فاز باراك أوباما بجائزة نوبل بإجماع أعضاء لجنة الجائزة، وهو اختير من بين 205 مرشحين لا أعرف منهم سوى الأمير الأردني غازي بن محمد الذي يقود منذ سنوات حواراً بين الإسلام والغرب، إلا أن الأمير غازي صغير السن وقد يفوز يوماً.الفوز أفقد اليمين الأميركي صوابه، والحزب الجمهوري حالة عصبية ومرضية أكثر منه حزباً سياسياً هذه الأيام، فكان أن مايكل ستيل، رئيس اللجنة الجمهورية الوطنية، اختار السخرية، وكأنه مهرج أو ممثل كوميدي فاشل للانتقاص من رئيسه والجائزة. ومثله فعل بعض رموز اليمين مثل غلين بيك وراش لامباو وبيل كريستول الذي نشرت مجلته «ويكلي ستاندارد» اسكتشاً يسخر من الرئيس. طبعاً أوباما هو رئيس الولاياتالمتحدة، وهؤلاء إسرائيليون حتى لو حملوا الجنسية الأميركية، ومثلهم الليكودي جون بولتون الذي قال إنه كان على أوباما أن يرفضها، ولعل بولتون الذي رفض الكونغرس نفسه تثبيته سفيراً للولايات المتحدة لدى الأممالمتحدة كان يريد أن تذهب الجائزة الى أشخاص مثله، فهناك حارس المواخير أفيغدور ليبرمان وقاتل الأطفال مائير داغان. (حصل خطأ في مقال أمس ولي دوك تو هو رئيس فيتنام). كان هناك أيضاً من أقصى اليمين أندي مكارثي الذي قال إن أوباما فاز بجائزة ياسر عرفات، فأعود الى ما كتبت أمس وأقول إن نعل أبو عمار أشرف من كل المكارثيين، من السناتور جوزف مكارثي الى أندي مكارثي الآن. أعتقد أن أوباما فاز لمجرد أنه ليس جورج بوش فكلامه طيب، إلا أنه لم ينجز شيئاً بعد، ولعل الأوروبيين أرادوا تكبيل يديه بجائزة سلام، فشعوري أن الولاياتالمتحدة لن تشن حملة عسكرية على ايران بسبب برنامجها النووي ما بقي أوباما رئيساً. أفضل من الذين علقت على مواقفهم أمس واليوم توماس فريدمان الذي اتفق معه في 90 في المئة مما يكتب عادة، وهو هذه المرة علق على الجائزة مقترحاً خطاباً يلقيه الرئيس وهو يتقبل الجائزة في العاشر من الشهر المقبل، وجدت أنني أقبل نصفه وأعارض نصفه الآخر. فريدمان اقترح أن يقول أوباما في خطاب قبول الجائزة إنه يقبلها نيابة عن أهم قوات لحفظ السلام في القرن الماضي، رجال ونساء الجيش والبحرية والطيران والمارينز الأميركيين. وهو يزيد، على لسان أوباما، أن الجنود الأميركيين نزلوا على شواطئ أوماها في 6/6/1944 لانقاذ أوروبا، وحاربوا في المحيط الهادئ لتحرير آسيا من الطغيان الياباني. ربما أزيد هنا شيئاً تجاوزه فريدمان هو أن الجنود الأميركيين أنقذوا أوروبا في الحرب العظمى قبل ذلك. كل ما سبق صحيح ومهم، غير أن فريدمان يكمل متحدثاً عن الطيارين الأميركيين الذين كسروا حصار برلين سنة 1948، وأرى أنهم فعلوا ذلك لأسباب أميركية مع بدء الحرب الباردة أكثر منه تعاطفاً مع الألمان الذين تسببوا في حرب عالمية مدمرة. وأرى الحرب الباردة سبباً لمثل آخر يسوقه فريدمان هو عشرات الألوف من الجنود الأميركيين الذين حموا أوروبا من الديكتاتورية الشيوعية في 50 سنة من الحرب الباردة. والنقطة هي أن الأميركيين كانوا يحمون أنفسهم مع الأوروبيين من هجمة الشيوعية. حتى هنا لا مشكلة لي مع كلام فريدمان فالجنود الأميركيون أنقذوا أوروبا مرتين، ووقفوا في وجه الشيوعية حتى هزمت. غير أن فريدمان يكمل بالحديث عن الجنود الأميركيين الموجودين في أفغانستان ليمنحوا البلاد، خصوصاً النساء والأطفال، حياة حرة من طالبان والتوتاليتارية الدينية. وكنت أتمنى لو أنهم حققوا شيئاً من هذا إلا أنهم لم يفعلوا، ودمروا البلد على رأس أهله بدل أن يركزوا على القاعدة فهي منظمة إرهابية، وهي أصل البلاء ونحن جميعاً مع الولاياتالمتحدة ضدها. في سوء المثل الأفغاني حديث فريدمان عن العراق ومساعدة الجنود الأميركيين الآن حكومة بغداد في تنظيم انتخابات حرة. أقول إن الأميركيين غزوا العراق لأسباب ملفقة بالكامل وأن جورج بوش وديك تشيني وعصابة الحرب يجب أن يحاكموا كمجرمي حرب، فهناك مليون قتيل عراقي في حرب غير مبررة أيدها فريدمان ولم أقرأ له أنه ندم وتراجع عن ذلك التأييد. الأميركيون كانوا جنود الحرية في القرن الماضي (من دون أن ننسى فيتنام)، وأصبحوا جنود استعمار جديد مع جورج بوش، والآن يحاول أوباما أن يعيد لبلاده سمعتها الطيبة القديمة حول العالم (لا ننسى مشروع مارشال والنقطة الرابعة) وهو يستحق جائزة نوبل للسلام بعد نجاحه في كسب العالم الذي خسرته أميركا مع الإدارة السابقة.