أكد الدكتور زغلول النجار عضو الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة أن الإعجاز في كل من دخل إلى الحرم المكي صار آمنا على نفسه، مطمئنا على ماله، مشيرا إلى أن ذلك كان سائدا حتى في زمن الجاهلية، وكان من بقايا إجلال الناس لهذا المكان الذي حرمه الله تعالى يوم خلق السماوات والأرض، أما اليوم فمن اقترف جرما فيه من جرائم الحدود أقيم عليه الحد الشرعي. أوضح النجار أن الأمن في الحرم المكي ليس للإنسان فقط، بل هو أيضا لجميع الكائنات من حيوان ونبات وجماد، فقد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعضد شوكه أو أن يقلع حشيشه أو أن يقطع شجره الفطري أو أن ينفر صيده أو أن تلتقط لقطته إلا لمن أراد أن يعرف بها. الحيوان والأمن كيف يكون ذلك؟ لاحظ المراقبون أن الحيوانات الضارية لا تصطرع مع بعضها البعض، ولا مع غيرها في الحرم المكي، بل تخالط من الحيوانات ما تعودت عل افتراسه خارج حدود الحرم المكي، فإذا رأته في هذه البقعة المباركة لم تتعرض له بأذى، ويروي لنا التاريخ أن كل جبار قصد الحرم المكي بسوء أهلكه الله تعالى ولم يمكنه من تحقيق هدفه، وذلك من مثل ما حدث مع أصحاب الفيل، وربنا تبارك وتعالى قد تعهد بحماية بيته العتيق وحرمه، فقال عز من قائل: (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم)، وتحقيقا لهذا الوعد الإلهي فإن العقوبة تعجل لكل من انتهك حرمة في الحرم المكي، وتأكيدا على حماية رب العالمين لهذا الحرم الشريف، قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «الدجال يطوي الأرض كلها إلا مكة والمدينة»، وقال صلوات الله وسلامه عليه في يوم فتح مكة: «لا تغزي مكة بعد هذا اليوم أبدا». ومن الشواهد المادية على كرامة الحرم المكي توسطه من اليابسة، وانتفاء الانحراف المغناطيسي على مسار خط طول مكةالمكرمة، وحماية الله تعالى له من كل من الهزات الأرضية المدمرة والثورات البركانية العنيفة، على الرغم من قربه من خسوف البحر الأحمر. اليابسة والكعبة وبماذا توضحون قولكم أن مكان الكعبة هو بداية اليابسة على الأرض؟ اليابسة كلها نمت من تحت الكعبة المشرفة، وتفيد الأحداث الناتجة في دراسات علوم الأرض أن كوكبنا مر بمرحلة من تاريخه القديم غمر فيها بالماء غمرا كاملا، فاختفت اليابسة تماما، ثم فجر الله تعالى قاع هذا المحيط الغامر بثورة بركانية ظلت تلقي بحممها فوق قاع هذا المحيط الأول حتى تكونت سلسلة جبلية في وسطه تشبه ما يعرف اليوم باسم (حيود أواسط المحيطات)، وهي سلاسل من الصخور البركانية والرسوبية المختلطة، تجري بطول أواسط كل المحيطات الحالية، وتغذيها الأنشطة البركانية فوق قيعان المحيطات باستمرار، على فترات متبادلة من النشاط والهدوء حتى تظهر بعض قممها فوق مستوى سطح الماء في المحيط لتكون عددا من الجزر البركانية مثل كل من جزر هاواي، واليابان، والفلبين، وإندونيسيا وغيرها، والسلسلة الجبلية التي تكونت فوق قاع المحيط الأول الغامر للأرض ظلت تنمو بتواصل نشاطها البركاني حتى برزت أول قمة منها فوق مستوى سطح الماء فكانت أرض مكةالمكرمة، فأمر الله تعالى ملائكته ببناء الكعبة المشرفة على هذه القطعة الأولى من اليابسة، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كانت الكعبة خشعة على الماء فدحيت منها الأرض)، وقال عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم: (دحيت الأرض من مكة فمدها الله تعالى من تحتها فسميت أم القرى). أجمع المفسرون على أن الكعبة المشرفة هي أول بيت وضع في الأرض، وتعددت الروايات في تحديد من بنى هذا البيت العتيق.. ماذا تقولون؟. من الثابت قرآنا وسنة أن الملائكة بنته عند تمام خلق السماوات والأرض، وكانوا أول من طاف به، ثم تهدم البيت وأعيد بناؤه عدة مرات، إلى أن أمر الله تعالى أبا الأنبياء إبراهيم وولده إسماعيل على نبينا وعليهما أفضل الصلاة والسلام أن يرفعا هذا البيت من قواعده، ثم تهدم البيت بعد أن بناه إبراهيم عدة مرات وأعيد بناؤه، وهناك الكثير من الدلالات العلمية للآية الكريمة المذكورة. أم القرى وما تعليقكم على أن الأرض دحيت من تحتها فسميت مكة ب«أم القرى»؟ سبب تسمية مكةالمكرمة ب«أم القرى»، كما ذكر كل من ابن عباس رضي الله عنهما وابن قتيبة في شرح هذين الحديثين الشريفين أن مكةالمكرمة سميت باسم أم القرى لأن الأرض دحيت من تحتها لكونها أقدم الأرض، و«الدحو» في اللغة هو المد والبسط والإلقاء، وهي كلمة جامعة للتعبير عن ثورة البركان الذي يوسع من امتداد طفوحه البركانية كلما تجدد نشاطه، وذلك بإلقاء مزيد من تلك الطفوح، وأخرج كل من الطبراني والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما موقوفا عليه أنه (أي البيت الحرام) كان أول ما ظهر على وجه الماء عند خلق السماوات والأرض زبدة أي كتلة من الزبد بيضاء فدحيت الأرض من تحته، وقد ظلت الثورات البركانية فوق قاع المحيط الأول تلقي بحممها حتى تعددت الجزر البركانية فيه، وبدأت تتلاحم مكونة كتلة أرضية واحدة تعرف باسم القارة الأم أو أم القارات، ثم شاءت إرادة الله سبحانه وتعالى أن يفتت تلك القارة الأم بشبكة من الصدوع إلى القارات السبع التي نعرفها اليوم، وكانت هذه القارات أشد قربا إلى بعضها البعض من أوضاعها الحالية، ثم أخذت في الانزياح متباعدة عن بعضها البعض حتى وصلت إلى أوضاعها الحالية، ولا تزال قارات الأرض السبع في حركات مستمرة، ولكنها حركات بطيئة لا يشعر بها الإنسان وإن أمكنه قياسها بأجهزته المتطورة. أول بيت في تصريحات سابقة لكم ذكرتم أن الكعبة المشرفة هي أول بيت وضع على سطح الأرض، ما أدلتك على ذلك؟ النص القرآني الكريم واضح الدلالة على أن الكعبة المشرفة هي أول بيت وضع للناس، والتعبير (أول بيت) لم يحدد أنه أول بيت للعبادة، وإن كانت الكعبة المشرفة هي أول بيت عبد الله تعالى فيه على الأرض، وعلى ذلك فالاستنتاج أنه أول بيت على الإطلاق يبنى على سطح الأرض أقرب إلى فهم دلالة النص، ويدعم ذلك وصف القرآن الكريم للكعبة المشرفة بوصف البيت العتيق كما جاء في سورة الحج (آية29)، كذلك فإن التعبير القرآني (وضع للناس) ينفي أن يكون أحد من الناس قد وضعه، أي: بناه ابتداء، مما يدعم القول بأن الملائكة هم الذين بنوا الكعبة المشرفة، ثم تهدم هذا البيت العتيق وبنته أجيال من الناس ست مرات على الأقل، ويؤكد ذلك أن الكرامة والبركة والشرف هي للبقعة المكانية، وليست لأحجار البناء باستثناء كل من الحجر الأسعد ومقام إبراهيم. الإعجاز الرباني وما هي جوانب الإعجاز التاريخي في الآية الكريمة (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم)؟. تؤكد هذه الآية الكريمة على أن نبي الله إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام هما اللذان رفعا القواعد من البيت الحرام القائم في مكةالمكرمة، وقد ورد ذكر إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم 71 مرة، وسميت باسمه إحدى سور هذا الكتاب العزيز، كما ورد اسم ابنه إسماعيل عليه السلام 12مرة، وقد فصلت هذه الآيات قصة هذين النبيين الكريمين اللذين عاشا في أوائل الألفية الثانية قبل الميلاد تفصيلا غير مسبوق، ولو سلمنا بأن العرب كانوا يعرفون هذه الحقيقة بواسطة الأخبار المتناقلة عبر الأجيال، فمن أين لنبينا الأمي صلى الله عليه وسلم هذه التفاصيل الدقيقة عن هذين النبيين الكريمين لو لم يكن موصولا بالوحي، ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض؟ ومن هنا فإن القصص القرآني كله يمثل جانبا من جوانب الإعجاز.