إطلاق 80 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الأمير محمد بن سلمان    انطلاق المؤتمر الدولي لأكاديميات الشرطة    السعودية الأولى خليجياً وعربياً في مؤشر الأداء الإحصائي    «الجناح السعودي».. ينطلق في «الصين الدولي للطيران والفضاء»    وزير الخارجية: حل الدولتين السبيل الأوحد لتحقيق السلام    «الرابطة» تُرحِّب بقرارات القمّة العربية والإسلامية    رئيس بولندا يشكر خادم الحرمين وولي العهد    الفرج يقود الأخضر أمام «الكنغر»    إسناد التغذية والنقل ل«جودة الخدمات» بإدارات التعليم    «التقني»: إلغاء إجازة الشتاء وتقديم نهاية العام    إحالة ممارسين صحيين للجهات المختصة.. نشروا مقاطع منافية لأخلاقيات المهنة    وزير الداخلية يرعى حفل جامعة نايف وتخريج 259 طالباً وطالبة    5 مشاهير عالميين أصيبوا بالسكري    في بيتنا شخص «حلاه زايد».. باقة حب صحية ل«أصدقاء السكري»    ماذا لو نقص الحديد في جسمك ؟    المملكة تحذر من خطورة تصريحات مسؤول إسرائيلي بشأن فرض سيادة الاحتلال على الضفة الغربية    الأهلي يطرح تذاكر مواجهته أمام الوحدة في دوري روشن    غارات إسرائيلية عنيفة على ضاحية بيروت    الذهب يستقر قرب أدنى مستوى في شهر مع انتعاش الدولار    سعود بن نايف يستقبل أمين «بر الشرقية»    أمير الرياض يستعرض إنجازات «صحية تطوع الزلفي»    أمير القصيم يطلق مبادرة الاستزراع    تطوير وتوحيد الأسماء الجغرافية في الوطن العربي    الاتفاق يعلن اقالة المدير الرياضي ودين هولدين مساعد جيرارد    مقتل ضابط إسرائيلي وأربعة جنود في معارك بشمال غزة    نقلة نوعية غير مسبوقة في خدمة فحص المركبات    استعادة التنوع الأحيائي في محمية الأمير محمد بن سلمان    "الحج المركزية" تناقش موسم العمرة وخطط الحج    رحب بتوقيع" وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين".. مجلس الوزراء: القمة العربية والإسلامية تعزز العمل المشترك لوقف الحرب على غزة    فوبيا السيارات الكهربائية    «نأتي إليك» تقدم خدماتها ب20 موقعًا    مجلس الوزراء يجدد التأكيد على وقوف المملكة إلى جانب الأشقاء في فلسطين ولبنان    ولادة أول جراء من نمس مستنسخ    الأخضر يحتاج إلى وقفة الجميع    المنتخب السوداني يسعى لحسم تأهله إلى أمم أفريقيا 2025    «طريق البخور».. رحلة التجارة القديمة في العُلا    السِير الذاتية وتابوهات المجتمع    أحمد محمود الذي عركته الصحافة    وفاء الأهلي المصري    للإعلام واحة    إضطهاد المرأة في اليمن    يسمونه وسخًا ويأكلونه    يأخذكم في رحلة من الملاعب إلى الكواليس.. نتفليكس تعلن عن المسلسل الوثائقي «الدوري السعودي»    «سامسونغ» تعتزم إطلاق خاتمها الذكي    «الغذاء»: الكركم يخفف أعراض التهاب المفاصل    التحذير من تسرب الأدوية من الأوعية الدموية    الرهان السعودي.. خيار الأمتين العربية والإسلامية    أسبوع معارض الطيران    جمعية يبصرون للعيون بمكة المكرمة تطلق فعاليات اليوم العالمي للسكري    إطلاق 80 كائنا فطريا مهددا بالانقراض    نائب الرئيس الإيراني: العلاقات مع السعودية ضرورية ومهمة    التوقيع على وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين بين منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية ومفوضية الاتحاد الإفريقي    الرئيس السوري: تحويل المبادئ حول الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين ولبنان إلى واقع    الأمر بالمعروف بجازان تفعِّل المحتوي التوعوي "جهود المملكة العربية السعودية في مكافحة التطرف والإرهاب" بمحافظة بيش    البرهان: السودان قادر على الخروج إلى بر الأمان    اطلع على مشاريع المياه.. الأمير سعود بن نايف يستقبل أعضاء الشورى المعينين حديثاً    أمير الرياض يطلع على جهود الأمر بالمعروف    مراسل الأخبار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحميري ل الشرق: أزمة الخطاب النقدي العربي تكمن في انحيازه للفرد ودورانه في الفراغ


أبها – علي فايع
الغذامي يرى أن الوعي الفحولي معضلتنا.. وأنا أراها في الوعي الكياني
ثمة قطيعة حقيقية بين المبدع والمتلقي أخذت أشكالاً وأبعاداً مختلفة
يؤمن الكاتب والناقد اليمني الدكتور عبدالواسع الحميري بأنّ ثمة أزمة في الخطاب النقدي العربي، يعتقد أنّ سببها يكمن في انحياز هذا الخطاب شبه الكامل للفرد العربي. وأنّ المعضلة الكبرى في أنه منحاز لقديم ما لدينا وجديد ما لدى الآخر!. وأوضح الحميري، الذي كتب عشرين مؤلفاً، في حوار مع «الشرق»، أن الحلّ في اعتقاده، أن يصبح النقد فنّاً منحازاً للفرد وللجماعة، في آنٍ معاً، شريطة أن يتحرّر من ربقة التبعية للجمالي، وأن ينفتح على متعدد الوظائف، ليحقق متعدد الأهداف والغايات. فإلى نص الحوار:
أزمة الخطاب
* بداية، هل لدينا أزمة في خطاب النقد العربي القديم والحديث؟
عبدالواسع الحميري
- أعتقد أن الخطاب النقدي العربي يعاني من وضعية مأزومة يجسدها – في بعض جوانبها- انحيازه شبه الكامل للفرد العربي، دون المجموع العربي، ما جعله يبدو – طوال مراحل تطوره وازدهاره- ضرورة الفرد العربي؛ أكان الفرد المفرد عن الجماعة، أم الفرد المتسلّط على الجماعة، والأول هو الشاعر الموصوف، في الوعي البياني العربي، بالفحولة أو المتحلّي ببعض شروطها ومقوماتها، ومن ذلك الانفراد والعزلة، إضافة إلى السبق والقدرة على إفحام الخصم، أمّا الثاني فهو رمز السلطة السياسية أو الدينية أو الاجتماعية الذي ما انفك يحتلّ – في النظرية النقديّة البيانيّة- موقع المخاطَب من «ذوي الأقدار» ما يعني أنّ الخطاب النقدي العربي، لاسيما القديم منه، قد بقي، في جملته، مكرساً في خدمة فكرتين، أو بالأحرى في ترسيخ ذائقتين: «ذائقة فَرْدَنَة/ وَحْشَنَة الفرد العربي» و«ذائقة قَطْعَنَة المجموع العربي». على أنه لا فرق في المحصلة النهائية بين الخطاب النقدي الذي يُفَرْدِنُ أو يُسَلْطِن الفرد على المجموع، والخطاب الذي يُقَطْعِنُ باقي أفراد الجماعة التي ينتمي إليها الفرد، فكلاهما يعد خطاب سلطة في الأساس، وكلاهما يؤدي الدور نفسه، ويفضي إلى النتيجة عينها، وإن كان بطرائق مختلفة.
* ألا يوجد فرق بين أزمة الخطاب النقدي العربي قديماً وحديثاً؟
- أزمة الخطاب النقدي الحديث تبدو أكثر عمقاً وتتجلّى على مستويات مختلفة أكثر تعقيداً ومأساوية؛ فهو إمّا منحاز انحيازاً شبه كامل، أو يدور في الفراغ، حيث لا يقول شيئاً ولا يؤسس لشيء.
