توماس فريدمان صحفي أمريكي متمكن مهنيا, بدأ الاحتفاء به في الإعلام العربي خاصة بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر, ومنذ إعلان الولاياتالمتحدة حربها على الارهاب وصولا الى تقرير توجيه ضربة عسكرية للعراق, من الإنصاف القول ان من يريد معرفة التوجهات السياسية للإدارة الأمريكية ومقارنة هذه التوجهات بتوجهات الحكومات الاوروبية وعلى رأسها فرنسا فلا بد له من متابعة كتابات هذا الصحفي المتميز.. يمثل توماس فريدمان بحق العقلية الأمريكية المستندة على ثقافة القوة المتأصلة في الشعب الأمريكي وبخاصة الانجلوسكسون منهم.. هذه العقلية التي تميل او تنتهي بان تأخذ بالحلول العضوية لأي مشكلة سواء كانت هذه المشكلة طبيعية او إنسانية.. وبما ان الامريكان سباقون في العلوم الطبيعية حيث تخضع مزارع القمح لديهم لآخر منجزات التكنولوجيا بجميع فروعها وحيث يصدر القمح الأمريكي الى كل بقاع الأرض. فان هذا النجاح وما يمثله هو ما يدفع الأمريكي لأن لا يرى في مشكلة معقدة ذات جوانب سياسية واجتماعية ودينية مثل مشكلة الإرهاب.. لا يرى فيها غير حقل محدد من القمح.. او البصل المصاب بآفة ليس سوى المدفع والدبابة بقادر على اجتثاثها.. يجسد مقال توماس فريدمان المنشور في جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 2003/2/10م نموذجا صارخا للترويج لثقافة القوة في تفنيده الأسباب التي تدفع فرنسا لمعارضة الحرب, يتخلى الصحفي الوقور عن رزانته ويستخدم أسلوبا طالما أدانه هو بالتخلف مفترضا اخراج فرنسا من مجلس الأمن واستبدالها بالهند.. من حق الهند ان تكون عضوا دائما في مجلس الأمن ولكن لماذا طرد فرنسا؟ هذا هو المعنى.. ذلك لان ثقافة التنوير الأوروبية القائمة على سلطة العقل والبحث عن الحقيقة هي النواة الخطرة والنامية أمام جموح وغطرسة ثقافة القوة.. لقد تأكد السيد فريدمان ان إدارته ذاهبة للحرب لا محالة بالرغم من انه صحفي لامع ايضا وبدلا من الدعوة لمزيد من البحث الذي تقتضيه مشكلة معقدة قد تجر الى نتائج مدمرة يرتفع لديه صوت ثقافة القوة فيصل به الأمر الى الاستهزاء بمنجزات ثقافة بحجم الثقافة الأوروبية. لذلك لا يرى فريدمان في تصريحات دوفلبان وزير الخارجية الفرنسية غير القول نصا (لو ان أمريكا لم توجد وان على أوروبا ان تعتمد على فرنسا فان معظم الأوروبيين اليوم كانوا سيتحدثون إما الألمانية او الروسية) (ان كل ما يمكن ان تفعله فرنسا هو ان تقرض منقار أمريكا وتتعامل مع العراق وتتمتع بالحماية الأمريكية). مشكلة أمريكا ليست مع فرنسا بل مع أوروبا فأثناء مداولات مؤتمر (الأمن الدولي) الأخير في ميونخ وعندما سيطرت مناقشة المبادرة الفرنسية الألمانية على جو المناقشات استشاط وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد غضبا لان باريس وبرلين (تجاوزتا) أمريكا واخفتا الأمر عنها ذلك ما اعتبره وزير خارجية بلجيكا إهانة رد عليها بالقول: لم يفلح الأمريكيون في القبض على بن لادن والآن يمكنهم العثور على خصم يمكن التغلب عليه. انها مسألة تتعلق بالقوة أكثر من أي شيء آخر.