تحدي NASA بجوائز 3 ملايين دولار    سجن سعد الصغير 3 سنوات    تحديات تواجه طالبات ذوي الإعاقة    حرفية سعودية    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    السد والهلال.. «تحدي الكبار»    ظهور « تاريخي» لسعود عبدالحميد في الدوري الإيطالي    قيود الامتياز التجاري تقفز 866 % خلال 3 سنوات    رئيسة (WAIPA): رؤية 2030 نموذج يحتذى لتحقيق التنمية    سعود بن مشعل يشهد حفل "المساحة الجيولوجية" بمناسبة مرور 25 عامًا    أمطار على مكة وجدة.. «الأرصاد» ل«عكاظ»: تعليق الدراسة من اختصاص «التعليم»    «التعليم»: حظر استخدام الهواتف المحمولة بمدارس التعليم العام    «الاستثمار العالمي»: المستثمرون الدوليون تضاعفوا 10 مرات    فصل التوائم.. أطفال سفراء    نيوم يختبر قدراته أمام الباطن.. والعدالة يلاقي الجندل    في الشباك    بايرن وسان جيرمان في مهمة لا تقبل القسمة على اثنين    النصر يتغلب على الغرافة بثلاثية في نخبة آسيا    قمة مرتقبة تجمع الأهلي والهلال .. في الجولة السادسة من ممتاز الطائرة    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    نائب أمير الشرقية يكرم الفائزين من القطاع الصحي الخاص بجائزة أميز    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    ضاحية بيروت.. دمار شامل    من أجل خير البشرية    وفد من مقاطعة شينجيانغ الصينية للتواصل الثقافي يزور «الرياض»    ألوان الطيف    مملكتنا نحو بيئة أكثر استدامة    «بنان».. جسر بين الماضي والمستقبل    حكايات تُروى لإرث يبقى    جائزة القلم الذهبي تحقق رقماً قياسياً عالمياً بمشاركات من 49 دولة    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    أهمية قواعد البيانات في البحث الأكاديمي والمعلومات المالية    كلنا يا سيادة الرئيس!    القتال على عدة جبهات    معارك أم درمان تفضح صراع الجنرالات    نقاط شائكة تعصف بهدنة إسرائيل وحزب الله    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    تطوير الموظفين.. دور من ؟    الدكتور ضاري    التظاهر بإمتلاك العادات    مجرد تجارب.. شخصية..!!    كن مرناً تكسب أكثر    نوافذ للحياة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    الرئيس العام ل"هيئة الأمر بالمعروف" يستقبل المستشار برئاسة أمن الدولة    قصر بعظام الإبل في حوراء أملج    ما قلته وما لم أقله لضيفنا    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    التوصل لعلاج فيروسي للسرطان    استعراض السيرة النبوية أمام ضيوف الملك    أمير الشرقية يستقبل منتسبي «إبصر» ورئيس «ترميم»    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي في دورته الثانية للعام ١٤٤٦ه    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    الأهل والأقارب أولاً    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنا مؤسس وواضع مناهج اللغة العربية بجامعة الملك عبدالعزيز
الناقد والأكاديمي د. عبد الله الغذامي في الجزء الثاني:
نشر في اليوم يوم 23 - 01 - 2003

تلبية لرغبات العديد من القراء الذين يتواصلون في قراءة حوار أخيرة الخميس. عمدت إلى إجراء الجزء الثاني من حوار الدكتور عبدالله الغذامي. رصدت فيه الجوانب الشخصية من حياته.. والصراع الدائر بينه وبين خصومه الذين عارضوا وجهة نظره حول الحداثة.
الدكتور الغذامي الذي عانق الكلمة منذ أن كان طفلا، كان ولا يزال قارئا نهما لكل ما يقع في يده من كتب التراث والتاريخ، منعه أبوه من الخروج إلى الشارع للعب مع أقرانه، لأنه كان يريده ابنا مختلفا عمن هم في مثل سنه، وكان الغذامي يعتبر دكتاتورية والده معه سجنا، ونوعا من الاضطهاد، لكنه بعد أن نضج فكريا وتحولت قراءاته الجادة إلى شعاع ينير له طريق الفكر والعلم والبحث، أدرك أن سجن والده له في المنزل كان مفيدا له.. بدأ تراثيا، ولم يصل إلى ما أطلق عليه الحداثة والأدب الحديث، إلا عندما كان طالبا في الثانوية، وبالتحديد عندما سمع عن نازك الملائكة، وفجر لقاؤه بالشيخ سلمان الفالح مدير المعهد العلمي بعنيزة ملكة الإبداع لديه، فاكتشف هو ومجموعة من زملائه أنهم مسرحيون وشعراء وكتاب، اصدروا 17 جريدة حائطية، وبعد 20 سنة من كتابته الشعر، اكتشف أنه ناقد وليس شاعرا، عاش صراعا نفسيا مريرا بعد صدور كتابه (الخطيئة والتكفير) عام 1405ه، حيث كادت الحملة الشعواء التي أثيرت ضده في قسم اللغة العربية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة أن تفقده فرصة العيش حياة سوية على المستوى العقلي والنفسي، اتهموه بالماسونية، الكفر، الخيانة الوطنية، وهو الرجل المحب لوطنه العربي. وصف الدكتور سعد البازعي منهجه بالخيانة الوطنية، في العديد من مقالته.. له وجهة نظر معارضة لوجهة نظر الدكتور البازعي، فهو يرى أن الدكتور البازعي غير قادر على التنظير، وأن جهده التنظيري ضئيل، وليس عنده عمق معرفي يمكن أن يصل إلى حد التنظير، وان ما يكتبه ما هو إلا مجرد تأليف أدبي نقدي، لا يرقى إلى مستوى النظرية، كما يرى أن التنوع الفكري والثقافي مطلب ضروري، والتطرف واقع لا مناص منه، لذلك يرى أهمية إدخال روح الحوار في مجتمعنا، كما يرى أيضا أن الاختلاف بين الطوائف والفرق في مجتمعنا السعودي هو اختلاف طبيعي بشري لا يرقى، ولا يجب أن يرقى إلى حد التوتر والشقاق.
