في مدينة فاس المغربية، تراهم يجوبون الطرقات ويمشطون الشوارع باحثين عن لقمة تسدُّ رمقهم؛ الأفارقة السود كما يحلو للمغاربة أن يسموهم. «نيكرو» أو «عوازة» أو «أفريكانو»، كلها ألقاب تطلق على القادمين من جنوب القارة السمراء وجنوب الصحراء، من مالي وأبيدجان وجزر القمر وموريتانيا والكاميرون وغيرها. يصنع المهاجرون أو مهرّبو المهاجرين قوارب، تُعرف باسم «الكايوكو»، تستوعب العشرات من المهاجرين. ويصل المهاجرون إلى الشواطئ المغربية بأعداد كبيرة كي يعبروا من مدينتي لعيون وطان طان إلى جزر الخالدات ومنها إلى أسبانيا، بعد أن أصبح سفرهم عبر مدينتي سبتة ومليلة أكثر صعوبة بعد التشديدات الأمنية. منهم مسلمون ومسيحيون، تعلموا اللهجة المغربية اضطراراً تحت إكراهات التشرّد والجوع والبرد. أول ما يتعلمونه كلمة «السلام عليكم» و»أنا جائع.. لم آكل منذ يومين» و»اعطني درهماً» و»شكراً». وعبارات بالفرنسية «دوني موا آن درهم ماما» لمن استعصى عليهم نطق اللهجة المغربية.. كلها كلمات قد تساعدهم في التواصل مع المارة لكي يتصدّقوا عليهم بأي شيء، إلا أن نظرة البؤس والفقر في عيونهم تتعدّى كل التعابير وكل اللغات. الحُلم الذهبي يتركون بلدانهم والحُلم الذهبي نِصب أعينهم؛ العيش في أوروبا هو أول أولوياتهم، فمنهم من يفرُّ من المجاعة ومنهم من يفرُّ من الفقر والحاجة، ومنهم من يفرُّ من الحروب الأهلية والاضطرابات السياسية في بلدانهم، ومنهم حتى من يفرُّ من لا شيء، فقط سعياً وراء العيش في القارة العجوز وتحقيق الغنى والثراء. يحاولون التعايش مع المغاربة، يسمعون أغانيهم وموسيقاهم، يأكلون خبزهم ويتعرّفون على الأكلات الشعبية المشهورة في المغرب، يعيشون كمداً على أمل عبور البحر الأبيض المتوسط.. كيف لا وإسبانيا على مرأى قريب من حدود طنجة عروس الشمال. القلة القليلة منهم ينجحون في بلوغ نقطة ما وراء الأبيض المتوسط، وكثير منهم تتلاعب بهم أمواج البحر لترمي جثثهم إلى الشاطئ أو إلى بطن حيتان البحر وأسماك القرش. أما الكثيرون ممن فيخشون هول المغامرة ويعيدون حساباتهم حينما يسمعون اخباراً مرعبة عمن سبقوهم، اختاروا القنوع والتوقف في المدن المغربية وفضَّلوا التسوُّل على السحر الأوروبي.. فاتخذ بعضهم التجارة من ألبسة وعطور وبضائع تميّزوا بجلبها من بلدانهم يبيعونها بثمنٍ بخس للمغاربة ويسترزقون من دخلها. وبعضهم تعلم حِرفاً تقليدية ومنهم من عمل إسكافياً وبنَّاء. بل إن بعضهم قرَّر الاستقرار نهائياً في المغرب؛ فتجد كثيرين من المهاجرين قد تزوّجوا وأنجبوا وسجّلوا أبناءهم في المدارس الحكومية المغربية. الشرطة: لا إزعاج وقال مصدر أمني مغربي، رفض ذكر اسمه، إنه أثناء الدوريات الليلية والحملات التمشيطية في مهمة لتطهير الشوارع من «الشوائب الأمنية»؛ تلتقي الشرطة المغربية بالمهاجرين «نجد شباباً وشابات إفريقيين ينامون في الشوارع ويأكلون من القمامة». ولا تحاول الشرطة مقايضتهم «فهم لا يشكّلون لنا أي إزعاج». وقال إنه من النادر أن ترد شكوى تفيد أن مهاجراً سرياً أفريقيا قد سرق أو نصب أو احتال أو قدم على فعل جنائي. ويبدو أن الشرطة المغربية تحنو على المهاجرين نظراً للأخبار التي ترد من أوروبا وتصوّر