عزيزي رئيس التحرير مع ان الوالد حفظه الله لم يحمل شهادة عالية ولم يحز مؤهلا تربويا لظروف كانت في السابق مألوفه قلة من قدر لهم تجاوزها , إلا انه والحق يقال أسهم بأسلوبه الفذ في بناء قواعد تربوية صلبة في دواخلنا انا وبقية الأخوة , فلقد زرع فينا الاستقلالية في التفكير واتخاذ الرأي الذي نرى وصوابه واتباع النهج الذي نؤمن بصحته , لذا عندما طلب منه أحدهم وكان ذا قرابة له وصداقة , وممن يتبوؤون منصبا طيبا في أحدى مؤسساتنا الحكومية , ان يحضني أو بالأحرى يفرض علي أن أكف قلمي عن ذكر مثالب ومعايب بعض الدوائر الحكومية أو لنقل نقد بعض الخدمات بها ورداءة نهجها الاداري , ما كان من الوالد رعاه الله إلا ان سرد علي كل ما دار بينه وبين ذياك الناصح ! , معلقا في نهايته بقوله( قلت له أنني سأنقل له وجهة نظرك ومع ذلك لا أملك إلا أن أبلغه وله كامل الحرية في فعل ما يراه! احمد الله حقيقة على أن الوالد كان من الحكمة بمكان , إذ أنني لا ادري ما كنت صانعا لو أنه تمنى! على الكف عن الكتابة الناقدة وما أفسح المجال رحبا لمن أراد المدح كيلا لأي شخصية بارزة ولو كانت غير مستحقة ! , لا لم يكن في الأمر خيار إذ لو تمنى علي لكففت عن قدح زناد القلم ولألجمته وخطمته ! فالطاعة هنا لا يعدل فضلها وأجرها كتابة كائنة ما كانت , لكن لطف الله سابق بأن قيض لي والدا على قولة الحق مهما كان مرا مسايرا او موافقا . لم تكن نصيحة صاحبنا المسئول بدعا من أخريات سمعتها من بعض أصحاب وزملاء وأحباب , فقد كانوا على اتفاق بان أسلوب النقد الذي أسلكه مجانب للصواب ! , وليت مجانبة الصواب التي يقصدونها في انتهاج ألفاظ غير لائقة أو مجافاة القول للواقع , لو كان الأمر كذلك لكان الشكر لهم مني لازما ولكان كف أذى قولي واجبا , لكن الذي ينعونه علي ولعل لهم في ذلك عذرا هو أنني بنقدي تلك المؤسسات أكون في نظر البعض إن لم يكن الأغلب من صنف ما يدعون بالمعارضين الذين لا يرون الا الجانب السلبي والجانب القاتم في أي عمل مؤسساتي , بل قد يصل الأمر بقلة منهم أن يعتقدوا ضعف الولاء لهذا الكيان العظيم !! لا أدري حقيقة ما الذي أوصلنا الى هذا الفكر السقيم ! فلا نرى الناقد الا حاسدا أو حاقدا أو متربصا ! . مع ان المعلوم أنه ما من منشأة ناجحة او حتى دولة في العالم رائدها التمدن الا كان شعار أهلها نقد منهج العمل الذي يسيرون عليه باستمرار من أجل تصحيح خطأ وبالتالي قطف مزيد نجاح وارتقاء ! فهل يريد أولئك ان نغض الطرف عن الخطأ مهما بلغت درجة سوئه وأن نتعامى عن بعض سلبيات واضحة في أجهزة معينة بتمدن البلد من جميع المناحي , ثم بعد ذلك ندعي أننا وطنيون وأننا نحب بلدنا ونحب رفعته ! إنني عندما أنقد أمرا ما يخص احدى مؤسساتنا الحكومية فما ذاك الا لأنني آمل ان تصل الخدمات بها والانجازات الى أرقى مستوى , وهذا أمر إن حصل ليثلج صدري ويملأ كياني غبطة وسرورا ! , وكيف وهو في النهاية يصب في خانة تطور البلد ونهضته وارتقائه! ختاما: إننا لا زلنا نغذ الخطا سريعا من أجل ان يبلغ هذا الكيان العظيم ما نأمله وننشده له من رقي , ولن يتأتى ذلك إلا بأن نجعل الفكر النقدي لنا ديدنا , ويوم أن نجعل ذلك كذلك , عندها لن نعجز أن نصل الى الصدارة فلسنا بأقل مما سوانا كائنين من كانوا , ثم إذا كان الوقت الآن يتسلق فيه الأقوياء والمتحضرون على أكتاف الضعفاء والمتخلفين , أليس جديرا بنا أن يكون شعارنا (لنا الصدر دون العالمين)! , نعم جدير بنا أن كون ذلك اولا شعار لنا في كل اعمالنا الانتاجية وما ذلك على الله بعزيز. @@ د. ابراهيم عبد الرحمن الملحم