له وجهة نظر خاصة حول إبداع المرأة التشكيلي، ويرى أن العدد الكبير الموجود على الساحة منهن يعد ظاهرة صحية، وعلامة تغير ثقافي وحضاري، سيكون لها شأن واثر كبير وواضح في المستقبل، حيث ان المجتمع تشبع على مدى القرون والتاريخ والحضارات والثقافات من ثقافة، وفكر الفحول، والمجتمع بحاجة إلى الأدوار المتواصلة للمرأة، لكي تقدم البعد الأنثوي في الإبداع، كما أنه يرى أن أدب المرأة هو جزء من قضية المرأة الكلية، وقضية المرأة هي جزء من قضية المهمش الاجتماعي ككل.
الدكتور الغذامي الذي ظلمه التاريخ كرمته مؤسسة الفكر بجائزة الإبداع. كما كرمه قارئ حوار الخميس الذي طالب بإجراء حوار آخر معه؟ فهل ينصفه مرة أخرى قارئ ومسؤول ومثقف (اليوم)؟
إليكم قراءنا حقائق الصراع.
جوانب شخصية
@ ما الجانب الشخصي في حياة الدكتور عبدالله الغذامي الذي لا يعرفه الكثير من قراء (اليوم) وقراء الناقد والأكاديمي المعروف الغذامي؟
* لكل إنسان منا جوانبه الشخصية، وكثيرا ما تكون هذه الجوانب الشخصية مماثلة لأناس عديدة في الحياة. ولكن الأشياء التي اعتقد أنها تختلف بالنسبة لي عن سائر أقراني، هي أنني في صغري كنت أعيش مع الكتاب، وهذه كانت رغبة خاصة من والدي (رحمه الله)، فوالدي لم يكن يرتاح إلى تربية الشارع، ولا ترتاح نفسه لخروجي إلى الشارع مع الأطفال الآخرين من أقراني، وكان يخشى أن يضر هذا بي تربويا، لذلك فهو كان حريصا على إبقائي داخل المنزل، وكانت طريقته في الاحتفاظ بي في المنزل هو توجيهي نحو القراءة من صغري! طبعا كنت انظر إلى هذا على أنه تربية قاسية، أو ضغط أكثر من اللزوم، أو انه اضطهاد. إنما مع الزمن تبين لي انني استفدت كثيرا من هذا التصرف، لأنني اتجهت إلى الكتب فعلا في وقت مبكر جدا من حياتي، وكان ذلك في المرحلة الابتدائية، ونضجت قراءتي في المرحلة المتوسطة، حيث انني فعلا قرأت أعمالا كبيرة جدا على سني، أو على تلك المرحلة، وبعضها لا تزال عندي كانت من أيام المتوسطة مثل (مروج الذهب للمسعودي)، وهو كتاب من أهم كتب التاريخ، كذلك (ديوان الفرزدق)، وهذان الكتابان بالذات لا يزالان عندي إلى الآن في بيتي منذ المرحلة المتوسطة، بل انني عثرت على ورقة صغيرة في كتاب مروج الذهب كنت كتبتها وأنا في الثالث المتوسط، أسجل فيها تاريخ بداية قراءتي الجادة، واحتفي بمرور سنة على قراءتي الجادة، وبالمصادفة عثرت على الورقة في وسط كتاب مروج الذهب، ولم اكن أتذكرها فلقد نسيتها. ورقة صغيرة كتبتها ووضعتها في الكتاب، ومرت السنون فرأيتها وسط الكتاب، ومازلت احتفظ بها في الكتاب نفسه، والخط والأسلوب الذي كتب بها هو أسلوب و خط شخص في المرحلة المتوسطة، لكن هذا مؤشر على مرحلتي الأولى في قراءتي الجادة، وبالكتب المهمة ذكرت لكِ آنفا ديوان الفرزدق ومروج الذهب، أيضا (في نفح الطيب)، وكتاب (الأغاني)، و(العقد الفريد)، و(النقائض بين جرير والفرزدق)، و(ديوان المتنبي)، ودواوين الشعراء الجاهليين، ومعظم هذه الكتب لا تزال عندي من المرحلة المتوسطة، ومازلت اعتمد عليها في بحوثي ودراساتي. وهذا هو المعلم الأساسي في طفولتي، القراءة، وبالذات القراءة الجادة مع الكتب التراثية الجادة.. فأنا بدأت تراثيا، ولم أصل إلى مسألة الحداثة والأدب الحديث والشعر الحديث إلا في مرحلة متأخرة هي المرحلة الثانوية، أول ما سمعت عن نازك الملائكة، مجرد سماع في عام 1383ه (1963م). ومن هنا فإن معرفتي بالحداثة جاءت بعد غوصي في التراث وكتب التراث، في أثناء هذه