أصبحت أخبار الهجرة السرية المأساوية وأصداؤها التي تبعث على القلق الموضوع الذي لا تكاد تخلو منه صفحات الجرائد والمجلات المغربية ولا تكفي أخبار الاعتقال والتقديم للمحاكمة التي تبثها بشكل مستمر القناتان المغربيتان الاولى والثانية، لثني الحالمين الانتقال إلى الشاطىءالشمالي للبحر الابيض المتوسط عن محاولاتهم لتحقيق هذا الحلم الذي تحول إلى وحش يبتلع كل أسبوع العشرات من الشباب المرشح للهجرة السرية عبر ما أصبح معروفا ب"قوارب الموت" التي تنقل ضحاياها إما إلى الاراضي الاسبانية لمعانقة المجهول، أو إلى أعماق البحر الابيض المتوسط بلا رجعة. وفي سعي من الجهات الرسمية المغربية على تأكيد أنها تبذل قصارى جهدها للحد من هذه الظاهرة، خصوصا أمام اتهام إسبانيا للمغرب بغض الطرف عن المهاجرين السريين الذين يهددون أمن أوروبا، وللتدليل على الجهد المغربي المبذول في هذا الصدد، يعرض التلفزيون المغربي بشكل مستمر متابعات لأنشطة الجهاز الامني المغربي الذي يحبط بين الفينة والاخرى بعض مشاريع الهجرة السرية التي تتم من السواحل المغربية. ولا تقتصر عمليات الهجرة السرية على المغاربة، إذ يوجد من بين الموقوفين عادة أفارقة من جنوب الصحراء، حيث أصبح المغرب في السنوات الاخيرة قبلة المئات من المهاجرين الافارقة، الذين ينتظرون على أرضه شهورا الفرصة المواتية لعبور البحر، أو ولوج مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين من قبل إسبانيا حيث تقدم لهم رعاية خاصة من قبل الاسبان، وتكون تلك نقطة الانطلاق نحو أوروبا، وهذه من بين العوامل التي شجعت هجرة الافارقة أكثر من أي وقت مضى في اتجاه المغرب على اعتبار أنه معبر وبوابة لأوروبا. أما بالنسبة للمهاجرين المغاربة ففرصتهم الوحيدة تبدأ عندما تلامس أقدامهم الاراضي الاسبانية على شواطىءالبحر الابيض المتوسط. ولم ينس الرأي العام المغربي بعد فاجعة "العرائش"، التي أودت بحياة العشرات من الشباب المغربي المرشح للهجرة السرية في الاسابيع القليلة الماضية، حيث تعرضوا للغرق على بعد أمتار قليلة من شاطئ مدينة العرائش بالشمال المغربي بسبب رداءة الجو. من ناحية أخرى وفي تطور لاحق، تناقلت وسائل الاعلام المغربية والاسبانية نبأ إضرام مجموعة من المهاجرين المغاربة النار في أنفسهم إثر اعتقالهم من قبل شرطة الحدود الاسبانية. وفي الوقت الذي اكتفى فيه الجانب المغربي بتلقي الخبر دون رد واضح، أفادت وسائل إعلام إسبانية بأن تحالف اليسار الموحد وجمعية المهاجرين "مالقة اكوخي" "استقبال مالقة" نظما مباشرة بعد الحادث مظاهرة احتجاجا على اعتقال العديد من المهاجرين السريين بمفوضية للشرطة التي شب بها حريق أدى إلى جرح 14 شخصا كلهم مغاربة. وطالب نائب تحالف اليسار الموحد خوسي لويس كانتيلا خلال ندوة صحافية بمالقة الحكومة الاسبانية بتوضيح دواعي تواجد مهاجرين بمفوضية للشرطة، وليس داخل مركز احتجاز، معتبرا أن تواجد المهاجرين بمفوضية الشرطة غير شرعي. وأكد أنه "لا يجب أن يوضع في زنازين تابعة للأمن أشخاص لا يستحقون ذلك". من جهته عبر رئيس جمعية المهاجرين "مالقة اكوخي" خوان بابلو أرياس عن أسفه لهذا الحادث المأساوي الذي كان من بين ضحاياه مهاجرون مغاربة محملا المسؤولية للحكومة الاسبانية. وقال إنه "كان بالامكان تجنب هذا الحادث لو كانت هناك سياسة ملائمة لتنظيم تدفق المهاجرين ومعالجة هذه الظاهرة المعقدة". ودعا أرياس السلطات الاسبانية إلى تطوير العلاقات مع المغرب معتبرا أن نصيب المغاربة من مجموع اليد العاملة الاجنبية بإسبانيا غير كاف. وأشار إلى أن ذلك يدفع إلى اللجوء إلى الهجرة السرية. وعبر عن أمله في أن تعود العلاقات المغربية الاسبانية إلى حالتها الطبيعية بعد قرار الملك محمد السادس بالترخيص بصفة استثنائية للصيادين الغالسيين بالصيد في المياه المغربية لمدة ثلاثة أشهر. يذكر أنه من بين ال14 مغربيا ضحايا هذا الحادث يوجد ثمانية حالتهم خطيرة. وحسب مصادر طبية من مستشفى كارلوس هايا ومستشفى الاطفال والمصحة الجامعية حيث تم استقبال جرحى يوم الجمعة فإن ثلاثة مهاجرين مغاربة غادروا المستشفى، في حين أن الباقين يوجدون في حالة خطيرة. وحسب مصادر إعلامية أندلسية فإن العديد من الاشخاص، الذين كانوا يوجدون في زنازين مفوضية الشرطة بمالقة قد قاموا يوم الجمعة الماضي في الساعة السابعة وأربعين دقيقة مساء بإضرام النار في أغطية أسرتهم وهو ما تسبب في تلك الكارثة.