تهيمن أجواء من الترقب والشك على الرئاسة الإيطالية الوشيكة للاتحاد الأوروبي في دورته الجديدة التي تنتقل من بلد إلى بلد بشكل دوري كل ستة شهور تتم عادة بشكل عادي. لكن أوروبا تمر حاليا بأوقات غير عادية.. كما أن الرئيس القادم للاتحاد الأوروبي وهو رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلسكوني هو أكثر القادة الذين عرفتهم أوروبا إثارة للجدل على مدى عقود من الزمان. ويحظى بيرلسكوني وهو أكثر رجال إيطاليا ثراء، بدعم كبير في الداخل. بيد أ ن المزاعم التي تتردد عن خطايا نتيجة امتلاكه لإمبراطورية تجارية ضخمة أضرت بسمعته كثيرا في الخارج. وقد صار الشهر الماضي، أول رئيس وزراء إيطالي يمثل أمام المحكمة للدفاع عن نفسه ضد تهم بالفساد. وقبل يومين اثنين فقط وافقت أغلبيته الحاكمة التي تنتمي لتيار يمين الوسط على مشروع قانون مثير للجدل يمنحه حصانة قانونية فيما كانت محاكمته تدخل مراحلها النهائية.. وقد كتبت مجلة الايكونومست البريطانية الشهيرة في عددها الصادر في 8 من مايو تقول أن بيرلسكوني غير جدير بقيادة أوروبا . ويعكف رئيس الوزراء الايطالي الآن على وضع اللمسات النهائية لخطة من خمس نقاط لرئاسة الاتحاد الأوروبي التي ستتسلم إيطاليا زمام قيادتها من اليونان في الاول من يوليو القادم. ومن بين الاهتمامات الرئيسية لبيرلسكوني، دستور جديد للاتحاد الأوروبي يجري إعداده حاليا في بروكسل والذي يأمل بيرلسكوني أن يتم التوقيع عليه في روما في الربيع القادم. وتشمل الأولويات المتحدة الاخرى دعم الاقتصاد الاوروبي الذي يعاني تراجعا ، وتيسير انضمام عشرة أعضاء جدد في عضوية الاتحاد الاوروبي، وطرح سياسية خارجية موحدة للاتحاد وتكثيف عمليات الرقابة على الحدود بغية التصدي لتدفق المهاجرين غير الشرعيين الذين يدخلون دول الاتحاد. وقد وصف دبلوماسي اسكندنافي في روما الخطة بأنها شديدة الطموح كما أن خبراء الاتحاد الاوروبي يخشون من أن بيرلسكوني ليس بالشخص المناسب لدفع خطة بهذا الطموح. وقال دانييل كوهين الأستاذ بمركز الإصلاح الأوروبي وهو مؤسسة بحثية مقرها لندن ثمة شعور عام بعدم الثقة تجاهه، ويرجع السبب الأساسي في ذلك إلى الطريقة التي تصوره بها وسائل الإعلام في تعامله مع مصاعبه القانونية الشخصية .. ويضيف ان من بين العوامل الأساسية لتولي رئاسة الاتحاد الأوروبي الدورية هو القدرة على وضع الاجندة.. ويضيف: غير أنه في حالة بيرلسكوني، فإن ثمة شكوك تراود الجماهير لانهم لا يعرفون بالضبط أين يقف.. فهو غالبا ما يعطي الانطباع بأنه يسير مع التيار وأن هذا هو مبتغاه . ويقول كوهين ان المهارات الدبلوماسية الفعالة أمر أساسي كما أن رئيس الاتحاد الأوروبي يتعين أن يرى في موقف المحايدة، لكن خبراء في روما يقولون أنه لايمكن وصف بيرلسكوني بأنه أستاذ دبلوماسية. فبعد أيام قلائل من هجمات 11 من سبتمبر على الولاياتالمتحدة تسبب في إثارة لغط دولي بقوله ان الحضارة الغربية متفوقة على الحضارة الإسلامية. كما أنه أغضب الفرنسيين مؤخرا بانتهاك معايير الاتحاد الاوروبي في رفضه الالتقاء بالرئيس الفلسطيني ياسر عرفات خلال مهمة دبلوماسية في الشرق الاوسط. وقد صرح وزير الخارجية فرانكو فراتيني بأن إعادة العلاقات بين الولاياتالمتحدة وأوروبا إلى سابق عهدها بعد الحرب العراقية التي عارضتها قوى أوروبية ذات ثقل كبير، ستكون بين أولويات إيطا ليا. يقول جيمس والستون رئيس العلاقات الدولية بالجامعة الامريكية في أوروبا ان بيرلسكوني تنتظره مهمة صعبة.. وتابع لبيرلسكوني علاقات طيبة على المستوى الشخصي مع كل من الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش ورئيس الوزراء البريطاني بلير لكن إعادة العلاقات إلى سابق عهدها بين أوروبا والولاياتالمتحدة يتطلب شيئا أكبر من ذلك . على جانب آخر تراود خبراء الاتحاد الأوروبي في بروكسل المخاوف من أن بيرل سكوني ربما يعمد إلى استغلال وضعه الدولي الجديد في حل مشكلاته الداخلية. وقد أجبر الاتحاد الأوروبي مؤخرا على إعادة التفاوض بشأن حصص الالبان بغية إرضاء رابطة الشمال أحد شركائه في الائتلاف وأكثرهم إثارة للمتاعب. كما أن اقتراح وزير ماليته جوليو تري موني بتحريك الاقتصاد الأوروبي من خلال مشروعات الاشغال العامة أغضب المفوضية الأوروبية التي تعكف على أعداد خطة مماثلة منذ شهور.. كما أن إيطاليا بحاجة إلى إصلاح نظام معاشات التقاعد الإيطالي السخي والذي يلتهم 14 في المئة من الدخل القومي للبلاد. وصرح دبلوماسي في روما بأنه يخشى من أن بيرلسكوني ربما يحاول إجبار الاتحاد الأوروبي على دفع مثل هذه الإصلاحات حتى يتمكن من أن يقول لجمهرة الناخبين الرافضين بأنها مفروضة من بروكسل . ثمة داع آخر للقلق، هو منافسته السياسية مع رئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي رومانو برودي وهو رئيس وزراء إيطالي سابق اتهمه برلسكوني بالخداع أثناء دفاعه عن نفسه ضد اتهامات بالفساد في ميلانو. ولكن ربما كان الدستور الاوروبي الجديد الذي سيناقشه رؤساء حكومات الاتحاد الاوروبي خلال مؤتمر يعقد في إيطاليا في أكتوبر القادم هو أكثر المهام التي ستواجه الرئاسة الاوروبية صعوبة. وبين المقترحات الرئيسية للدستور، هو استحداث منصب رئيس دائم للاتحاد الا وروبي وكذلك وزير خارجية أو ممثل دائم للسياسة الخارجية للاتحاد وقد أعرب عدد من القادة مثل البريطاني توني بلير بالفعل عن تشككهم قائلين أنهم غير مستعدين للتنازل عن حقوقهم السيادية المستقلة. وفي روما يعكف مسئولو وزارة الخارجية الايطالية على العمل بجد تحسبا لستة شهور عصيبة أمام أووربا.. وصرح مسئول إيطالي قائلا سنبذل قصارى جهدنا لانجاح فترة رئاستنا للاتحاد الاوروبي.