الفترة لم أكن أعرف أن لدي مواهب إبداعية من أي نوع كنت أقرأ فقط، وأدمن القراءة، إلى أن جاء رجل هو الشيخ سليمان الفالح، وتولى إدارة المعهد العلمي بعنيزة، وكان نشطا، ومحبا للنشاط، فبسبب حيويته ونشاطه ودفعه لنا للعمل، اكتشفت أنا ومجموعة من الشعراء أننا شعراء، وأننا مسرحيون، وأننا كتاب، فصرنا نصدر جرائد حائطية وصلت إلى 17 جريدة حائطية، وصرنا نعمل مسرحيات نكتبها، ونخرجها ونمثلها، وعملت أنا في كل هذه الحقول في وقتها، وصرت أنا وأحد زملائي (محمد سليم) نكتب قصائد ونلقي أمسيات شعرية في المعهد، واستمر ذلك مدة سنة كاملة، إلى أن انتقل الشيخ سليمان الفالح إلى الزلفي، فتعطل نشاطنا هذا كله، لكننا اكتشفنا أننا فعلا لدينا موهبة الكتابة ولسنا مجرد قراء، وقد أفادتني صحبة صديقي وزميلي محمد السليم في أنه كان منافسا قويا لي في القراءة، وكنا نتنافس في استعارة الكتب من المكتبة العامة في عنيزة، ومن مكتبة المعهد العلمي، وكلما ذهبت لاستعارة كتاب انظر للدفتر، أو سجل الإعارة، وأنظر إلى اسم محمد متى استلم هو الكتاب.. ومتى أعاده، لكي أقيس أنا الوقت الذي يستهلكه هو في قراءته احد المجلدات، والوقت الذي احتاجه أنا في قراءة المجلد نفسه، وهذا دفعني ودفعه للقراءة الحرة المستمرة والمتواصلة، وكانت منافسة ماراثونية بيني وبينه على القراءة، ثم في زمن الشيخ سليمان الفالح كمدير للمعهد، جاءت المنافسة على الكتابة الشعرية والإبداعية، وظل هذا الوهج من القراءة الشعرية والكتابة الإبداعية من جهة، لكننا توقفنا عن النشر إلى أن صدرت جريدة (الرياض)، على يد العلامة الشيخ حمد الجاسر كعدد أول، فنشأت لدينا حالة تحفيز وتحفز للنشر.. حبا لحمد الجاسر وتعاطفا معه، ونحن كنا شبابا صغارا جدا متحمسين لرجل وطني مثل حمد الجاسر، فصرنا نكتب، وكتبت قصيدة أحيي فيها ثورة عدن ضد الاستعمار البريطاني عام 1964م، ونشرت القصيدة في جريدة (الجزيرة)، وهذا دفعني للحماس وكتبت بعدها قصيدة حينما زار الحبيب بو رقيبة مدينة القدس، ودعا إلى تصالح عربي إسرائيلي، وقامت ضجة سياسية في ذلك الوقت ضد تلك الدعوة!! وكان إحساسي الوطني والقومي كبير جدا، فكتبت قصيدة ضد دعوة بو رقيبة، وأرسلتها إلى جريدة (الجزيرة)، لكنني ظللت أسابيع واكثر من أسابيع ولم تنشر، لم افهم وقتها لماذا؟ طبعا الآن أفهم ان السبب سياسي ورقابي! لكن في ذلك الوقت كنت اعتقد ان الجميع متفقون على وقفة قومية واحدة. عدم نشر هذه القصيدة أصابني بالإحباط، وتوقفت عن فكرة نشر القصائد، اعتقد الآن لو أن (الجزيرة) نشرت قصيدتي الثانية لكنت حينئذ سأستمر، وربما ظهرت كشاعر من ذلك الوقت، وظللت على تلك الفترة من 1963 إلى 1964م ومستمر بالكتابة داخل منزلي، ومستمر بالقراءة أيضاً، وظللت اكتب الأشعار، واستمرت معي مسألة كتابة الشعر إلى عهدا يكاد يكون طويلاً، نشرت بعض النصوص، ثم وصلت بعد مدة إلى أن قررت أنني لست شاعراً، وأعلنت قتل تجربتي وموهبتي الشعرية، لأنني اكتشفت أنني ناقد ولست شاعرا، واحمد الله الآن أنني لم انشر ديواني الذي كنت أفكر في نشره، وسوفت في هذا النشر ولم انشره، والآن أحمد لله أنني لم انشره، لأنني لو نشرته لصرت نادما عليه الآن، وقصائدي التي كتبتها على مدى 20 سنة هي بالنسبة لي الآن مجرد أوراق قديمة وذكريات قديمة، ولم تعد تعنيني بأي حال من الأحوال!! لكن معظم هذه القصائد وطني، وجزء منها غزلي، لكني كنت مهموما بالمسألة الوطنية والقومية، وكان معظم شعري في هذا المجال.
