وانطلقت أصوات الآلة العسكرية الأمريكية - البريطانية لتجهض كل آمال أولئك الذين تمسكوا حتى اللحظة الأخيرة بأن هناك مساحة لتحركات دبلوماسية قادرة على احتواء ما يمكن أن يحدث ليس للعراق وشعبه في الوقت الراهن من كوارث إنسانية مهولة, وإنما ما سيلحق بمنطقة الشرق الأوسط ودولها من مخاطر تهدد أمنها واستقلالها على المدى القريب جدا بعد أن أفلت المارد الأمريكي من عقاله.. صحيح أن كل المؤشرات كانت تدل على أن ما سماه الرئيس جورج دبليو بوش الابن (بساعة الحقيقة!!!) قد أزفت وبالتالي فالجميع باستثناء الولاياتالمتحدة وبريطانيا وأسبانيا وقف ينتظر (حدوث المعجزة) التي تبعد العراق عن شبح الدمار القادم إلا أن صوت طلقات (الكاوبوي الأمريكي) جعل من ذلك الحلم الجميل ليس سرابا, وإنما حقيقة مؤلمة اكتوى بنارها الجميع وعلى رأسهم أحبتنا وأخوة الدين والعقيدة والتاريخ في عراقنا الحبيب. فلقد (عقدها بوش الابن) عندما لم يترك للمجتمع الدولي أو منظمته الدولية خيارا لتفادي (وقوع الواقعة) فبعد أن يئست دبلوماسية الجنرال كولن باول من محاولة إقناع مجلس الأمن الدولي بإصدار قرار يفوض حكومة جنرالات حرب البيت الأبيض بضرب العراق بعد أن تربص به (الفيتو الفرنسي) قررت الحكومة إياها تطبيق القانون على طريقتها الخاصة وبالتالي شن هجومه المرتقب على العراق بدون قرار دولي متذرعا - وعلى طريقة إنني لا أكذب ولكنني أتجمل - بالقرار 1441 الدولي الذي يقول بأنه يعطيه هذا الحق ضاربا عرض الحائط بكل المبادئ التي قامت هيئة الأممالمتحدة عليها انطلاقا من مبادئ الرئيس الأمريكي الشهير ودرو ولسن الأربعة عشر والتي مهدت بعد إسدال الستار على إحداث الحرب العالمية الأولى الدامية لقيام عالم جديد محكوم بالشريعة الدولية عن طريق عصبة الأمم ومن بعدها الأممالمتحدة التي ترقبها اليوم وهي في حالة احتضار. وبأسلوب من تمكن منه وهم القوة قام الرئيس الابن بإصدار أوامره للأمين العام للأمم المتحدة المسكين كوفي عنان بضرورة مغادرة المفتشين الدوليين للعراق ثم تعليق برنامج النفط مقابل الغذاء ناهيك عن الأومر إياها التي بدأت واشنطون تصدرها تباعا إلى حكومات العالم بطرد الدبلوماسيين العراقيين من أراضيها مؤكدا على لسان وزير خارجيته الجنرال باول بأن مجلس الأمن قد فشل في الاختيار مؤكدا إصرار رئيسه على إقصاء الرئيس العراقي صدام حسين من السلطة... وإلا... التي ليس لها من مرادف في القاموس الأمريكي سوى الحرب. لقد تجلى هذا النهج الأمريكي بوضوح وشفافية منذ بداية حديث الرئيس بوش الابن عما أسماه بمحور الشر وان اتخذ في الحالة العراقية تبريرات عدة تراوحت بين مطالبة النظام العراقي بإزالة أسلحة الدمار الشامل التي اتهمته واشنطن بحيازتها ولم يثبت المفتشون على مدى وجودهم في العراق ومن خلال التقارير التي نقلها كل من هانز بليكس والبرادعي لمجلس الأمن تباعا وجود أثر لها ثم تحول الأمر إلى الإصرار على تنحي الرئيس العراقي صدام حسين عن السلطة ومن ثم مهلة الثماني والأربعين ساعة التي منحها الرئيس بوش لصدام حسين ونجليه لمغارة العراق. لقد عاش العالم خلال فترة الثماني والأربعين ساعة حالة الترقب المشوبة بالحذر والأمل في حدوث معجزة تنقذ العراق من المصير الذي يتربص به هذا على الرغم من إدراك الجميع بأن عصر المعجزات قد ولى. ومن هنا فلم يكن صباح يوم الأربعاء المنصرم تاريخا لبداية الهجوم العسكري الأمريكي البريطاني على العراق بقدر ما هو تاريخ قد يسجل بداية النهاية لما عرف بالشرعية الدولية التي شهدناها تلفظ أنفاسها الأخيرة من خلال عبارات الأسى والمرارة التي وردت على لسان أمينها العام بعد سماعه بوقوع الواقعة وقيام الولاياتالمتحدة بالمضي قدما في تحقيق عزمها على ما تريد بالقوة. إن ما يحدث اليوم على ارض العراق يجسد بلا أدنى شك حالة انعدام الوزن التي يعيشها العالم في ظل نظام القطبية الواحدة بعد تفرد الولاياتالمتحدة بقيادة العالم من خلال ما يعرف بالنظام العالمي الجديد بعد أن أثبتت الأزمة العراقية بما لا يدع مجالا للشك أن المعارضة الدولية تبدو وكأن لا وجود لها في ظل الهيمنة الأمريكية التي تجاوزت المنظمة الدولية ومجلس أمنها. ومن هنا أيضا فقد لا يطول بنا الوقت طويلا لكي نسمع بمرثية الأممالمتحدة التي سيتناوب على كتابة سطورها شعرا كل من الرئيس جورج بوش وتوني بلير يساعدهم في ذلك ديك تشيني رامسفيلد كونداليزا رايس الجنرال باول.. وبقية الفرقة إياها. فلقد صمدت الأممالمتحدة لأكثر من نصف قرن في ظل النظام العالمي ثنائي القطبية في وجه كل التحديات التي عصفت بها مرورا بفترة الحرب الباردة فقضية خليج الخنازير فأزمة برلين فالحرب الكورية.. وغيرها إلا أن كل المؤشرات والدلائل تشير إلى أنه وفي ظل السيطرة الأميريكية على النظام العالمي الحالي فإن ما تبقى لها من عمر سيكون مختلفا وبالذات بعد أن أرست ما تقوم به واشنطن من خلال حملتها العسكرية على العراق سابقة في العلاقات الدولية تجعل في مقدور الزعامات المهووسة بوهم القوة من فرض سطوتها على الآخرين بقوة السلاح. حفظ الله العراق وأهله وأرضه ووحدته من كل شر. ورد كيد الأعادي الى نحورهم وعلى الحب نلتقي