وصف العالم المصري الدكتور زغلول النجار الملتقى الثقافي الاسبوعي الذي يقيمه السفير ابراهيم السعد البراهيم سفير خادم الحرمين بالقاهرة وعميد السلك الدبلوماسي العربي كل ثلاثاء، بأنه سنة مباركة ليلتقي من خلالها العلماء تحفهم الملائكة وتحيطهم السكينة ويذكرهم الله في الملأ الاعلى، وهي سنة تأتي في زمن يفتقر فيه الناس إلى مثل هذه اللقاءات المباركة.. جاء ذلك خلال حضور النجار لفعاليات الملتقى الثقافي الذي اقامه سفير خادم الحرمين بالقاهرة الاسبوع الماضي في اطار حرص معاليه على تقديم الجديد والمفيد من الموضوعات الادبية والثقافية والسياسية والاقتصادية. واكد النجار في مستهل حديثه على تعرض الاسلام لهجمة شرسة من كل اعداء الله الذين يحاولون بشتى الصور تشويه صورة هذا الدين الخاتم الذي ارتضاه سبحانه وتعالى لعباده. ومن هنا تأتي مسئولية كل مسلمة ومسلم قادر ان يدافع عن هذا الدين ولو بكلمة واحدة ليبذل ذلك، وربما ورقة تترك في مكان فيهدي الله بها قلباً حائراً. وقال النجار ان اعظم ما يمكن ان نقدمه في هذه الايام ان نثبت للناس أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق وان محمد صلى الله عليه وسلم هو النبي الخاتم وان ما جاء به من رسالة ليست من صناعته، لان ما جاء في القرآن الكريم معجز في كل امر من اموره وهو مخالف لكلام البشر وانه ليس بالشعر وليس بالنثر، ولكنه نمط فريد في الصياغة العربية، نزل يتحدى العرب وهم في قمم الفصاحة والبلاغة وحسن البيان لان يأتوا بمثله او بعشر سور مفتريات مثله او حتى بسورة واحدة مثله ومازال هذي التحدي قائماً منذ ما يزيد عن اربعة عشر قرناً من الزمان. واوضح النجار ان الدين الاسلامي يقوم على ركائز اربعة هي العقيدة والعبادة والاخلاق والمعاملات.. وبالنظر إلى العقيدة يتضح بأنها غيب مطلق لا يمكن للانسان ان يصل فيها إلى تصور صحيح بغير هداية ربانية ومن ثم ففي هذا المجال مطالب العبد بالايمان بالله رغم ان الحواس لا تدركه، ومطالبون بالايمان بالملائكة رغم انه لا توجد لدينا وسيلة مادية نستطيع ان نثبت او ننفي بها وجود الملائكة، مطالبون بالايمان بسلسلة طويلة من الانبياء والمرسلين، التي اخبرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم بأن الله قد منّ علينا ب 120 الف نبي، وقد نخير منهم ربنا سبحانه وتعالى واصطفى من هذا العدد الكبير حوالي ثلاثمائة وبضعة عشر رسولاً، علماً بأنه لا يوجد بين ايدي الناس هذا الكم الهائل من الرسالات السماوية فقد ضاعت كلها وحرفت وغيرت ولم يرو لنا التاريخ شيئاً عن هؤلاء الانبياء والمرسلين، ولولا ان القرآن العظيم قد اخبرنا عن نفر منهم ما كان امام الانسان من وسيلة لنفي او اثبات وجود هذه السلسلة من الانبياء والمرسلين ايضاً فنحن مطالبون بالايمان بالبعث بعد الموت وبالعرض الاكبر امام الله سبحانه وتعالى وبالحساب والميزان وبالصراط، وبالخلود في حياة قادمة اما في الجنة ابداً او اعاذنا الله في النار ابداً وذلك كما اخبرنا الصادق الامين صلى الله عليه وسلم بأنها امور غيبية لا سبيل امام الانسان للوصول فيها إلى تصور صحيح بغير هداية ربانية.. اما الركيزة الثانية للدين فهي العبادة، والتي تعني وفقاً لمفهومها اللغوي، قمة الخضوع لله بالطاعة ولا توجد طاعة بغير اوامر فاذا لم يتلق الانسان بيانا من الله، أي بياناً ربانياً خالصاً لا يداخله ادنى قدر من التصورات البشرية، حيث لا مجال للابتداع في امر الدين، وهو ما حذر منه الرسول الامين صلى الله عليه وسلم الذي قال من احدث في امرنا هذا ما ليس منه فيه فهو رد.. وقال عليه افضل الصلاة والسلام "صلوا كما رأيتموني اصلي" ومن هنا فالعبادة امور توقيفية لا بد للانسان فيها من تلقي اوامر الهية خالصة لا