ثم مرت السنون عادية بعد ذلك حيث تجربتي في الرياض، حين انضممت إلى كلية اللغة العربية عام 1965م، وكانت صدمة كبيرة جدا بالنسبة لي، إذ وجدت أن الكلية أقل بكثير مما كنت آمل وأطمح، ولم يكن فيها شيء على الإطلاق.. كانت تجربتي في المعهد العلمي أقوى، كان المدرسون الذين درسونا في المعهد العلمي من أكابر المشائخ مثل الشيخ محمد العثيمين، والشيخ علي الزامل، وبعضهم من النحويين واللغويين الكبار، درسنا أصول التفسير، أصول الفقه، مصطلح الحديث، العلوم الشرعية، العلوم اللغوية.. حينما جئت لكلية اللغة العربية في الرياض، وجدتها أقل بكثير من حيث مستواها المعرفي، وكنت أتصور في ذهني أنني ذاهب إلى جامعة، فيها حيوية الجامعات ونشاط الطلاب والنشاط الثقافي، والنشاط الفكري والوطني، ولم أجد أي شيء من ذلك، وجدت نفسي في مدرسة كبيرة فقط اسمها كلية، وأصبت بصدمة، لذلك قررت الانتساب، وانتسبت للدراسة، وعملت في وزارة الدفاع.
وزارة الدفاع
@ لكن لماذا وزارة الدفاع بالتحديد؟
* اخترت وزارة الدفاع لأنني علمت من أحد أصدقائي أن الوزارة تقيم دورات في اللغة الإنجليزية، وفي التدريب على تخزين السلاح، فذهبت إلى الطائف لمدة 6 أشهر، في دورة تدريبية حصلت فيها على دبلوم في اللغة الإنجليزية وتخزين السلاح. وكان أساتذتنا في ذلك الوقت من الأمريكيين، وهذا كان سنة 1967م، سنة الهزيمة والانتكاسة، ولذلك لم أكن على وفاق مع هؤلاء الأساتذة، حيث انني كنت أشعر بأن أمريكا مسؤولة عن الهزيمة، ولذلك كنت في علاقة مضطربة معهم، وكان من المفروض أن استمر في الدراسة لكن بسبب علاقتي المضطربة معهم أعطوا تقارير سلبية عني، ولم يوصوا باستمراري في الدورة، وأنا من طرفي لم أكن راغباً أصلاً في البقاء والاستمرار معهم، بسبب الجو النفسي والعاطفي في علاقتي معهم، وعدت نتيجة لهذا إلى الرياض، وظللت اجمع بين العمل في الوظيفة والدراسة في الكلية، إلى أن أنهيت الكلية، حينها لم يكن في كلية اللغة العربية فكرة معيدين، ولم يكن بها نظام للإعادة، كما أن شهادة كلية اللغة العربية لم تكن مقبولة في أي جامعة أو كلية أخرى، لأنهم لا يعترفون بتلك الكلية! لذلك كان مستقبلي قاتما، وكنت متطلعا للدراسات العليا، إلى أن حدث شيء بمحض الصدفة، أو بالأحرى توفيق من الله، إذ كان والدي رحمه الله في يوم من الأيام يستمع في الراديو للأخبار، وكان من عادته بعد انتهاء نشرة الأخبار أن يغلق الراديو، ولكنه في ذلك اليوم وبمحض الصدفة لم يغلق الراديو.. وأنا كنت في غرفة أخرى من المفترض أنني نمت تعسيلة الظهر، لكن بتوفيق الله في ذلك اليوم لم أنم، كما أن الوالد لم يغلق الراديو، هنا سمعت أو وصل إلى سمعي وأنا ممدد في الغرفة اعلانا في الراديو من جامعة الملك جدة الأهلية (جامعة الملك عبدالعزيز) يطلبون معيدا في اللغة العربية.. لو لم أسمع ذلك الإعلان لما وصلني هذا الخبر أبداً، لأن الخبر في وقتها لم ينشر في الصحف، ولا يكرر في الإذاعة، فأنا أرى أن توفيق الله جعل والدي لا يغلق الراديو كعادته بعد سماع الأخبار، وأنا أيضا لم انم كعادتي بعد فترة الغذاء، فصحوتي من جهة وعدم إغلاق الوالد الراديو من جهة اخرى جعلاني اسمع إعلان الجامعة، لو لم يحدث هذا لما سمعته قط، ولما علمت عنه. لذا بادرت بالذهاب من الرياض إلى جدة، وقدمت أوراقي، وكان المتقدمون كثيرين جدا من كل أنحاء المملكة، والحمد لله جرى اختياري من بين المجموعة كلها، وابتعتث نتيجة لهذا إلى بريطانيا.. في اليوم الذي ابتعثت فيه تحولت جامعة جدة من أهلية إلى حكومية، فمن هنا صرت تابعا لجامعة حكومية، وأكملت دراستي في بريطانيا لمدة 7 سنوات، عدت بعدها في عام 1978م، وعملت في جدة في جامعة الملك عبد العزيز لمدة 11 عاما، ثم انتقلت في العام 1409ه إلى الرياض، حيث اعمل حالياً في جامعة الملك سعود. هذا ملخص عن أهم معالم حياتي الخاصة.