* لأيّ شيء ينحاز؟
- إنه منحاز لقديم ما عندنا أو لجديد الآخر، ما جعلنا مجرّد تابعين مستهلكين لكلّ منجز سابق في الوجود على وجودنا، لذلك فهو -في مجمله- بلا هوية حقيقية ويفتقد للمشروعية الثقافية المجتمعية أو التاريخية، إنّه مجرّد صدى أو ارتداد لخطاب الماضي التراثي أو لخطاب الآخر المختلف عنا هويةً وثقافةً.
* تتحدث كثيراً عن الفردنة والوحشنة. فهل ترى أن إعلاء شأن الفرد المبدع خاصة الشاعر يضر؟
- لاشك أنه يضر بالمبدع كما بمتلقي إبداعه، وهو يقود حتماً إلى ترسيخ ثقافة الاستبداد و«صناعة الطاغية» حسب تعبير الدكتور الغذامي.

تكريس «الوحدانية»
* ما الأسباب التي جعلت الخطاب النقدي العربي ينزلق إلى الفردنة والقطعنة كما تقول؟
- أعتقد أنّ ثمّة جملة من الظروف الذاتية والموضوعية التي أدّت بالخطاب النّقدي العربيّ إلى أن ينحو هذا المنحى المؤسف؛ لا أدري إن كان من بينها: أنّ سياق الدّعوة إلى الوحدانيّة؛ وحدانيّة الخالق جلّ وعزّ، قد كرّس مفهومَ الوحدانيّة على مستويات أخرى من حياة الإنسان العربيّ، أي على مستوى علاقته بالحاكم بالذّات الذي يجب أن يكون واحداً، وعلى مستوى علاقته بالأشياء والأشخاص والآراء والمواقف والأوضاع التي يحبّها ويحترمها أو يقدّسها، فالصّديق أو المحبوب واحد، والحقيقة واحدة، والرّأي الذي يجب أن نسلّم بصحّته واحد، والمعنى واحد.. وهكذا، إذن كأنّه يتوجّب علينا أن ننفي الشّركة أو الشّريك عن كلّ شيء أو شخص نحبّه؛ لأنّ في ذلك دليل حبّنا، دليل صدقنا في حبّنا، دليل وفائنا، ففي هذا السّياق ربّما -أقول ربما- نشأ الخطاب النّقديّ وترعرع، ما جعله يعتنق مبدأ الوحدانيّة أو الفردانيّة، ويسعى إلى ترسيخها في مقاربته للنّصوص الأدبيّة والإبداعيّة. وإن كنت أظن أن طبيعة الوعي البياني، بوصفه وعياً تفكيكيّاً ينقصه شرط التّركيب، أو شرط الاختلاف والتّفرّد فيما يركّب، قد أسهم هو الآخر في صياغة توجّهات الخطاب النّقديّ العربيّ، وما حاول هذا الخطاب ترسيخه في وعينا الثّقافي والإبداعيّ، من أنساق ذهنيّة تسلّطيّة، جعلتنا ننحاز -على الدوام- إلى الفرد، بوصفه الفرد البطل، أو الفرد المخلّص، أو الفرد العبقريّ، فضلاً عن الفرد الناقد الذي انحصرت مهمّته في ممارسة دور الوصاية على اللّغة والأخلاق والدّين والقيم، بذريعة أنه الأعلم أو الأكمل علماً بالمعيار الذي يحدّد بمقتضاه الصّحيح من الخطأ في الممارسة والسّلوك؛ اللّغويّ والاجتماعيّ، والدّينيّ والأخلاقيّ والثّقافيّ، على السّواء.
