نحن لا نختار الأفراد والمجموعات المحيطة بنا في بعض الدوائر الاجتماعية خارج المنزل؛ كالعمل أو الدراسة أو التجمعات القسرية في بعض المناسبات العائلية، فإن حالفنا الحظ بأشخاص يبعثون المتعة والتفاؤل في أنفاسنا داخل أي تجمع طويل الأمد فخيرا رُزقنا، وإن حدث العكس فردد «ربنا افرغ علينا صبرا» حتى يأتيك ويأتينا الفرج. نحتاج إلى تكنيك نفسي للتعامل مع سوء الأخلاق الذي نصادفه في حياتنا، مع أشخاص تجبرك الظروف بالاجتماع معهم كثيرا، وفي ظل ظاهرة الحسد الاجتماعي (والأنا المتضخمة) وانخفاض درجة السلوك المهذب في بعض الأفراد، علينا التحلي بصفة التغاضي ممزوجا بالصبر واحتساب الأجر. أمر آخر يجب التكيف معه وأراه قد تفشى كثيرا في العقول إذا كنت لا تزال تعرف معنى العيب، وتشعرك قلة تهذيب الآخرين بالخجل، ولم تحسن بعد سياسة (قصف الجبهة) واختراق النوايا وانتهاج الشك المذهبي في كل حدث، فأنت لا تزال بريئا مهذبا لم تصب بعد بعدوى الرداءة الأخلاقية والنفوس، فظاهرة الشك المطلق في كل أمر أصبحت حاضرة دائما في تحليل الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ففي أبسط الأحداث والأمثلة انظر التعليقات والتحليلات، الواردة على أحد البرامج الشهيرة في المجتمع السعودي على مواقع التواصل، وفي حديث المجالس؛ والذي تم فيه تناول بعض القضايا الأمنية، قفز الكثيرون في ظنهم إلى أن ما تم عرضه كان بغرض إلهاء العامة عن قضايا أهم، والبعض قفز إلى أبعد من ذلك، حينما قال: إنها رسالة موجهة للغرب، والتعقيب في هذه القضية ليس محاولة لتبرئة البرنامج مما وصم به، فأنا لي تحفظات فيما يتعلق بطريقة الحوار وطرح القضايا فيه، مع إعجابي أيضا بتفرده في عدة جوانب. هذا المثال البسيط كان محاولة لتقريب مفهوم تفشي ظاهرة الشك المطلق في كل شيء، إن الشك في أي مسألة تخص العلم هو إثراء للمعرفة، أما الشك في النوايا والآخرين وتبني نظرية المؤامرة فهو إثراء للفساد الفكري. وللشخصية الشكاكة خصائص، منها محاولته المستمرة توثيق الأحداث توثيقا تقنيا أو عن طريق الشهود، فمثلا تفاجأت من شخص مسؤول في إحدى الإدارات الحكومية كان يسجل المكالمات التي ترده من الموظفين دائما، وتبريره لذلك أنها مستمسك قد يحتاج له في المستقبل، في حال إنكار الموظف عنده لأي تعليمات شفهية أمر بها، لم يدم تعجبي كثيرا حينما قارنت بين سلوكه وآخر أسوأ منه، فقد كنت أعرف امرأة تسجل مكالماتها مع صديقاتها في العمل بدواعي الحذر، ولم أجب بعد على لغز هذا الحذر الذي يدفع بنا إلى تصرفات مثل هذه!!. ومثار العجب هنا أنها تصدر من متعلمين راشدين. لا أعرف لماذا فجأة بدأنا نلحظ هذه التغيرات الأخلاقية والقيمية على الأفراد؟، ربما لتعدد وسائل الاتصال، والتفاعل المستمر على مدار اليوم بين الأفراد دور في رؤية العيوب بشكل أوضح، أو أن القيم الدينية والتربوية يبدو بالفعل أنها تهلهلت بحسب ما يعلل البعض، ولم يعد الوعظ المدرسي والأبوي البريء مجديا في إكساب النبل الأخلاقي. وعود على بدء، إذا كنت تنتمي لدائرة اجتماعية بغيضة لك، فقلص علاقاتك فيها قدر المستطاع، ودعهم يقولوا ما يقولون، فأنت لن تسلم من ألسنتهم في كل الأحوال، أما إذا كنت تتعرض لهذا الأذى من شريك حياتك، ولم تفلح محاولاتك العلاجية لسلوكه، فأنت سيئ الحظ بامتياز، وعليك الانسحاب تماما من هذه الدائرة بالانفصال. وأخيرا إذا كنت لا تزال تعرف معنى العيب، وتشعرك قلة تهذيب الآخرين بالخجل، ولم تحسن بعد سياسة (قصف الجبهة) واختراق النوايا وانتهاج الشك المذهبي في كل حدث، فأنت لا تزال بريئا مهذبا لم تصب بعد بعدوى الرداءة الأخلاقية. تويتر @taaroofaah