يداخله أي قدر من التصورات البشرية. اما الركيزة الثالثة للدين فهي الاخلاق ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ساوى بين الدين وحسن الخلق، ونفى عن صاحب الخلق السيء ان يكون صاحب دين مهما صلى وصام وحج واعتمر، ولذلك واشار النجار بأنه رغم ان الله سبحانه وتعالى قد فطر الناس كل الناس على حب مكارم الاخلاق الا ان هذه الفطرة لا يمكن ان تكون كافية لعون الانسان ليضع لنفسه بنفسه دستوراً اخلاقياً.. حيث ان الدستور الاخلاقي اذا ترك لصياغة الناس فاما ان يجعلوه ضيقاً حرجاً لا تطيقه القدرة الانسانية او واسعاً فضفاضاً تضيع في ساحته كل قدرة اخلاقية.. اما الركيزة الرابعة للدين فهي المعاملات وان فقه المعاملات اوسع ابواب الفقه على الاطلاق لان المعاملات تقتضي حقوق الآخرين، وربنا تبارك وتعالى قادر على ان يعفو عمن يشاء من عباده اذا قصر في حق من حقوق الله، اما حقوق العباد فهي مقدسة عند رب العباد، اما ان تقضي في هذ الدنيا واما ان تسد في الآخرة ولا يملك الانسان في الآخرة الا حسناته ومن المستبعد تخيل عاقل يتخلى عن حسنة واحدة من حسناته في يوم الفزع الاكبر كما وصف ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم. ولم ينس النجار أن يذكر المجمع ببعض القضايا التي جاءت في كتاب الله جل شانه وبهرت الناس في العالم غربه وشرقه.. في قوله سبحانه وتعالى "والبحر المسجور" وتعجب العرب ما المقصود بذلك النار والماء من الاضداد.. فالماء يطفئ النيران.. والنيران بدورها تبخر الماء.. فكيف يتعايشان مع بعضهما دون ان يلغي احدهما الآخر.. ولما لم يستطع العقل الانساني قبل اربعة عشر قرناً من الزمان ان يتخيل امكانية ان يكون البحر مسجوراً قال العلماء لنبحث عن معنى لسجر غير اوقد على شيء حتى احماه.. فوجدوا معاني سجر ملأ وكف.. فقالوا البحر المسجور أي المملوء بالماء والمكفوف عن اليابسة، وهذا صحيح لان من ابلغ آيات الله في الكون، ان ربنا تبارك وتعالى حجز كما هائلا من الماء على ارض اليابسة على هيئة سهل هائل من الجليد فوق قطبي الارض فسمك الجليد في القطب الجنوبي يتجاوز 4 كم، وفي الشمال 380 م ويتوقع العلماء بأن هذا الجليد لو قدر له ان ينصهر، ويتحقق هذا بارتفاع في درجة حرارة صيف هذه المناطق حوالي 4 - 5 درجات مئوية فان هذا سيرفع منسوب الماء في البحار والمحيطات اكثر من 100 م ولنا ان نتخيل اذا اصبحنا بين يوم وليلة وقد ارتفعت البحار والمحيطات بمعدل 100م مما سيغرق الدنيا.. وظل هذا التفسير قائماً حتى بعد الحرب العالمية الثانية عندما اكتشف العلماء مجموعة من السلاسل الجبيلة ذات الصخور النارية في اواسط البحار تفوق في ارتفاعها احياناً اعلى المرتفعات على اليابسة، وكانت دهشة العلماء من مصدر النيران، إلى ان وصلوا لصدوع عميقة في اواسط هذه السلاسل الجبلية تتراوح في اعماقها ما بين 65 كم إلى 150 كم وهي تخترق الغلاف الصخري لتصل إلى ما يطلق عليه العلماء بطاق الضعف الارضي، حيث تكون فيه الصخور لينة وشبه منصهره وعالية الكثافة واللزوجة بدرجات حرارة تتعدى 200 درجة مئوية وتندفع هذه الصهارة بملايين الاطنان في كل لحظة لتدفع جانبي المحيط يميناً ويساراً في ظاهرة يطلق عليها العلماء ظاهرة اتساع قيعان البحار والمحيطات.. وتعجب العلماء من هذه الحقيقة الكونية المبهرة بأن كل محيطات الارض بما فيها المتجمد الشمالي والجنوبي قيعانها مسجرة تسجيراً حقيقياً بالنيران، حيث تندفع هذه الحمم وهذه الصهارة بدرجات حرارة تتعدى 1200 درجة مئوية فلا الماء يستطيع ان يطفئ هذه النيران ولا النيران على شدتها تستطيع ان تبخر هذا الماء، ليبقى اللقاء بين الاضداد فوق قيعان كل بحار ومحيطات الارض آية من آيات الله الخالق. فتبارك الله احسن الخالقين .