الوعي الكياني
* تتقاطع في كتابك «اتجاهات الخطاب النقدي العربي» مع الدكتور عبدالله الغذامي الذي اعتبر الوعي الفحولي أصلاً، في حين ترى أنت أن الأصل هو الوعي الكياني والفرع هو الوعي الفحولي، هل لنا أن نتعرف أولاً على مفهوم الوعي الكياني لديك؟ وفيم تختلف مع الدكتور الغذامي ؟
غلاف اتجاهات الخطاب النقدي العربي وأزمة التجريب
- نسق الوعي الكيانيّ في تقديري هو ذلك النّسق من الوعي أو التّفكير القائم على أساس أنّ «الأنا أفكّر» مجرّد جزء من كلّ اجتماعي، هو مَنْ نحيل عليه – بطريقة واعية أو لا واعية- بضمير المتكلّم الجمعيّ (نحن)، وهو مجرّد جزء تابع لذلك الكلّ الاجتماعي، وليس جزءاً مكمّلاً له، أو متكاملاً معه؛ لأنّ من سمات الكلّ الاجتماعيّ، في هذا الوعي، أنّه يأخذ صيغة الحضور الكليّ أو المطلق؛ فهو كليّ المعرفة، كليّ القدرة؛ كليّ الحضور والفاعليّة. وبما أنّ «الأنا أفكّر» هذا مجرّد جزء من كلّ – بالمعنى المشار إليه- فهذا يقتضي أنّ الأنا الفرديّة تغدو مجرّد أداة وظيفيّة عضويّة؛ وجودها أداتيّ (بمعنى وجود لغيره) وظيفيّ (أي لما يحقّق مصلحة الكلّ)، وليس وجوداً لذاته، وهنا تصبح ماهية الأنا الفرديّة جزءاً من ماهية أخرى؛ كليّة، مطلقة، متعالية، هي ما نسمّيه بالأنا الجماعيّة: أنا العشيرة أو أنا القبيلة، أو أنا الأمّة أو أنا الفئة أو الطّائفة، أو الحزب، أو التّنظيم الذي ينتمي إليه الفرد. لذلك فإني أختلف مع الدّكتور الغذّامي للسبب نفسه الذي أشرت إليه في سؤالك، ولأني أعتقد أنّ حالة «الفحللة الشّعريّة» التي تحدّث عنها الدّكتور الغذّاميّ نفسه ناسباً إليها جميع ما حلّ بنا من أمراض وأخطار نسقيّة، قد جاءت في مواجهة حالة القطعنة التي أتحدث عنها، بوصفها الإمكانيّة الوحيدة لتجاوز هذه الحالة، أو للخروج على سيادة منطقها في مرحلة معيّنة من مراحل حياة الإنسان العربيّ، ما جعلنا نؤثر النّظر إلى مسألة العلاقة بين النسقين المشار إليهما من زاوية ما ينشأ بينهما من توتّر وصراع أو جدل، باعتبار أنّ ثمّة ظروفاً وأوضاعاً سوسيو- أنطولوجيّة هي التي تفرض على الكائن الإنسانيّ أن يَتَقَطْعَنَ حيناً (أي أن ينصهر كيانه الفرديّ في كيان الجماعة التي ينتمي إليها انصهاراً كاملاً، بحيث يغدو مجرّد كائن عضويّ وظيفيّ قطيعيّ)، وأن يَتَفَحْلَلَ حيناً آخر (أي أن يتحرّر من تلك الأوضاع، وأن يعلو عليها، وإن في عالم الخيال والحلم)، وهو ما عكس نفسه بوضوح، على مستوى خطابنا النّقديّ العربيّ القديم الذي لعب، هو الآخر، دوراً مزدوجاً سعى خلاله – كما سبقت الإشارة- إلى ترسيخ ذائقة الفَرْدَنَةِ/ الوَحْشْنَةِ، في الفرد، من جهة، وترسيخ ذائقة القَطْعَنَةِ في المجموع الذي ينتمي إليه الكائن الفرد، من جهة ثانية.
التحرر من المأزق
* كيف يمكن للنقد أن يتحرر من هذا المأزق الذي وقع فيه؟
- أعتقد أنّه يمكن لفنّ النّقد، أن يصبح فنّاً منحازاً للفرد وللجماعة، في آنٍ معاً، شريطة أن يتحرّر من ربقة التّبعيّة للجماليّ، بوصفه: القول الشّعريّ أو البلاغيّ على ثلاثة صعد:
أولاً: على صعيد مجال مقاربته، فلا يبقى محصوراً في إطار الخطاب الجماليّ، بوصفه خطاب الفردنة المعبّر في الأساس عن روح الفرد المفرد، والمؤسس لسلطته، بل يجب أن يتجاوزه إلى خطاب الثّقافة/ الحضارة العربيّة، بكل أشكاله وتجلياته.