من جامعة إلى جامعة
@ كيف هي علاقتك بجامعة الملك عبدالعزيز اليوم بعد انتقالك منها للرياض؟
* معظمهم أصدقاء بالمعنى الحقيقي للصداقة، وبعضهم مجرد زملاء، وبعضهم لي ذكريات معهم، لكن على أي حال هي ذكريات مشوبة بالاضطراب، فللأسف الشديد كانت تجربتي في قسم اللغة العربية في جامعة الملك عبد العزيز مُرة بشكل شديد، كان لي دور أساسي في تأسيس هذا القسم، وفي تعيين معظم الأساتذة والمعيدين فيه، وكنت رئيسا لهذا القسم، وأنا المسؤول عن مناهجه، وعن تكوينه الأول، وكنت أحد النجوم المحبوبين جدا في القسم وفي الجامعة، لكن بعد صدور كتابي (الخطيئة والتكفير) عام 1985م انقلبت الحال، فمعظم الزملاء وقفوا موقفا مضادا ضدي، وضد أفكاري، وبدأت حملة شعواء وعنيفة جدا، كانت شرسة إلى حدود لا يمكن احتمالها، أو الصبر عليها، وقامت حرب داخلية في القسم نفسه من عدد من الزملاء من 4 أو 5 منهم كانوا يقفون موقفا سيئا جدا مني، ويؤذون طلابي، ويؤذون كل من يتصل بي، أو له علاقة بي، أيضا يستكتبون أخبارا ضدي في الصحف، كانوا يكتبون مقالات ضمن حملة صحفية داخلية ضدي، وأيضا بدأوا يعملون أعمالا غير لائقة وكتابة تقارير وتشويه.. فكان الجو قد وصل إلى درجة من البؤس والشناعة، بحيث لو أني استمررت فلن أعيش حياة سوية على المستوى العقلي والنفساني، لذلك قررت الانتقال للتخلص من هذا الجو، لكني كنت سعيدا جدا في الأجواء الاجتماعية في جدة، وفي علاقاتي مع الوسط الثقافي هناك، وفي علاقاتي مع الجامعة كإدارة ومؤسسة، لكن مع القسم لا، فلقد كانت الأوضاع سيئة جدا، بحيث أن البقاء في هذا القسم أصبح لا يحتمل ولا يطاق، ولا يمكن الصبر عليه!! وهذا هو الذي جعلني اتخذ قرار بالانتقال إلى الرياض.
حقيقة الصراع
@ تحدثت حول سبب انطلاق شرارة العداوة بينك وبين أفراد في قسم اللغة العربية.. فما حقيقة هذا الصراع الفكري الذي خضته في تلك الفترة حول الحداثة والنقد، والذي وصل إلى حد التكفير؟ وهل مازلت تحمل مرارة في نفسك من تلك العدوات، التي صارت في تلك الفترة؟ وهل مازال بعضها باق حتى الآن؟ أم أنها خبت فأصبحت مجرد مرحلة تاريخية من تاريخ التأريخ للحداثة في مجتمعنا؟
* أولا المرارة، أنا لا احمل مرارة والحمد لله أنا قلبي صاف حتى مع خصومي! وأقول ربي اغفر لهم فإنهم لا يعلمون، لكنني غاضب نعم بكل تأكيد، ومتأثر منها نفسيا بكل تأكيد، لكنها لا تصل إلى درجة الحقد، ولا الضغينة ولا المرارة، ولا أتمنى لهم الشر، بل اني أترحم على من مات منهم، واستغفر لمن هو حي، لكن هذه وقائع تاريخية، وأنا اعتقد أنه يجب ان أرويها، وأنا عندي مقالاتي كانت سلسلة من المقالات بعنوان (حكاية الحداثة)، وفيها اروي كل هذه القصص، جرى وقت من الأوقات كانت جوامع جدة كلها تتكلم في الخطبة عني بالاسم الصريح!! وكنت لا أجرؤ أن أذهب لأي جامع من الجوامع في جدة للصلاة يوم الجمعة، خشية ان يتم التعرض لي، وشتم اسمي علانية في نفس المكان الذي أنا فيه، وباستثناء مسجد واحد فقط كان خطيبه تلميذاً لي اعرفه ويعرفني، وكنت واثقا من أنه لن يتكلم ضدي. وجرى مرة أن كان خطيب مسجد جامعة الملك عبدالعزيز بجدة مصريا، وهو أستاذ الدراسات الإسلامية، وكنت أصلي مع سائر زملائي، وكل المجموعة التي في المسجد هم من منسوبي جامعة الملك عبدالعزيز، ولما قام الخطيب كانت الخطبة كلها عني تحديدا، وكانت عينه بعيني، يراني وأراه، وهو يخطب، هل تتصورين كيف ان المسألة بلغت إلى هذا الحد!! انني في المسجد، وأمام الخطيب الذي يعرفني وأعرفه على المستوى الشخصي، وكل الذين في المسجد هم أيضا من الزملاء في كليتي أو الكليات الأخرى، وتكون خطبة الجمعة كلها مخصصة عني!! بالنسبة لي كان يوماً كئيباً جدا ذلك اليوم، لأنه مؤذ جدا على المستوى النفسي، ولم يتورع الخطيب أبدا أن يلقي الاتهامات، ويكيل كل الأوصاف الخطرة جدا، مع أنه لم يقرأ كتابي (الخطيئة والتكفير)، ولم يتابع مقالاتي وبحوثي ومحاضراتي، ولم يقرأ مقالاتي، فللأسف كانت الحملة مبنية على سوء الظن، وعلى مجموعة من الإشاعات، وما اسميه بثقافة المجالس.. كان الناس يتناقلون الأخبار عن بعضهم ويصدرون الأحكام.
