لم يعد سهل البقاع، كما كان، اهراءات روما، ولم يعد اهراءات البقاع حتى، فهذا السهل الفسيح الذي ينبسط بين سلسلتين من الجبال لم يعد فسيحا في زراعته، بل ضاقت الأرض بخيراتها ولم تعد تنتج سوى القليل من عرق الجبين، الذي يروي ما قل من خيرات هذا السهل جراء عوامل لا تعد ولا تحصى. سهل البقاع الذي يتغنى به بشر الوطن بأنه كان يمّون روما بعظمتها من قمح وحبوب متنوعة،لم يعد مطرحا مفضلا للغناء والتغني به، بل اصبح مشرعا نحو كل جهات الحرمان والمعاناة المنتشرة في جهات الوطن المفتوحة على كل احتمالات عرق الجبين. اليوم، وكما الأمس البعيد والقريب، فقد سهل البقاع معظم خيراته، وفقد معها الإنسان معاوله ومحاريثه، وغاب الفدان وصراخ الفلاحين في الحقول المفتوحة، ومناداة العونة على حصاد المواسم وطرحها على بيادر الخير.. وعمت مناداة أهل الأرض على أهل النخوة لانقاذ هذه الحقول من الفقر والعوز.. ولكن.. فبعدما رفعوا الدعم عن زراعة الشمندر السكري (المضحك المبكي ان من ساهم في رفع الدعم ينادي اليوم بعودته، كمواقف تحصد لهم أصواتا انتخابية لا تحصد عودة الدعم الكلمات المعسولة والمغسولة) تحول المزارعون نحو زراعة القمح.. فالبطاطا، مثلا، لم تعد زراعة الفقراء بل أصبحت حكرا على مجموعة من التجار الذين اخترعوا نقابات زراعية تتحدث عنهم لا عن المزارعين، واحتكروا هذه الزراعة وبذارها، ونام صغار السهل على أسرّة الديون والفوائد وتركوا الأرض لكبار التجار الذين يستفيدون لوحدهم من التقديمات الرسمية. واليوم، ومع بدء موسم حصاد القمح، يتخوف المزارعون ان تقدم الجهات الرسمية على رفع الدعم عن زراعة القمح، ليكتمل عندها "النقر بالزعرور".. فالسهل بعد ان فقد معظم زراعاته، يناضل اليوم حتى تبقى سنابل القمح الذهبية تلمع بين مناجل أهله الذين احتضنوها بكل قوة لانها الوحيدة الباقية لهم.. يعتبر القمح من الزراعات الأساسية اليوم في سهل البقاع، وهي زراعة ازدادت أهميتها بعد منع زراعة الشمندر السكري، مما حولها إلى زراعة يعول عليها الكثير في إبقاء المزارع في أرضه ولو بنسبة أصبحت خجولة. ويقول رئيس تعاونية مزارعي القمح في البقاع، والتي أسست عام 2001, ركان معدراني ان زراعة القمح أصبحت اليوم الزراعة شبه الوحيدة في البقاع، ولم يعد عندنا خيارات لزراعات أخرى، قديمة أو جديدة، لاننا اعتدنا على ضرب مواسمنا وغياب الحماية الوطنية لها. لبنان، الفريد من نوعه، ينتج اليوم ما يعادل 70 ألف طن سنويا من القمح، ويستورد حوالى 400 ألف طن سنويا، مما يعني أننا ننتج فقط 15% من حاجاتنا من مادة القمح الأساسية، وهذا يشير بوضوح إلى ان الأمن الغذائي مخترق بمادة استراتيجية، كما يقول معدراني. زراعة القمح التي أخذت تشكل عنصر توازن في سهل البقاع وتقلل من فائض الزراعات التقليدية (زراعة البطاطا المحتكرة وغيرها) تساعد على حل العديد من المشاكل الزراعية.