ثانياً: على صعيد وظيفته؛ فلا تبقى وظيفته: معياريّةً خالصةً، أو جماليّةً خالصةً، بل يجب أن ينفتح على متعدّد الوظائف، ليحقّق متعدّد الأهداف والغايات، بحيث يدخل ضمن تلك الوظائف: وظيفة الكشف عن ضروب السّلط التي تسكن الخطاب، وتمارس قمع المتداولين له واستلابهم، ما يحتم عليه الانفتاح على المعياريّ والجماليّ، الضّروري والحرّ، في آنٍ معاً.
ثالثاً: على صعيد آلياته؛ بحيث ينفتح على آليّات جديدة غير آليّاته القديمة السّلطويّة التي ما انفكّت تكرّس المعياريّة والفردانيّة أو الوحدانيّة أو الأحاديّة طوال تاريخ الحركة النّقديّة عربيّاً وعالميّاً. وما نعنيه بالآليّات الجديدة هنا آليات التّجريب النّقديّ بالمفهوم الذي سعينا إلى بلورته في سياقات مختلفة من دراساتنا.
المبدع والمتلقي
* ماذا عن علاقة المبدع العربي بالمتلقي العربي، هل ترى أن لدينا قطيعة حقيقية بين المتلقي المبدع؟
- أعتقد أن العلاقة بين المبدع العربي عموماً والمتلقي العربي عموماً علاقة مأزومة بالفعل، وأن ثمة قطيعة حقيقية بين الطرفين أخذت أشكالاً وأبعاداً مختلفة بالفعل.
* ما أسباب تلك القطيعة بين المتلقي والمبدع العربيين؟
- تقف وراء تلك الأزمة أو القطيعة جملة من الأسباب، أهمها: اختلاف موقع المبدع (العربيّ) عن موقع المتلقّي؛ فالمبدع ينطلق في كتابة نصه الإبداعي من موقع محدّد هو الموقع الانطولوجيّ، والبحث عن جوهر الفنّ، لذلك فهو ما ينفكّ يحاول «أن يقترب من مآتيه، ويقف على أصل انبعاثه». أمّا المتلقّي فينطلق، في عمليّة تلقّيه للنّص، من موقع انتمائه إلى الواقع الاجتماعيّ أو التّاريخيّ من جهة، ومن موقع انتمائه إلى نصوص الكتابة/ القراءة السّابقة في الوجود على وجوده، من جهة ثانية، لذلك فهو ما ينفكّ يحاول «أن يبحث في النّص الحديث عن أثر، ويترسّم عن وظيفة، محركا فهمه الماقبليّ، وذاكرته النّفعيّة، لتقرّر معنى، وتشتقّ نصّاً من نصّ». ومن هنا رأينا بعض الشّعراء الجدد يتبنّون الدّعوة إلى ضرورة إيجاد قارئ جديد، لا يقرأ شعرهم بذائقة قديمة. وثمّة سبب ثانٍ لتلك القطيعة يتمثّل في اختلاف زاوية النّظر إلى الإبداع، وخاصّة الإبداع الشّعريّ، حيث رأينا بعض المبدعين العرب ينطلقون من إيمان راسخ بضرورة نفي الوظيفة التّواصليّة عن اللّغة الإبداعيّة، ما جعل هذا البعض يتعامل مع اللّغة الإبداعيّة بوصفها مادّة كشف عن الوجود الفرديّ للموجود الفرد، لا أداة تواصل مع الآخرين، «لقد تراجعت العلاقة التّواصليّة بالتّدريج، وانحسرت إلى حدودها الدّنيا، بل إلى منطقة الصّفر، بحيث غدت تلعب دوراً أشبه ما يكون بالمعالجة النفسيّة للذّات الكاتبة».
المناهج النقدية
* ما دور المناهج النقدية التي باتت تملأ الساحة الثقافية في حلحلة هذه الأزمة أو القطيعة بين المبدع والمتلقي؟
- نعتقد أن المناهج النقدية المعاصرة – على الرغم من كثرتها- قد ساهمت في تأزيم تلك العلاقة، بدل أن تساهم في حلّها أو حلحلتها، لجملة أسباب، من أهمّها: أنّها – في جملتها وكما سبقت الإشارة- مناهج منحازة.