المعاملة القاسية التي يُكابدها المهاجرون المغاربة ومواطنو الشمال الأفريقي. وأضاف المصدر: «نحن متعاطفون معهم (المهاجرون الأفريقيون). وندري تماماً مدى قساوة الوضع الاجتماعي والعنصري الذي يعيشه شبابنا في بلدان المهجر». ويقول المصدر «في الواقع ما نفتأ نعتقل بعضهم لنُعيدهم من حيث جاءوا حتى تدخل مباشرة العشرات منهم إلى الوطن». القلة القليلة منهم ينجحون في بلوغ نقطة ما وراء الأبيض المتوسط، وكثير منهم تتلاعب بهم أمواج البحر لترمي جثثهم إلى الشاطئ أو إلى بطن حيتان البحر وأسماك القرش. أما الكثيرون ممن فيخشون هول المغامرة ويعيدون حساباتهم حينما يسمعون اخباراً مرعبة عمن سبقوهم، اختاروا القنوع والتوقف في المدن المغربية وفضَّلوا التسوُّل على السحر الأوروبي. وأصبحت مدن المغرب تعجُّ بالمهاجرين السرّيين الأفارقة، فاس وطنجة وتطوان والدار البيضاء ومراكش وأكادير، حيث انتشروا في كل مكان تقريباً من المغرب، على الرغم من ارتفاع معدل البطالة في المغرب. ويشهد مبنى البرلمان المغربي اعتصامات واحتجاجات مستمرة تطالب بإيجاد حلول لأزمة البطالة. وقالت سلوى الخطاب عضو «الجمعية المغربية للدراسات والأبحاث حول الهجرة» إن أكثر من عشرين ألف مهاجر شرعي إفريقي يتوزعون في المملكة قادمون للدراسة أو ممارسة الأعمال الاستثمارية والتجارية، أما المهاجرون السود غير الشرعيين فربما يضاعفون العدد؛ لأن المغرب يواجه مشكلة في السيطرة على حركة الهجرة السرية. وأضافت «الخطاب»: «ليس لدينا رقم إحصائي مضبوط حول عدد المهاجرين السريين من الأفارقة في المغرب، إلا أنه يمكن القول إن عددهم يتكاثر كل سنة وهو في تزايد مستمر». وقالت إن الشرطة المغربية «توقف العشرات منهم كل يوم للتحقق من هويّاتهم ثم بعد ذلك يطلقون سراحهم في اليوم الموالي على أن يرحلوهم إلى مواطنهم». ويقول مهاجر أفريقي: «قدمت إلى المغرب منذ خمس سنوات، على أمل العبور إلى إسبانيا ثم إيطاليا لأتوجه إلى فرنسا، حيث كنت انوي الاستقرار والعمل هناك، لكن أخبرني ابن عمي الذي يُقيم في فرنسا، في السر طبعاً، أنه لم يعُد هناك عمل في فرنسا خاصة بعد الأزمة الاقتصادية التي نالت من معظم دول أوروبا، فارتأيت أن أذهب إلى سويسرا لأني أظن أن العيش هناك سيكون مختلفاً.. وعندما وصلت إلى المغرب اكتشفت أنه جنة الله في أرضه، وبجميع المقاييس». ويقول المهاجر الذي يتقن اللغتين الفرنسية والإنجليزية «كنت، في أول الأمر، أعيش على الإعانات التي يمدُّها لي بعض الأصدقاء الأفارقة وحتى المغاربة، والآن أنا أشتغل في أحد مراكز الاتصالات الكبرى». ويتقاضى نحو 700 دولار فضلاً عن الحوافز والمكافآت. وتزوج ب«نورا» وأنجبا طفلين: «صامويل» و»كواداا». وختم حديثه بالقول: «أنا سعيد في حياتي.. لا أظن أنني سأجد هذه الامتيازات في فرنسا أو حتى سويسرا». لا تمييز أما على الصعيد الشعبي فإن مغاربة كثيرين يتعايشون مع المهاجرين الأفارقة ولا يظهرون نحوهم أي تمييز، لكن كثيرين أيضاً يرون أنه يجب القضاء على هجرة الأفارقة السرية، فهي تجعل البطالة أكثر سوءاً، نظراً لأن المهاجرين ينافسون المغاربة ويستعدون للعمل بأي أجر، ما يجعلهم خياراً مفضلاً في قطاع الأعمال الخاصة.