الأمر الملكي بتكريم أبطالنا الذين يستشهدون خلال أدائهم واجبهم، وقع من الجميع موقع التقدير والإجلال. ترقية وبدلات وعلاوات وأوسمة وأنواط شرف ومساعدات للأسر وبناء مسكن لهم، وتسيير مرتبات شهرية مجزية للوالدين اللذين يعولهما الشهيد، فضلاً عن تسديد ديونه. ومثل ذلك في حق المصابين من أبطالنا الذين يذودون عن بلادنا وأرواحنا ببسالة الشجعان في مواجهات الإرهاب. لست بصدد الثناء على الأمر الكريم، فهو يتحدث عن نفسه أولاً، ثم انه واجب الوطن تجاه أبنائه البررة يتفانون في حب ترابه، لكني أود الإشارة إلى فكرة أراها الأنسب حالياً. منذ وعيت ونحن في هذه البلاد نسخر كرمنا وأموالنا في خدمة قضايا الآخرين، بل بلغ بنا الحال إلى تقديم أبنائنا في أحيان كثيرة للدفاع عن قضايا لا تمسنا مباشرة، وربما تبعد أراضيها عنا عشرات الآلاف من الكيلومترات. فمن ريال فلسطين إلى فزعات للجزائر واليمن والشيشان ومصر والبوسنة والصومال وأفغانستان، وأخيراً وليس آخراً العراق. لن أتحدث عما جره علينا حماسنا لقضايا الآخرين بعد الحادي عشر من سبتمبر المشؤوم، لكني أدعو من هنا لأن نتفرغ لقضية من أهم قضايانا. فالإرهاب لا يفرق بين صغير وكبير، ولم يرع أربابه حرمة لزمان ولا مكان ولا قدسية لمقدس، وبالتالي فمواجهته ليست مسؤولية الدولة فحسب، بل يجب علينا كمواطنين أن نهب للعمل سوياً من اجل مكافحة فاعلة للإرهاب. لقد قدمت القبائل نماذج ناصعة على وطنيتها بتسليمها بعض أبنائها المطلوبين في قضايا الإرهاب وهي تجربة تدل على وعي اجتماعي يذكر فيشكر. والآن يجب أن نطلق حملة (ريال في مكافحة الإرهاب) تتولى جهات حكومية وأهلية مشتركة المشروع وتجمع من آحاد الناس لأسر شهداء الواجب في مواجهة عنف الإرهاب ودمويته، إضافة إلى تمويل الدراسات التي تتعرض للإرهاب، وأسباب نشأته، وسبل اجتثاثه، علميا، وسياسياً، واجتماعياً. نحن بحاجة إلى بحوث متعمقة تجيب عن أسئلة ملحة فمعظم المطلوبين امنياً في قضايا الإرهاب أبناؤنا، وهم ليسوا نبتات شيطانية، بل نشأوا بيننا وان تأثروا بمؤثرات خارجية، إلا أن هناك عوامل ساهمت في أن يكونوا وعاء لهذه المؤثرات دون غيرهم! كيف تنشأ هذه المجموعات؟ ما أفكارها؟ وكيف يصبح أبناؤنا إرهابيين؟ ولماذا يختارون الصغار؟ وما الصفات الأقرب للتأثر بأفكار التطرف والعنف؟ اعتقد أن حملة (ادفع ريالاً لتحمي ابنك من الإرهاب)، باتت ضرورية الآن قبل أي وقت مضى. فهل سنبخل على وطننا بعد أن كنا الأكثر سخاء دولة وأفرادا ومؤسسات على الآخرين؟!