* منحازة لمن؟ وكيف؟
- هي مناهج منحازة؛ إمّا للفرد المفرد؛ سواء أكان الفرد المبدع/ منتجاً للنّص (كلّ المناهج الما قبل نصيّة) أم الفرد المتلقّي (النّاقد) الذي يسعى خلال فعل القراءة/ الاستجابة إلى فَرْدَنَةِ ذاته، أو إلى الكشف عن حقيقة وجوده الفرديّ المفرد (كلّ المناهج المابعد نصية = مناهج نقد استجابة القارئ). أو منحازة للنّص في ذاته ومن أجل ذاته (كلّ المناهج النصيّة، داخلاً فيها مناهج النّقد البنيويّ، إضافة إلى مناهج التّحليل الأسلوبيّ). زد على ذلك أنّها في ذاتها مناهج تجريبيّة؛ هدفها تجريب القراءة النّقديّة وإعادة التّجريب، وهذا ما تطلّب منها أن تكون فرديّة، لذلك فهي تُفَرْدِنُ الفعلَ الإبداعيّ (بمعنى تجعله من إنجاز الفرد، وممّا يخصّه) ولا تعمّم هذا الفعل، أو تشيع ثقافته بين السّواد الأعظم من النّاس. وهذا يقتضي أنها مناهج نخبويّة؛ كونها نشأت وترعرعت في حضن المؤسّسة الجامعيّة، ما أدّى إلى ارتباطها بالنّخبة وثقافة النّخبة. وثقافة النّخبة – كما نعلم- لا تكاد تشارك في الحياة العامّة للمجتمع، بل تعيش داخل أسوار المدارس والجامعات فقط، وهي ثقافة يتمّ تعلّمها بوعي، ومن خلال المؤسّسات.
التجريب العربي
* ماذا عن التجريب النقدي العربي؟ هل لدينا تجريب في خطابنا النقدي العربي، أم لدينا أزمة حقيقية في هذا التجريب؟
- من يتأمل في واقع خطابنا النّقدي العربي يجد أننا نحاكي الآخر في تجريبه، ولا نجرّب وفق شروطنا الذّاتية أو الموضوعية، لذلك فنحن نبدأ دوماً من حيث انتهى الآخر.
* كيف؟ هل لك أن توضح هذا أكثر؟!
- لقد انقسم نقّادنا – في مسألة التّجريب النّقديّ هذه- إلى فريقين: فريق غلب عليه محاولة تجريب «نقد النّصوص». وفريق آخر غلب عليه تجريب «نقد نقد النّصوص». وما يجمع بين الفريقين أنّ الفريق الأوّل قد جرّب نقد النّصوص؛ نصوصنا العربيّة، انطلاقاً ممّا يكونه النّقد في ذاكرة الآخر الاصطلاحيّة، وليس انطلاقاً ممّا يكونه النّقد في ذاكرتنا الاصطلاحيّة المجرّب فيها ومن خلالها، فهو يجرّب نقد النّصوص؛ نصوصنا (على الأقلّ كونها قد كتبت بلغتنا) وفق منطق التّجريب الجاهز عند الآخر. وهذا يقتضي أنّ نقّاد هذا الاتّجاه لم يجرّبوا «نقد النّصوص» في الحقيقة، بل حاكوا (من المحاكاة) تجربة الآخر في «نقده لنصوصه». أمّا الفريق الثّاني الذي جرّب «نقد نقد النّصوص» فحاله لا يختلف كثيراً، في هذه المسألة، عن الفريق الأوّل، من حيث إنّه قد أخذ يجرّب «نقد نقدنا» العربيّ، انطلاقاً من تجربة «نقد نقد الآخر» أو قل: وفق منظور جاهز ل «نقد النّقد» أخذه عن الآخر. وهذا يعني أنّ شرط التّجريب النّقديّ الحقيقيّ منعدم عند الفريقين كليهما، وإذا انعدم شرط التّجريب النّقديّ، انعدم شرط الفهم (العلميّ) المجرَّب للنّقد عند كليهما.