@ من الذي بدأ هذه الحملة ضدك يا دكتور؟
* أول من بدأها هو الأستاذ محمد عبدالله ملباري (رحمه الله)، حيث كتب عني ما يقل عن 30 مقالة في جريدة (الندوة)، وكلها تتضمن كيلا من الاتهامات بكل شيء، ابتداءً من الماسونية، الشيوعية، العلمانية، الإلحاد، الكفر، الخيانة الوطنية إلى آخره، حتى ان البعض وهم ليسوا من التقليديين ينسبون أنفسهم إلى الحداثة مثل الدكتور سعد البازعي كتب مرات، ووصف منهجي بالخيانة الوطنية، واتهمني بالخيانة الوطنية، وهذه حملة أحيانا تحدث من التقليديين، ومن يسمي نفسه حداثيا، واستمرت على مدى اكثر من 6 سنوات، إلى أن ظهر شريط فيه حملة عنيفة جدا، ثم ظهر كتاب بعنوان (الحداثة في ميزان الإسلام)، وظهرت 4 كتب أيضا كلها (الحداثة بمنظور إيماني)، و(نقاد الحداثة وموت القارئ)، وكلها مركزة بتركيز شديد في عملية تشويهية واتهامية ضدي، وكانت معركة عنيفة جدا، وصلت إلى التعاملات في الشارع العام، وفي المطارات، وفي الأسواق التجارية، حيث أتعرض دائما إما لتعليقات أو لصدود، أو لنظرات فيها كراهية وشراسة، وبعض الناس وصل إلى حد إن يحرم التعامل معي، فقد رفض أحدهم ان يشتري سيارة مني، أو أنا اشتري سيارة منه، فهو يرى أن أموال الحداثيين محرمة، وانهم زنادقة وكفرة!! وكانت بعض المنشورات تلصق على باب مكتبي، أو توزع على طلابي في القاعة، وأنا أحاضر، أو هواتف تأتي إلى البيت، أو إلى والدي رحمه الله في عنيزة، يحاولون تشويه اسمي وسمعتي عنده، أو التعريض بي حتى لأطفالي، فمثلا أطفالي في المدرسة يسمعون كلاماً أن أباهم كذا وكذا! فكانت حملة عنيفة بشكل شديد بالنسبة لي، الآن أصبحت ذكريات، وإذا قيس على التاريخ.. فالتاريخ كله بهذا الشكل.. كل إنسان يحمل فكرة لا تكون من السائد والمسلم بها اجتماعيا تحدث معارضة لفكره، فأنا اعتبرها نوعا من المعارضة، وهي بالتالي في ظني أنها خدمت مشروعي العلمي والثقافي والفكري، لأنها أولا دفعتني إلى مزيد من العمل، ثم انها قامت بتسويق أعمالي وكتبي دون أن تعلم، حتى أن مؤشرات التسويق لكتاب (الخطيئة والتكفير) كانت تشير إلى أنه مع ارتفاع الحملات ترتفع المبيعات، والكتاب إلى الآن طبع منه 5 طبعات، وصدرت منه آلاف النسخ، فهو استهلك بصورة كبيرة، فالطبعة الأولى صدرت منها 10 آلاف نسخة، وانتهت في عام واحد، وهذا بالنسبة للكتب العربية يعتبر رقما كبيرا، حتى كتب نجيب محفوظ لا يباع منها أكثر من 3 آلاف نسخة، فما بالك بكتاب نقدي جاد ومتخصص تباع منه 10 آلاف نسخة في سنة واحدة!! هذا سببه طبعا الحملة المضادة للكتاب، فالحملة هي التي سوقت ودفعت الناس إلى أن يتعرفوا على هذا الكتاب الذي تُكال له كل هذه الاتهامات.
