحصاءات العمل الإجمالية التأثير السلبي في قطاعات، فالعاملون في الصناعات التحويلية كانوا بصفة خاصة أكثر تعرضاً للآثار السلبية خلال الأزمة، على رغم التعويض عن فقدان الوظائف فيها بتأمين فرص عمل في قطاعات السلع والخدمات غير القابلة للتبادل التجاري. وتدل وفرة موارد النفط والغاز، والأيدي العاملة الشابّة والمتزايدة، والقوة الدافعة المتنامية للبحث عن سبل تنويع الاقتصاد، على ارتفاع إمكانات النمو في المنطقة. ولكن نجد أن بلدان المنطقة تواجه تحديات كبيرة وأطول أمداً.