تجربة الغذامي
* ماذا عن تجربة الناقد الدكتور عبدالله الغذامي؟
ما يميز النّاقد الدّكتور عبدالله الغذّامي أنه – حسب اعتقادي- جرّب النقد بمستوييه: «نقد النّصوص» إضافةً إلى «نقد نقد النّصوص» فكان موفّقاً أيمّا توفيق في الأولى، ولا ندري إن كان قد وفق بالقدر نفسه في الثّانية، لاسيّما أنّه قد انطلق في عمليّة تجريب «نقد النّقد» (كما تجلّى ذلك بوضوح في كتابه: النّقد الثّقافي) من الذّاكرة الاصطلاحيّة (الثّقافيّة) في «نقد الآخر»، لقد أراد أن يؤسّس لمنهج في «نقد نصوص» الثّقافية العربيّة، ذاكرته -في الجملة- غير عربيّة، ولا ندري إن كان ذلك ممكناً، إذ كيف يمكنك أن تؤسّس لمنهج في نقد الثّقافة؛ ثقافة أيّ أمّة من الأمم، ما لم تستند إلى ثقافة تلك الأمّة نفسها، أو على الأقلّ إلى ما سماه الدّكتور الغذّامي نفسه ب «الذّاكرة الاصطلاحيّة» لتلك الأمّة.
* لماذا اعتبرت قراءتك النسق المفكر في فكر الدكتور عبدالله الغذامي مغامرة؟
- لأنها قراءة بدئية، ولا تسير في طريق سالكة أو مألوفة، لذلك فهي غير مأمونة العواقب ولا مضمونة النتائج.
هيمنة الإثارة
* ترى في كتابك «اتجاهات الخطاب النقدي العربي» أن هناك هيمنة قي نسق الإثارة والإدانة في كتاب الدكتور الغذامي «النقد الثقافي». كيف لنا أن نتبين بعض ملامح هذه الهيمنة؟
- تتجلى ملامح تلك الهيمنة على مستويات مختلفة من ذلك الكتاب؛ بدءاً بملفوظ كلمة الشكر التي افتتح بها الكتاب، فملفوظ مقدّمة الكتاب، فملفوظ الكتاب، بكامل أصوله وفصوله. فضلا عن مواضيع التفكير فيه، حيث تم حصر مواضيع التفكير في الكتاب فقط في كلّ ما من شأنه أن يثير ويستثير أو يستفزّ وعي القارئ العربيّ عموماً، ويثير مشاعره، ويدفعه، من ثمّ، إلى التّعبير عن رأيه إزاءه؛ سلباً أو إيجاباً؛ مع الكاتب أو ضدّ الكاتب.
يكفي أن نشير هنا إلى أنّ ملفوظ المقدمة على سبيل المثال قد تمّ سرده من موقعين اثنين: موقع إثارة الأسئلة حول قضايا ومواضيع هي أصلاً مثار خلاف وجدل بين المثقّفين والنّقاد العرب قديماً وحديثاً، بخاصّة قضيّة الحداثة والقدامة. وموقع الإجابة عن تلك الأسئلة المثارة، ومحاولة إثبات أدلة ثبوت الإدانة ضد تلك القضايا أو ضد معتنقيها، على نحو يؤكّد هيمنة نسق التّسلّط والإثارة، ليس فقط على مستوى حركة بناء الجمل الثّقافيّة الخبرية التي طغت في بنية ملفوظ المقدّمة، بل وعلى مستوى حركة بناء الجمل الإنشائيّة أو الطلبيّة (الاستفهاميّة) تلك التي استهلّ بها المؤلّف ملفوظ المقدّمة، على نحو يؤكّد تحوّل أفق التّساؤل (النّقديّ) الذي يفترض أن الكاتب قد انطلق منه (في الكتاب) إلى أفق تساؤل خطابيّ بلاغيّ (فحوليّ).
الحميري (الثاني من اليسار) في إحدى المناسبات الثقافية في نادي أبها الأدبي (الشرق)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.