تنوع المشهد الثقافي
@ تنوع المشهد الثقافي والفكري الذي يصل إلى حد التطرف ما تعليقك عليه؟
* التنوع مطلوب وضروري جدا، وبما أن التنوع مطلوب وضروري، فيجب أن نسلم أن بعض التطرف سيقع حتما وغصبا عنا وليس باختيارنا، لذلك سيكون من مهمة الكتاب والمثقفين والمفكرين الاجتماعيين أن يتعاملوا مع التطرف ليس بتطرف مواز، ولكن بحوارية، نحن بحاجة إلى أن ندخل روح الحوار في مجتمعنا، والحوار في مجتمعنا يجب إن نأخذ في الاعتبار أنه ليس للإقناع أحيانا.. أحيانا نحن نتصور أن الحوار هو للإقناع، لكن يجب أن نفهم أن الحوار هو من التفاهم للفهم.. نحاور الطرف الآخر كي يفهمني وأنا افهمه، لكن أن أحاوره كي اجعله يقتنع برأيي، أو أنا اقتنع برأيه فهذا لا يسمى حوار. هذا يتحول إلى صراع حينئذ.. بل إذ لم يقتنع أحد الطرفين سيقوم واحد من الطرفين باتهام الطرف الآخر بعدم الفهم، التعنت، الخروج، المروق.. إلى آخره. ما نحتاجه هو الحوار بمفهومه الحقيقي، والمفهوم الحقيقي للحوار هو (أن يفهم كل طرف وضع الطرف الآخر، وليس أن يحوله إلى نسخة منه)، نحن بحاجة في مجتمعنا إلى هذا الحوار، الذي يؤدي إلى الفهم (والفهم) بين قوسين أضعها وأركز عليها، الحوار الذي يجعل بعضنا يفهم البعض الآخر ويتفهمه، وليس الحوار الذي يحاول أن يحول الطرف الآخر إلى نسخة من الطرف الأول، هذا مستحيل، وهذا لا يسمى حواراً، ولا يفضي إلى معادلة اجتماعية سليمة، الحوار الاجتماعي السليم هو السعي لأن يفهم كل طرف الطرف الآخر، وهذا هو الذي نحتاجه، ولا يمكن أن نحتاجه إلا بناء على قبول فكرة التنوع والتعدد، وأن الناس متنوعون، ومتعددون، مختلفون، لكن الاختلاف لا يؤدي إلى خلاف، وإلى شقاق، وإلى توتر، وتعارضات، وإنما يؤدي إلى أن يفهم بعضنا بعضا فقط.. يعني يجب على الطويل أن يفهم أن هناك واحدا قصيرا، ويجب على الطويل أن يعرف أن القصير ليس أقل شاناً منه وأقل قيمة منه، وإنما فقط هو قصير!! لا يعني أنه أفضل، ولا يعني أنه أكثر قيمة منه.. والقصير أيضا عليه أن يعرف أن الطويل طويل ليس بمعنى انه أفضل وأرقى، ولكنه هو مجرد طويل، وقياسا على هذا يجب أن نفهم باقي الشأن الاجتماعي، الفكري، الذهني، النفسي والعقدي.... الخ كل الأشياء التي بين طوائف مجتمعنا وفرق مجتمعنا وفئات مجتمعنا، كلها أمور تدخل في الاختلاف الطبيعي البشري الذي يجب أن ننظر إليه على أنه شيء طبيعي، وليس شيئا خطرا وشاذا..... كلمة
علاقة الناقد بالمرأة
@ أصدرت مؤلفا بعنوان (المرأة واللغة)، فما علاقتك كناقد بها وكمهتم بأدب المرأة؟
* أنا تهمني قضية المرأة بالدرجة الأولى، قبل أن نقلصها إلى أدب المرأة.. أدب المرأة في رأيي هو جزء من القضية الكلية التي هي قضية المرأة، وقضية المرأة عندي هي جزء من قضية المهمش الاجتماعي كله.. أنا معني دائما بالوقوف والنظر علميا وثقافيا في شأن المهمشين تاريخياَ، واكثر التهميشات وقعت على المرأة في الواقع، ولذلك إذا قمنا بدراسة المرأة واللغة فنحن نقوم بنقد الثقافة، ونقد السائد الثقافي الذي يمثل متنا يزيح كل الهوامش الأخرى.. فأنا اقف على واحد من أهم الهوامش، ومن أخطرها، وهو قضية المرأة، وليس فحسب لخدمة المرأة، وهذا طبعا جانب مهم وأساسي بكل تأكيد، لكن أيضا من أجل نقد الثقافة، ومن أجل خدمة الرجل، لأننا إذا قصرنا الرجل والثقافة الذكورية بأخطائها فنحن نساعد على رسم خط طبيعي لعملية التنوع والاختلاف، التي يجب على كل طرف من الأطراف أن يتفهمها.. فالمرأة مختلفة عن الرجل، ويجب أن يفهم الرجل أن المرأة مختلفة عنه، وبما أنها مختلفة فهي ليست أقل منه، وإنما لها خصائصها ومزاياها، التي يجب أن نعترف بها، ويجب أن نتفهمها إذا فهمنا عناصر الاختلاف التي في المرأة، وما يترتب على هذا الاختلاف من خصائص، فيجب أن ننظر إلى أن خصائص المرأة عذوب فيها.. أحيانا الرجل ينظر إلى المرأة على أنها مختلفة عنه فهي أقل منه.. هي ليست أقل منه، كما أنه هو ليس اقل ولا أكثر منها! هو له عالمه وكينونته وعقليته المختلفة، وهي لها عالمها وقانونها وكينونتها المختلفة، ولا يعني الاختلاف هنا أنها أقل، ولكن يعني أنها فقط بهذه النوعية، ويجب على أطراف الثقافة التفاهم بين هذين القطبين المهمين.. إذا جرت عملية التفاهم فستكون مقياسا لأنواع من التفاهمات داخل كل الفئات الاجتماعية الرسمي منها والمهمش.
خلفة البنات
@ يقولون ان الناقد الغذامي يشعر بمرارة في نفسه لأنه لم ينجب ذكراً.. فبماذا ترد أنت؟
* لابد أن الذي قال هذا الكلام لا يعرفني.. أولا لأنني اعتبر بناتي هدية عظيمة من الله. وأنا استقبل هدية الله بفرح وابتهاج، ثم أن حياتي في البيت مع البنات هي حياة سعادة حقيقية، وعلاقتي بهن علاقة صداقة ومودة وتراحم ومحبة، ثم بعد ذلك كله أنا اعتقد من لا يقبل هدية الله يكون جاحدا وعاقا وسيئا بكل المقاييس، وأنا لست كذلك.. فمن ناحية اعتبر بناتي هدية كريمة من الله، ثم انهن قيمة إنسانية، وهن فعلا كائنات مريحة، ذكية، هادئة، وبيتي في منتهى الترتيب، الانضباط، النظافة, التواد، والانسجام التام.. بل انني أزيد وأقول انني بعد البنت الثالثة، حينما كانت زوجتي حامل في الطفل الرابع، تمنيت ودعوت الله أن لا يكون ذكراً، وتمنيت أن تكون أنثى، وكذلك مع البنت الخامسة، كان دعائي فعلا بإخلاص عميق أن تكون بنتا، لا ولدا، ولو خيرت الآن وأنا الآن لدي 5 بنات لقلت أن هذا والحمد لله كاف كعدد، لأن شروط التربية تحتاج إلى أن يكتفي الإنسان بعدد محدد. لكن لو جاءني مزيد فسأتمنى من الله أن يكون بنتا لا ولدا، لذلك أقول أن الذي قال عني هذا الكلام لا يعرفني فعلا.
التشكيليات
@ بماذا تفسر ظاهرة التشكيليات السعوديات اللاتي أصبحن أكثر عددا من التشكيليين الرجال؟
هذا ينسحب على مجموعة من الملاحظات، الملاحظة التربوية الآن أن البنات في المدارس أرقى تحصيلا من الأولاد، وإن البنات إذا تصدين لعمل ينجزنه بأدق وأسرع من الأولاد، فهي ظاهرة تجري ملاحظتها، خاصة منا نحن الذين نمارس التعليم والتدريس الجامعي، فهناك فرق كبير بين إنجاز البنات وإنجاز الأولاد، وهذا يشمل أيضا الناحية التشكيلية والإبداعية، في مجالات القصة القصيرة والفن التشكيلي، فهذه وسائل من أهم وسائل تعبير البنت عن مشاعرها، خاصة الفن التشكيلي، لأنه نوع من البوح الخفي، البوح المرمز، وليس البوح المباشر، فهو يساعد المرأة على أن تبوح، دون أن تفضح بوحها، فهو لغة رمزية إيحائية، فيها رسالة مبطنة ومضمرة، فيساعد المرأة، لأن المرأة في المجتمع تحاسب على كل أنواع البوح الذي تبوح به، فإذا استخدمت الوسيلة التشكيلية فهي تستطيع البوح دون أن تحاسب على هذا النوع من البوح.
نظرية الدكتور البازعي
@ ما موقفك مما ذهب إليه الدكتور سعد البازعي في تأصيل نظرية ثقافة الصحراء في كتابيه (ثقافة الصحراء، وإحالات القصيدة)؟
* يؤسفني أن أقول انني لا أظن ان الدكتور سعد البازعي قادر على التنظير!! يعني جهده التنظيري ضئيل جدا وضعيف، فلا أجد عنده عمقا معرفيا من الممكن أن ننسبه للتنظير، أعتقد ان هذا مجرد تأليف، يقوم على الوصف والرصد، وهو نوع من أنواع الدراسة الأدبية، لكنه لا يبلغ مستوى التنظير، ولا يبلغ مستوى النظرية النقدية أبدا، فمن الصعب أن نسميه تنظيرا.
أزمة العصر
@ من خلال متابعتك الأحداث الحالية فيما يتعلق بشأن الأزمة بين العراق والولايات المتحدة، حول حالة الحرب وألا حرب التي تعيشها منطقة الخليج العربي؟ هل في رأيك ثمة غموض يلف المنطقة؟
* لا ليس هناك غموض، هناك وضوح تام، نحن في حالة حرب حقيقية على المستوى المعنوي وسواه.
توقع
@ إذن هل تتوقع حدوث الحرب فعليا في غضون الأيام والشهور القادمة؟
* للأسف الشديد أنا اعتقد أن الحرب واقعة، ويجب أن نأخذ الأمور مأخذ الجد. والعالم العربي والإسلامي في حالة مواجهة حقيقية مع التيار اليميني المتطرف والمتصهينين في أمريكا وبريطانيا، ولذلك يجب أن نكون جادين جدا فيما يجري وفي نظرتنا إلى ما يجري.
الغذامي يلقي إحدى محاضراته


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.